رسالة إلى أمي… إلى جنتي التي رحلت

رسالة إلى أمي… إلى جنتي التي رحلت
- إبراهيم الحبيشي
الاثنين 20 أكتوبر 2025
أمي الحبيبة،
يا وجعي الذي لا يهدأ، ويا فراغي الذي لا يُملأ،
يا من كنتِ البهجة في نهاري، والطمأنينة في ليلي…
كيف أشرح لكِ ما أشعر به منذ رحيلك؟
وكيف أصف هذا الصمت الذي يسكنني منذ أن غاب صوتكِ عن البيت؟
كنتِ عادةً لا تغيب،
وصوتًا لا ينقطع،
وضوءًا لا يخفت.
كنتِ أول من أسمع صوته في الصباح،
وآخر من أطمئن عليّة قبل أن أنام.
كنتِ قلبي خارج جسدي،
وحياتي خارج أي معنى آخر.
أتعلمين يا أمي؟
ما زلتُ كل يومٍ أُمسك هاتفي دون وعي،
أبحث عن اسمكِ بين الأسماء،
وأضغط على رقمكِ كما كنتُ أفعل،
وكأن قلبي يرفض أن يصدق أنكِ لن تردي هذه المرة.
وحين يأتيني الصوت البارد:
«الرقم الذي تتصل به مغلق الآن»…
أشعر وكأن العالم كله يسقط فوق صدري.
ذلك الصوت يغرس فيّ وجعًا لا يُحتمل،
كأنه يذكرني في كل مرة أنكِ حقًا لم تعودي هنا.
أمي…
لقد رحلتِ، وبقي كل شيءٍ في البيت يذكّرني بكِ.
رائحتك، مكانكِ وسادتك،
الوسادة التي كانت تحمل آثار دعائكِ لي،
حتى مسبحتك التي لم أستطع أن ألمسها بعد…
كأنها تنادي عليّ بصمتٍ لا يُسمع إلا بالقلب.
لكنني ما زلتُ عاجزًا عن التكيّف مع غيابكِ.
كأنكِ لم ترحلي… كأنكِ فقط في زيارةٍ طويلةٍ سأنتظركِ بعدها.
أشتاق لصوتكِ وأنتِ تدعين لي بالخير،
أشتاق لضحكتكِ التي كانت تداوي همومي،
أشتاق حتى لصمتكِ حين كنتِ تشعرين بي دون أن أتكلم.
كنتِ تعرفين حزني من نبرة صوتي،
وتُصلحين كسري بكلمةٍ واحدة: «الله معك يا بُني».
أماه،
منذ رحيلكِ وأنا أشعر بأن قلبي يتيم،
الناس تقول إن اليُتم حين يموت الأب،
لكنّ اليُتم الحقيقي يبدأ حين تُدفن الأم.
حينها يدرك الإنسان أنه صار وحده في هذا العالم،
بلا سند، بلا دفء، بلا مكان يعود إليه حين يخذله الجميع.
يا جنتي التي غابت،
كم كنتِ تشبهين النور في كل شيء،
في طيبتكِ، في عطائكِ، في صبركِ،
كنتِ تحملين همّنا جميعًا دون أن تشتكي،
وحين كنتِ تتعبين، تخفين ألمكِ بابتسامة،
حتى لا نقلق عليكِ.
أماه…
رحمكِ الله كما رحمتي ضعفنا،
وغفر لكِ كما غفرتِ لنا كل زلاتنا،
وجزاكِ عن كل دمعةٍ ومسحة حنانٍ جناتٍ من نور.
أسأل الله أن يجعل قبركِ طاهرًا،
تغشاه أنوار الرحمة، وتأنس فيه روحكِ برحمة الله ورضاه.
اللهم،
إن أمي قد كانت رحيمةً بي في حياتها،
فكن أنتَ أرحم الراحمين بها بعد وفاتها.
اللهم اجعلها من الضاحكين المستبشرين في الجنة،
واجعل ابتسامة وجهها لا تغيب أبدًا كما كانت في الدنيا.
اللهم اجمعني بها وبأبي في مستقرّ رحمتك،
حيث لا وداع، ولا بكاء، ولا فراق.
يا أمي…
نامِي قريرة العين،
فابنكِ لم ولن ينساكِ أبدًا.
دعاؤكِ باقٍ في صدى أيامي،
وصورتكِ محفورة في قلبي،
وذكراكِ تعيش في كل نبضةٍ من نبضاتي.
رحمكِ الله يا أمي،
كنتِ جنتي في الدنيا،
وما زلتِ جنتي التي أرجو أن ألقاها في الآخرة
اقرأ أيضا : اتحاد القوى الشعبية يعزي الأستاذ إبراهيم الحبيشي في وفاة والدته الفاضلة
