كتابات فكرية

تعقيب على مقال القاضي عبدالعزيز البغدادي الموسوم ب: (لماذا نبحث عن بطل لوحدة باتت على حافة الهاوية!؟)

تعقيب على مقال القاضي عبدالعزيز البغدادي الموسوم ب: (لماذا نبحث عن بطل لوحدة باتت على حافة الهاوية!؟)

تعقيب على مقال القاضي عبدالعزيز البغدادي الموسوم ب: (لماذا نبحث عن بطل لوحدة باتت على حافة الهاوية!؟)

  • حسن الدولة

 الثلاثاء10 يونيو 2025-

يتميز القاضي عبدالعزيز البغدادي بقدرة فائقة في صياغة عناوين مقالاته، حيث يقوم بضغط معاني المقال في العنوان  بشكل يجذب القارئ ويختزل الفكرة الأساسية.

في مقاله الأخير موضوع هذا التعقيب المشار إليه أنفا يطرح سؤالاً استفهامياً يحمل في طياته نقداً لاذعاً للواقع اليمني المتردي، حيث تساءل عن جدوى البحث عن بطل لوحدة أصبحت على حافة الهاوية.

فهذا السؤال كما يشي معناه ينطوي على شقين أساسيين: الأول يتعلق بإنكار فكرة أن لأي وحدة بطلا، والثاني يؤكد أن هذه الوحدة أصبحت اليوم على وشك الانهيار، أو بحسب تعبيره باتت على حافة الهاوية.

بصفتي أحد الذين دار بينهم وبين القاضي العلامة عبدالعزيز  البغدادي حوار عبر مقالين سابقين، أجد نفسي معنيًا بشكل مباشر بهذا الطرح. بينما أتفق معه في الجوهر، إلا أنني أختلف في بعض التفاصيل المتعلقة بمسألة بطل الوحدة. فقد أوضحت في مقالاتي السابقة أن المناضل علي سالم البيض يستحق لقب بطل الوحدة لأسباب عدة فصلتها في تلك المقالات منها موقفه الشجاع عندما طرح الوحدة الاندماجية بدلا عن الوحدة الفيدرالية او الكونفدرالية التي طرحها الجانب الشمالي برئاسة علي عبدالله صالح. كما أنه رفض العرض السعودي الذي عرضه وزير الخارجية السعودي الأسبق الأمير سعود الفيصل بأن تؤجل الوحدة مقابل دعم المملكة لهم ماليا وقدمت لهم مشروعا سكنيا في المعلا ، وان علي سالم البيض حاول أن تتم إدارة الحكم بشراكة حقيقية إلا انه تم الانقلاب على تلك الوحدة السلمية كما أوضحنا في المقالين السابقين.

ونحن هنا نذكر أيضا الموقف الشجاع للرئيس علي عبدالله صالح الذي واجه معارضة شرسة للوحدة من قبل قوى شمالية مثل علي محسن ومراكز نفوذ بما فيهم رئيس مجلس النواب وآخرين ممن يتقاضون مرتبات من السعودية، حتى أن مناضلا ناصريا هو الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي وقد ارتبط بالسعودية عن طريق الشيخ محمد بن علي ناجي الغادر عقد ندوة في فندق رمادا حدة مما قال في كلمة افتتاح الندوة التي دعي إليها كاتب هذه السطور أن نجران وجيزان لم تكونا يمنيتين في أي تأريخ لا القديم ولا الحديث، كما أن صحيفة الصحوة تفرغت لمناوأة الوحدة وكذلك الحملة التي قادها الشيخ عبدالمجيد الزنداني ومحاضراته عن ما اسماها ثغرات في دستور دولة الوحدة ووقف بجانبه أيضا حزب الإصلاح الذي هدد بمسيرة مليونية ونشر كاسات تكفر دستور دولة الوحدة،إلا أن علي عبدالله صالح تحدى تلك الأصوات النشاز وسافر إلى عدن، لكنه سرعان ما انقلب على الوحدة السلمية مرتين.

وعندما نزل الرئيس علي عبدالله صالح إلى عدن، كان الأستاذ علي سالم البيض قد رفض مقترحيه بالوحدة الفيدرالية أو الكونفدرالية، واختار بدلاً منهما الوحدة الاندماجية مع فترة انتقالية طويلة. هذا الموقف الجريء دفع بصالح نفسه إلى الاعتراف في أكثر من ست مناسبات بأن البيض هو بطل الوحدة، قائلاً بأن الوحدة ما كانت لتتحقق لولا قرار علي سالم الشجاع،. بل إن العقيد القذافي في مؤتمر بغداد طلب من الحاضرين من القادة العرب تقديم تحية تكريم للبيض باعتباره الرجل الذي أثبت أن سبب عدم تحقيق الوحدة العربية هو عدم تنازل الحكام.

