كتابات فكرية

تجليات لـ عارف الدش

تجليات لـ عارف الدش

اترك نفسك .. سافر الى داخلك ( 1 – 2 )

  • عارف الدوش

    الأربعاء 20 فبراير 2025م

 الأغلبية الساحقة من الناس عندما تعمل فيهم التجارب الحياتية عملها يعتريهم الضيق والكدر وتحيط بهم الآلام والأحزان .. فيلجئون إلى السفر وتغيير أماكنهم بالانتقال إلى أماكن أخرى سواء داخل بلدانهم أو خارجها .. لعل في تغيير  الأمكنة التي هم فيها سيؤدي إلى إزاحة الضيق والآلام والأحزان والحصول على السعادة التي يعتقدون أنهم سيلاقونها في هذه المدينة أو تلك بعيداً عن مدينتهم التي يعيشون فيها .. أو في ذلك البلد البعيد  …

لكنهم بعد وقت من الزمن يجدون أنفسهم أنهم حملوا معهم ضيقهم وأحزانهم ومتاعبهم وألأمهم .. كونها مستقرة في نفوسهم نقلوها معهم ويحملونها في حلهم وترحالهم وهم لا يشعرون … لم يتغير شيء وإن مارسوا بعض الترفيه وكسروا روتين حياتهم المعتادة .. إلا أن ضيقهم وألأمهم وأحزانهم ومتاعبهم لم تغادرهم .. وأن السعادة التي يبحثون عنها لم تأتي إليهم ولم يحصلوا عليها … فهم لم يدركوا أن هروبهم من متاعبهم وأحزانهم وألأمهم بسفرهم وانتقالهم من بلدهم إلى بلد آخر أو من مدينتهم الى مدن أخرى في بلدانهم ما هو إلا هروباً منهم إليهم .. وأن من يسبب لهم متاعبهم ويجعل حياتهم في ضيق ويسبب لهم الأحزان والهموم والتكدر هي أنفسهم .. نعم  أنفسهم  .. أنفسهم هي السبب وليس المكان والزمان الذي يعيشون فيه … إنها ( النفس ) و ( الأنا ) المختبئة وراء الأحداث والأحكام والتفسيرات …

فالنفس والأنا لتضمن بقائها وظهورها وسيطرتها وانتصارها في معركتها الخفية مع الإنسان تستمر بممارسة متعتها من خلال إثارة المشاعر وإصدار الأحكام والتفسيرات الخاطئة للأحداث والوجود  .. ولذلك أيها الإنسان المتعب .. الحزين .. المهموم .. يا من أحاط به الضيق من جميع الجهات  .. أترك نفسك !! .. نعم أترك نفسك .. حين تفعل ذلك ستجد أنك قادراً على السفر والتحليق في سماوات وفضاءات وبلدان  ومدن كثيرة وأنت في المكان والزمان .. كيف يتم ذلك ؟!!

يقول تعالى : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) …ويقول : ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ) … إذاً السر في ترك النفس يكمن في تزكيتها لتحقيق الفلاح .. والفلاح هنا هو السعادة والاطمئنان والسكينة والهدوء وراحة البال … هذا كله نقيض للضيق والكدر والأحزان والمتاعب .. فتزكية النفس معناه تطهيرها وترويضها للتخلص مما علق بها من أفكار ومشاعر وتراكمات سلوكية ترسخت فيها وجعلتها في غربة وأبعدتها عن حقيقتها ..

 وتزكية النفس تؤدي إلى الفلاح من خلال الى الفطرة السليمة التي خُلقت عليها النفس البشرية قبل ان تغترب وتبتعد عن حقيقتها .. والفطرة هي حالة الروح السليمة .. بينما الآراء والأفكار والجدل وثرثرات العقل هي التي تؤدي الى الصراع والحروب والتنافس والمعاناة وتراكم الضيق والحزن والأوهام وتثير المشاعر وإصدار الأحكام الخاطئة حول الأحداث وقضايا الحياة …

و الإنسان في حياته يواجه تصوراته وأفكاره للحياة التي يعيشها وهو في صراع وعراك ومعارك وأحزان مع أفكاره ومعتقداته .. فيحاور نفسه ويتحدث ويصدق حديثه ويخطط وينفذ بناء على ما صدقه وأعتقد به وأمن به … وهنا يجد الإنسان نفسه مع سلسلة أفكار وظنون وأوهام وهي في حقيقتها خيالات وأوهام يصبح معها الإنسان بعيد عن حقيقة الأشياء والأحداث .. بمعنى بعيد عن الوجود الحق .. ولكي يكون قريباً لابد أن يسافر في رحلة داخلية ليصل إلى الأعماق مكان ومستقر النور بداخله … لكن كيف بسافر إلى أعماقه ومستقر النور بداخله فذلك ستقرؤونه غداً إن شاء الله …

 والسلام ختام  ..______________ يتبع

اقرأ أيضا:عارف الدش .. لا تستهينوا بتصريحات ترامب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى