كتابات فكرية

بين الحرب الناعمة والحرب الخشنة: لبنان تحت الضغط

بين الحرب الناعمة والحرب الخشنة: لبنان تحت الضغط  

  • غنى شريف

الثلاثاء 16 ديسمبر 2025-

في المشهد اللبناني الراهن، لا يمكن فصل الأزمات المتلاحقة عن سياقٍ إقليمي ودولي أوسع، تُستخدم فيه أدوات مختلفة لإخضاع الدول الصغيرة وكسر إرادتها. فلبنان، اليوم، يواجه “حربًا مزدوجة”:

حربًا ناعمة تقودها الولايات المتحدة، وحربًا خشنة تمارسها إسرائيل، وكلتاهما تصبّان في هدف واحد: “تقويض السيادة اللبنانية وفرض وقائع سياسية وأمنية جديدة”.

أولًا: الحرب الناعمة… ضغط بلا دبابات

الحرب الناعمة التي تمارسها الولايات المتحدة لا تحتاج إلى صواريخ أو طائرات. إنها حرب اقتصاد ومال وسياسة، تُدار عبر:

– العقوبات: التي تضرب قطاعات حيوية وتزيد عزلة لبنان.

– الضغط المالي: عبر المؤسسات الدولية وشروط المساعدات.

– التأثير السياسي: من خلال ربط أي دعم بإملاءات تمس القرار السيادي.

– إدارة الانهيار: بدل المساعدة على الخروج منه، ما يضعف الدولة من الداخل.

هذه الحرب تُنهك المجتمع، وتُفقِر المواطن، وتدفعه إلى اليأس، فيتحول الضغط الخارجي إلى تفكك داخلي يخدم الأهداف نفسها.

ثانيًا: الحرب الخشنة… العدوان الدائم

في المقابل، تمارس إسرائيل حربها الخشنة بشكل مباشر:

– اعتداءات عسكرية متكررة.

– خروقات جوية وبرية وبحرية.

– تهديد دائم بالحرب لابتزاز لبنان سياسيًا وأمنيًا.

– فرض أمر واقع بالقوة على الحدود وفي ملف الموارد.

إسرائيل لا تخفي هدفها: لبنان ضعيف، بلا قدرة ردع، وبلا قرار مستقل. وما يسهّل هذه المهمة هو الغطاء الأميركي السياسي والدبلوماسي الذي يمنحها حصانة شبه كاملة.

ثالثًا: الدولة بين العجز والارتهان

المشكلة الأخطر ليست فقط في الضغوط الخارجية، بل في “حالة الانبطاح الرسمي”:

– غياب موقف وطني موحّد.

– التفاوض من موقع الضعف لا الندّية.

– تقديم تنازلات تحت عنوان “الواقعية” أو “منع الأسوأ”.

– الخضوع لمنطق الإملاءات بدل الدفاع عن الحقوق.

حين تفقد الدولة قدرتها على قول “لا”، تصبح المفاوضات أداة لشرعنة الخسارة لا لحماية المصالح الوطنية.

رابعًا: تداعيات التنازلات في ظل عداوة دائمة

التنازل في التفاوض مع عدو كإسرائيل، خصوصًا بغطاء أميركي، له نتائج خطيرة:

1. تكريس ميزان قوى مختل يجعل أي تفاوض لاحق أسوأ.

2. فتح شهية العدو للمزيد من المطالب.

3. ضرب الثقة الداخلية بالدولة ومؤسساتها.

4. تحويل السيادة إلى مفهوم قابل للتفاوض.

5. تحميل الأجيال القادمة كلفة سياسية وأمنية واقتصادية باهظة.

التاريخ يثبت أن إسرائيل لا تكافئ التنازلات، بل تعتبرها دليل ضعف.

الخلاصة

لبنان اليوم ليس فقط ساحة صراع، بل ساحة اختبار:

هل يبقى دولة ذات سيادة، أم يتحول إلى كيان مُدار من الخارج؟

الحرب الناعمة الأميركية والحرب الخشنة الإسرائيلية وجهان لسياسة واحدة، وما بينهما يقف لبنان أمام خيارين:

– إما استعادة القرار الوطني وبناء موقف صلب

– أو الاستمرار في سياسة التنازلات التي لا تحمي الوطن ولا تمنع العدوان.

ففي عالم الصراعات، الضعف لا يحمي الدول… بل يغري بابتلاعها.

اقرأ أيضا: نصيحتي للسعودية بعد ما أذلتها الإمارات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى