كتابات فكرية

رد على مقال عن أي ثورة نتحدث .. للقاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي

رد على مقال عن أي ثورة نتحدث .. للقاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي

  • حسن حمود الدولة

 السبت1مارس2023

في مقاله “عن أي ثورة نتحدث؟!” الذي نشرته صحيفة “الشورى” الإلكترونية يوم الثلاثاء 25 فبراير 2025م، وأعاد نشره على صفحته على “فيسبوك”، طرح الصديق العزيز القاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي تساؤلات حول ثورة 11 فبراير 2011، معبرًا عن رأيه بأن الثورة سلمت قيادتها لمن لا يؤمنون بها، مما أدى إلى انقسام الصف الثوري؛ وأتفق معه في ذلك، وفي رده على مناقشتي للحلقة الأولى للمقال الذي أشرت فيه إلى أنه يجب أن نفرق بين الثورة كحدث تاريخي شارك في صنعه الشعب الذي خرج إلى الميادين بالملايين، مطالبًا إسقاط نظام عفاش “الجملكي”، وتمخضت الثورة عن عقد مؤتمر حوار وطني شامل خرج بأعظم وثيقة تخرج اليمن من نظام الدولة المركزية التي تسهل للدكتاتور أن يحول الدولة إلى عزبة يورثها لغلمانه، والاتفاق على الدولة الاتحادية المدنية، والخروج بمسودة دستور راعت اللجنة في صياغتها ما توصلت إليه “مخرجات الحوار الوطني الشامل” والاستفادة من تجارب أكثر الدول الديمقراطية في العالم ،ظن القاضي عبدالعزيز أنني أرفض الانتقاد لمسار ثورة الحادي عشر من فبراير، معتبرًا أن رأيي هذا يدخلنا في متاهات الأحكام المطلقة؛ إما مع الثورة أو ضدها، وفي هذا السياق أود التأكيد على أنني حرصت على التفريق بين الثورة كحدث كان سيحدث تغييرًا هائلًا في اليمن اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، لولا أنه تم القضاء على هذا الحلم الذي لم يتحقق من خلال ثورتين مضادتين؛ الأولى قام بها حزب التجمع اليمني للإصلاح، وبدعم من المشايخ ومن الجنرال علي محسن الأحمر ومعهم قطر، والثانية بقيادة رأس النظام السابق علي عبدالله صالح وحلفائه، وأبرزهم حركة “أنصار الله” (الحوثيين)، وبالتالي لا يجوز أن نحاكم ثورة شعبية أو بالأصح انتفاضة شعبية سلمية، بمآلات الثورتين المضادتين المشار إليهما، كما يشدد القاضي عبدالعزيز البغدادي على أن الثورة ليست مجرد شعارات أو عنف، بل يجب أن تكون سلمية، وتهدف إلى التغيير الجذري، إلى آخر ما جاء في مقاله الرائع، والذي أتفق معه في معظم ما جاء فيه.

كما أكد المقال على أهمية الشرعية الدستورية، ويبرز أن الشرعية الثورية تنبع من الضرورة الملجئة. كما يفرق بين ثورة 11 فبراير وثورة 26 سبتمبر 1962م، مشيرًا إلى أن الأخيرة قام بها ضباط من مختلف فئات المجتمع، ولم تكن ثورة عنصرية. معبرًا عن قلقه من أن أية ثورة تستعيد نظامًا ملكيًا أو سلطانيًا لن تؤدي إلا إلى سراب، كما أكد على ضرورة تصحيح مسار الثورات لتحقيق السلام الدائم للأجيال القادمة، وأتفق مع قاضينا الجليل بأن الثورة ليست مجرد تغيير للأشخاص في السلطة، بل هي تعبير عن إرادة جماهيرية تهدف إلى تغيير جذري في النظام الاجتماعي والسياسي. إن الثورة تعكس رفض الشعوب للظلم والطغيان، وهي فرصة لبناء مجتمع أكثر عدلًا وحرية. ومع ذلك، كما ذكرت، فإن الثورات قد تُستغل من قِبل قوى سياسية تسعى للهيمنة، وهذا ما حدث بالفعل في ثورة 11 فبراير، حيث استغل حزب الإصلاح الحراك الشعبي لمصلحته، مما أدى إلى انقسام الصف الثوري.

نعم، إذا كانت الثورة تعبر عن إرادة الشعب، فإنه يجب أن تكون موجهة لمصالحه، وليس لتكريس السلطة بأيدي الطغاة. وبالتالي فإن تصحيح مسار الثورات هو ما يجب أن نسعى إليه، بدلًا من الانجرار وراء قوى تحاول استغلال آلام الناس وتطلعاتهم من أجل مصالحها الخاصة. إن الفهم العميق لهذه الديناميكيات هو ما يمكن أن يساعدنا في بناء مستقبل أفضل لليمن.

علاوة على ذلك، كان لفشل المرحلة الانتقالية بعد ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م، دور كبير في ظهور الثورات المضادة المشار إليها آنفًا، كما لم تتمكن الحكومة الانتقالية من تحقيق الأهداف المرجوة، بل كانت في الحقيقة ضدًا على تحقيقها، كما أن عدم تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بشكل فعال أدى إلى إحباط الكثير من الثوار والمواطنين. هذا الفشل في بناء مؤسسات الدولة بشكل قوي وفعال زاد من الاستياء العام.

ويضاف إلى تلك العوامل التدخلات الخارجية التي تعتبر عاملًا مؤثرًا، إذ أسهم دعم بعض الدول الإقليمية لقوى معينة في تعزيز تلك القوى على حساب أخرى، مما زاد من الانقسامات. وحصلت التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، على عكس ما تغياه الشعب مثل الأزمات الاقتصادية التي شهدها اليمن، أسهمت أيضًا في تعزيز الانقسامات وزيادة الاستياء الشعبي.

ولزياد الفائدة وإثراء للنقاش، يجدر بنا ضبط المصطلحات، وليسهل التفريق بين “الثورة”، بما تنطوي عليه من تغيير شامل في حياة المجتمع، وبين “انتفاضة” عابرة، تظهر ثم تخفت وتتلاشى، و”انقلاب عسكري” لا يحدث تغييرًا سوى في أشخاص الحكام، و”تمرد” قد يكون مصحوبًا بالعنف ما يلبث أن يواجه بعنف مقابل من قبل السلطة الحاكمة، ثم ينتهي، و”حركة احتجاجية أو مطلبية”، ضد إجراءات متخذة، أو للمطالبة بحقوق معينة، تتوقف بمجرد إلغاء تلك الإجراءات، أو بعضها، وتلبية تلك المطالب أو جزء منها، فالحدث لا يرقى إلى مستوى ثورة إلا إذا كان حدثًا مستمرًا وتأثيره شاملًا على مختلف الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث تمثل منعطفًا تاريخيًا وانتقالًا واضحًا من مرحلة تاريخية إلى مرحلة تاريخية جديدة، فالانقلاب العسكري قد يتطور إلى ثورة: الانقلاب العسكري المصري في 23 يوليو 1952م وفي اليمن في 26 سبتمبر 1962م، فكلا الانقلابين تحولا بعد نجاحهما، إلى ثورتين أحدثتا تغييرًا عميقًا في المجتمعين، في حين أن انقلابي 1948م و1955م في اليمن، بقيا انقلابين، أو بمعنى أدق محاولتي انقلاب*.

ففي مصر بدأ الانقلاب العسكري بتشكل مجلس وصاية على العرش، ولكن إدارة الأمور كانت في يد مجلس قيادة الانقلاب العسكري المشكل من 13 ضابطًا برئاسة اللواء محمد نجيب، كانوا هم قيادة تنظيم الضباط الأحرار، ثم ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953. وقامت الثورة على مبادئ ستة كانت هي عماد سياسة الثورة، وهي القضاء على الإقطاع، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة حياة ديمقراطية سليمة، إقامة جيش وطني قوي، إقامة عدالة اجتماعية.

ولم يكن لدى الضباط المصريين “تنظيم سياسي” ولا “نظرية سياسية ثورية”، فما إن توفي القائد لم تكن هناك أداة سياسية تحفظ للجماهير دورها السليم في العمل والرقابة والتغيير، ومع غياب “ناصر”/ القيادة وغياب البناء السياسي السليم كان سهلًا الانحراف في مصر عن المبادئ والأهداف، وهذا ما حصل في اليمن وفقًا لما فصلناه في تعليقنا على الحلقة الأولى لمقال القاضي عبدالعزيز، فخصص حلقته الثانية ردًا لما أثرنا من نقاط حول ثورة الحادي عشر من فبراير، وأن ما تحقق بعد الثورة هو عكس ما حددته أهداف 26 سبتمبر الستة التي اقتبسها الضباط الأحرار من الأهداف الستة للثور المصرية.

ولم يقلد الضباط الأحرار مصر في ذلك فحسب، بل قاموا بتعيين الزعيم -العميد- عبدالله السلال ليؤدي دور اللواء محمد نجيب، إلا أن السلال قام مع الضباط الكبار بالتخلص من قيادات تنظيم الضباط الأحرار، ومنهم الملازمان محمد مطهر زيد وعلي عبدالمغني، كما عزز دور المشايخ وأصدر قرارًا بتعيين مجلس ضم كبار المشايخ، سبق أن أنزلت القرار على صفحتي على “فيسبوك”، أكثر من مرة، وفي 2 يناير 1963م، أصدر السلال قرارًا بإنشاء “المجلس الأعلى لشؤون القبائل مكونًا من 12 شخصًا”، وعين وزيرًا لشؤون القبائل، وصولًا لتثبيت ميزانية خاصة مستقلة لشؤون القبائل، بدءًا من بُعيد الثورة مباشرة في العام 1963م، وكلها إجراءات سياسية اقتصادية تصب في اتجاه تعزيز وترسيخ دور ومكانة البنية المشيخية القبلية في قمة السلطة، كمؤسسة سياسية، ما سهل الانقلاب على الثورة، وتقوى المشايخ بدول الإقليم، فمنهم من ارتبط بالسعودية، ومنهم من ارتبط بمصر أو بالعراق.

وتلك الإجراءات التي اتخذها السلال خلقت مراكز قوى قبلية معرقلة لبناء الدولة، فلما حصلت المصالحة بين اليمنيين بعد الاتفاق بين الرئيس عبدالناصر والملك فيصل، بأن يوقف البلدان الدعم للقوى المتصارعة -بين الجمهوريين المدعومين من مصر والملكيين المدعومين من السعودية- وبعد ذلك عقدت المؤتمرات التصالحية في خمر والجند، وقبلهما في عمران، اتفق اليمنيون على إزالة النظام الملكي وخروج أسرة بيت حميد الدين، وفي هذا التاريخ التف الشعب كل الشعب حول الثورة والجمهورية، وتحول الانقلاب العسكري إلى ثورة.

إلا أنه للأسف الشديد ظلت الدولة محكومة من قبل مراكز قوى عسكرية قبلية ارتبطت بالسعودية “الشيخ عبدالله” وبالعراق مشايخ وضباط بيت “أبو لحوم”، فقامت حركة تصحيحية بقيادة العقيد إبراهيم الحمدي، وتم القضاء على مراكز القوى، إلا أن نقطة ضعفه كانت تكمن في أنه تخلص من الضباط الكبار، واعتمد على صف ضباط لم يكونوا من خريجي الكليات الحربية والشرطة، ومنهم أحمد الغشمي وعلي عبدالله صالح ومحسن اليوسفي، ما سهل للسعودية استقطابهم والتخلص من الرئيس إبراهيم الحمدي، وإلى طلوع الرائد علي عبدالله صالح. ونخلص إلى أن لا ثورة الحادي عشر من فبراير ولا ثورة السادس من سبتمبر قد تحققت أهدافها.

وغني عن البيان أنه كان يتوجب على رجالات الثورتين -يوليو المصرية وسبتمبر اليمنية- أن يسلموا السلطة لإدارة مدنية تدير الدولة سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، في حين يكونون سلطة عسكرية تملك القوة لردع أي شخص يحاول أن يقتل حريات الشعب، أو يصادر الديمقراطية ويحتكر السلطة لنفسه رغمًا عن أنف أبناء هذا الشعب.

وهذا لا يعني أن الحادي عشر من فبراير والسادس والعشرين من سبتمبر ليستا ثورتين كما هي ثورة 14 أكتوبر في الجنوب، بل هما ثورتان وإن كانت الأولى سلمية والثانية صاحبها إعدامات عشوائية، لكن كلا الثورتين تعرضتا لثورات مضادة، والموضوع يحتاج إلى بحث أعمق، ولكن نكتفي بهذا القدر، ولا يسعني في الختام إلا أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للقاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي الذي يثير في “يوميات البحث عن الحرية” مواضيع تستحق من النخب السياسية مناقشتها وإغناءها حتى نصل إلى قواسم مشتركة ومصالحة وطنية شاملة، واعتبار مخرجات الحوار الوطني مرجعية لأي اتفاق قادم.

—-‘———————————-‘

* فقرة من مداخلة للدكتور أحمد قايد الصايدي في ندوة حول “العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية”، أقامتها جامعة الملكة أروى، بتاريخ ٢٥ ديسمبر 2019م.

اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل عبر صوت الشورى .. هل الثورة للشعب أم للطغاة وضد الجماهير؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى