كتابات فكرية

بين مجلس الأمن وصنعاء: اليمن يفضح أسطورة الذراع الطويلة الصهيونية

 بين مجلس الأمن وصنعاء: اليمن يفضح أسطورة الذراع الطويلة الصهيونية

  • بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

السبت 13 سبتمبر 2025-

عُقدت في مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة جريمة القصف الإسرائيلي للدوحة. لكن، وكما هي العادة، انتهى الاجتماع بخطابات إنشائية لا تسمن ولا تغني من جوع، أقرب ما تكون إلى مقولة العرب القديمة: «أوسعناهم شتماً وفازوا بالإبل». لا سفارات أُغلقت، لا سفراء طُردوا، لا شحنات أسلحة توقفت، ولا حتى تهديد بقطع نفط أو غاز. بل إن المشهد بلغ ذروة الإهانة عندما تجرأ مندوب الكيان في عقر دار الأمم المتحدة ليهدد صراحة بتكرار القصف، والنتيجة كانت مجزرة جديدة في مركز إيواء للأطفال النازحين في مخيم الشاطئ.

سياسة الترويض النفسي

في موازاة ذلك، يواصل الاحتلال الصهيوني اقتحام المسجد الأقصى يومياً، في تكتيك ممنهج يهدف إلى “ترويض” الوعي الجمعي للمسلمين، حتى تصبح مشاهد الاستباحة اعتيادية لا تثير غضباً ولا تستدعي موقفاً. وكما حذر السيد القائد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، فإن خطورة هذا النهج تكمن في أنه يسعى لتحويل الأمة إلى أمة “مدجّنة”، بلا كرامة ولا إباء، ترى مقدساتها تُنتهك ودماء أبنائها تُسفك دون أن تتحرك أو تشعر بالمسؤولية.

أسطورة “الذراع الطويلة”

يحاول الإعلام الصهيوني تصوير تمدد عملياته العدوانية من غزة إلى لبنان وسوريا واليمن وقطر وحتى إيران على أنه تجسيد لـ”واقع جديد” يضع الكيان في موقع القوة المهيمنة. لكن خلف هذه اللغة الاستعلائية تكمن أزمة حقيقية: فالاحتلال يملك القدرة على القصف، لكنه عاجز عن فرض الاستقرار أو تحقيق الهيمنة المستدامة.

التجربة أثبتت أن “الذراع الطويلة” التي يفاخر بها الكيان ليست سوى ذراع تزرع الفوضى وتكشف عجزه أمام صمود الشعوب. فكل ضربة جديدة لا تجلب له إلا عزلة أوسع وتعمّق صورته كعامل مركزي لعدم الاستقرار في المنطقة.

اليمن.. العقدة المستعصية

من بين كل الجبهات، تبرز اليمن كأكبر تحدٍ للمشروع الصهيوني. فاستمرار القوات المسلحة اليمنية في فرض معادلة الردع البحري والجوي كشف هشاشة المنظومة الدفاعية للكيان، وفضح عجزه عن حماية حتى مطاراته الحيوية في ديمونة ورامون وبن غوريون.

الإعلام الصهيوني نفسه يعترف أن ما يقوم به اليمن يمثل “ظاهرة مدمرة”، فيما تتعامل واشنطن مع المسألة ببراغماتية صريحة: “توقفوا عن استهداف مصالحنا المباشرة، وما عدا ذلك فأنتم أحرار”. وهذا التصريح يعكس حقيقة أن الكيان ليس سوى أداة وظيفية لإدارة الصراع بالوكالة، لا قوة قادرة على الحسم.

الموقف الأمريكي: عقيدة لا سياسة

المسألة لا تتعلق بمجرد انحياز سياسي أمريكي، بل بانغماس عقائدي في المشروع الصهيوني. فالولايات المتحدة ترى في “إسرائيل الكبرى” هدفاً دينياً مقدساً، وتتعامل مع إبادة الأمة الإسلامية ومصادرة حقوقها باعتبارها مهمة توراتية. من هنا، فإن كل الرهانات على واشنطن باعتبارها “راعية للسلام” ليست سوى أوهام قاتلة.

لقد أثبتت الأحداث أن أمريكا لا تتردد في فرض العقوبات حتى على السلطة الفلسطينية نفسها، كما فعلت بمنعها من المشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة. وإذا كان هذا موقفها تجاه “الشريك الرسمي” في ما يسمى عملية السلام، فكيف يكون موقفها تجاه شعب يرفع راية المقاومة؟

الخلاصة:

إن ما جرى في مجلس الأمن وما يتكرر في الأقصى يكشف أن الاحتلال الصهيوني، ومعه الحليف الأمريكي، لا يسعيان إلا لفرض معادلة “التدجين” والاستسلام. لكن اليمن، بصموده ومعادلاته الردعية، فضح أسطورة “الذراع الطويلة” وأعاد رسم خطوط الصراع.

لم يعد الشرق الأوسط يتغير وفق الرؤية الصهيونية الأمريكية، بل بفعل صمود الشعوب، وتنامي قوة محور المقاومة، ووعي الأمة بخلفيات المشروع الصهيوني. والمفارقة أن كل عدوان جديد لا يقرب الاحتلال من الهيمنة، بل يسرّع من خطواته نحو الزوال.

اقرأ أيضا:العدوان على صنعاء وصمة عار في جبين العالم والصمت انحيازٌ للقاتل

الصورة ارشيفية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى