الهدنة المسمومة: واشنطن تفاوض.. وتتواطأ

الهدنة المسمومة: واشنطن تفاوض.. وتتواطأ
بقلم: د/عبدالرحمن المؤلف
الجمعة25يوليو2025_
650 يومًا من المجازر في غزة، من القصف والتجويع والخذلان، وما تزال الولايات المتحدة تصرّ على طرح “خيارات قيد الدراسة” لإنهاء الحرب، وكأنها أزمة طارئة وليست إبادة جماعية مستمرة تُوثّقها المؤسسات الدولية يومًا بعد يوم.
آخر فصول هذه المأساة السياسية تمثّل في انهيار مفاوضات الدوحة التي كانت تُعدّ آخر أمل في التوصل إلى هدنة شاملة. ففي إعلان مفاجئ، أعلن مبعوث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ريتشارد تكوف، عن سحب الفريق الأمريكي من المحادثات للتشاور، متهمًا حركة “حماس” بعدم الجدية في التعاطي مع مقترحات الهدنة، وبأنها “لا تريد التوصل إلى صفقة”، على حد وصفه.
في المقابل، نفت “حماس” هذه الادعاءات جملة وتفصيلًا، وأكدت أنها تعاملت مع المقترح الأمريكي بـ”مسؤولية وطنية عالية”، ووفقًا لمصالح الشعب الفلسطيني، وأوضحت أن الوسطاء (قطر ومصر) عبّروا عن رضاهم إزاء المرونة التي أبدتها الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية.
ما الذي جرى إذن خلف الكواليس؟
تُظهر تفاصيل المقترحات المتداولة أن نقطة الخلاف الأساسية كانت مطالبة حماس بانسحاب كامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة، وفق خرائط تم التفاهم عليها في مفاوضات سابقة، إضافة إلى توفير ضمانات دولية حقيقية لإدخال المساعدات ورفع الحصار.
بالمقابل، يرفض بنيامين نتنياهو أي انسحاب، معتبرًا أن ذلك بمثابة “استسلام” أمام “حماس”، ويرى أن إدخال المساعدات قد يُسهم في دعم سلطة الحركة في القطاع، متجاهلًا تمامًا الكارثة الإنسانية والمجاعة المنتشرة التي أقرتها تقارير أممية.
خيارات واشنطن: حلول شكلية لا توقف حربًا
الحديث الأمريكي عن “خيارات جديدة” لإطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، يبدو بعيدًا عن الواقع، بل يتناقض مع السلوك الفعلي للإدارة. فالولايات المتحدة، التي منحت الاحتلال أكثر من 14 مليار دولار دعمًا عسكريًا مباشرًا منذ أكتوبر 2023، حسب تقارير الكونغرس الأمريكي، لم تُمارس أي ضغط حقيقي على حكومة نتنياهو.
ولا تزال ترفض:
فرض وقف فوري لإطلاق النار.
ضمان إدخال المساعدات دون شروط.
الاعتراف بالحقوق السياسية والإنسانية للفلسطينيين.
من الخليج إلى بوغوتا.. خريطة السقوط الأخلاقي
أكثر ما يعمّق الجرح هو المشهد العربي الرسمي. فزيارة ترامب إلى ثلاث دول خليجية مؤخرًا وعودته منها بتعهدات استثمارية تتجاوز 5 تريليونات دولار، دون أن يُشترط عليه أي التزام بوقف الحرب أو فك الحصار عن غزة، يجسّد اللامبالاة المطبّعة.
في المقابل، شهدنا انعقاد مؤتمر في بوغوتا، كولومبيا، حضره رئيس جنوب إفريقيا وعدد من قادة أميركا اللاتينية لدعم غزة، بينما غاب عنه جميع القادة العرب. لا تمثيل، لا خطاب، لا حتى بيان.
التداعيات على غزة والعالم
كارثة إنسانية متصاعدة: وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية (WHO) ومكتب الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن قطاع غزة يعيش أزمة مجاعة ووباء تهدد مئات الآلاف.
فقدان الثقة في المجتمع الدولي: كل اتفاق مؤقت أو مقترح أمريكي دون ضمانات، يُقابَل بمرارة شعبية متزايدة، خاصة بعد خذلان العالم في 650 يومًا من الإبادة.
انكشاف الدور الأمريكي: لم يعد الحديث عن “الوساطة الأمريكية” مقنعًا لأحد، بل إن كثيرًا من شعوب العالم باتت تعتبر واشنطن طرفًا مباشرًا في الحرب، لا وسيطًا نزيهًا.
صعود أقطاب دولية جديدة: مواقف جنوب إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية تشير إلى ولادة محور جديد، أكثر إنصافًا، يتحدى الهيمنة الأمريكية التقليدية ويقف مع الشعوب المضطهدة.
خلاصة: من المفاوضات إلى المساومات
ما جرى في الدوحة ليس فشلًا تفاوضيًا بقدر ما هو كشف لحقيقة المشهد: واشنطن غير جادة، وتلعب دورًا مزدوجًا؛ فهي راعٍ للمفاوضات، لكنها في الحقيقة شريك في الحصار. أما بعض العرب، فقد قرروا أن “السكوت من ذهب”، ولو كان ثمنه دماء الأطفال.
لن تُنقذ غزة تصريحات دبلوماسية ولا مقترحات باردة، بل تحتاج إلى إرادة حرة، ومواقف تُلزم الاحتلال بالانسحاب، وتفك الحصار، وتحترم حق الفلسطينيين في الحياة والكرامة.
مصادر يمكن الرجوع إليها:
WHO Gaza Health Reports: https://www.who.int
UN OCHA Gaza Situation Updates: https://www.unocha.org
FAO Global Food Crisis Report: https://www.fao.org
Congressional Research Service – US Aid to Israel: https://crsreports.congress.gov
اقرأ أيضا:نزع سلاح الشعوب تحت الاحتلال: حين يصبح الوعد بالسلام مقدمة للإبادة

الصورة ارشيفية