لكن هذه الوحدة التي بدأت سلمية تحولت لاحقاً إلى وحدة بالإكراه والدم. ففي صيف 1994، أعلن علي عبدالله صالح حربه على الجنوب تحت شعار “الوحدة أو الموت”، ثم أعاد الكرة في مارس 2015 من شرفة قصره فيما سماه “حرب المنفذ الواحد”. في الحرب الأولى كان صالح يحكم بشرعية الرئيس ويتحالف مع الإسلام السياسي السني، بينما في الثانية كان قد أصبح مخلوعاً ويتحالف مع الإسلام السياسي الشيعي. هذا التحول جعله في نظري من عمد الانفصال بالدم، عندما حول الوحدة السلمية إلى وحدة ضم وإلحاق بالقوة.

أما عن الشق الثاني من عنوان مقال القاضي العلامة عبدالعزيز البغدادي، فأتفق معه بأن الوحدة باتت على حافة الهاوية، لكني أرى أنها قد سقطت بالفعل في الهاوية. فاليوم لدينا سلطات متنافرة في صنعاء وتعز ومأرب وعدن وحضرموت والمخا، بعضها يدعي الحق الإلهي المزعوم، والبعض الآخر أصبح أداة بيد دول الجوار. السعودية والإمارات الدولتين التي لم تخفيا طموحاتهما في ابتلاع أجزاء من أراضي اليمن، خاصة بعد أن التهمت عقب الحرب الأولى ضد الوحدة السلمية ثلاثة أرباع مساحة اليمن بموجب اتفاقيتن تعتبران من عقود الإذعان والتدليس، فالأولى درسوا على الشعب وأسموها “مذكرة تفاهم” ومضمون اتفاقية في منتهى الخطورة حيث نصت المادة الأولى ان البلدين اتفقتا على شرعية وإلزامية معاهدة الطايف التي وقعت في قرية من قرى محافظة الحديدة اسمها “الطايف” وهكذا أعادوا شرعية وإلزامية معاهدة الطايف التي انتهت بعد مرور عشرين عاما لأنها مؤقتة ورفض كل من الإمام احمد عام ١٩٥٤م والرئيس القاضي عبدالرحمن الارياني عام 1973م  وإبراهيم الحمدي والرئيس علي عبدالله صالح عام 1994م .

عندما يقول القاضي عبدالعزيز  البغدادي بأن عهد الحكم المطلق والسلطة المطلقة للفرد أو الحزب قد ولى، فإن الواقع يشهد على نوع أكثر رجعية من الحكم المطلق . وقد أصبحنا  أمام سلطات بلا شرعية، وكل منها تنتحل صفة النيابة عن الشعب ومنها من يدعي الحق الإلهي في الحكم بينما الإسلام في جوهره نظام شوروي ديمقراطي، ولان القاضي عبدالعزيز  كمختص في القانون فقد شخص الوضع بدقة عندما أكد أن انقسام السلطات يفقد كل منها الشرعية، وطالب بإجراء انتخابات تحت إشراف دولي محايد كحل وحيد للأزمة.

لكن التحديات أمام أي حل سياسي جدي كثيرة. دول الجوار تتصرف في اليمن كما لو كان مزرعة خاصة بها، والسلطات المحلية تتنافس على فتات السلطة بينما الشعب يعاني ويلات الحرب والجوع. الخطاب المذهبي في صنعاء يخدم فقط المخططات التوسعية لأعداء الوحدة، وما نحتاجه اليوم هو وقفة جادة من كل الأطراف، فليس هناك سلطة شرعية واحدة من بين السلطات المتعددة، وعليها جميعاً أن تتقي الله في هذا البلد المنكوب.

اليمن اليوم ليس على حافة الهاوية بل في قاعها. الوحدة التي تحققت بالدم لا يمكن أن تصمد طويلاً، وبخاصة أن الشعب اليمني الذي عانى من ويلات الحروب والتدخلات الأجنبية يستحق أن يقرر مصيره بنفسه، بعيداً عن مطامع المحليين والإقليميين. فما أرخص الأرض والإنسان في نظر من يتصارعون على السلطة، وما أعزها عند من يحلمون بيوم تشرق فيه شمس الحرية والكرامة على هذا الوطن الجريح.

اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل عبر صوت الشورى .. لماذا نبحث عن بطل لوحدة باتت على حافة الهاوية !؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى