كتابات فكرية

المقاومة وعوامل استمرارها

المقاومة وعوامل استمرارها

الكاتب أحمد سليم الوزير

المقاومة وعوامل استمرارها

أحمد سليم الوزير

إذا دخل الجسم فيروس فإن الجسم يقاوم، تتحرك كريات الدم البيضاء لمواجهة الفيروس وفي معظم الحالات تنتصر عليه ونادرا ما يحتاج الجسم إلى مضاد حيوي، كل يوم تحدث هذه العملية في جسمك، لقد خلقك الله لكي تقاوم، تقاوم المرض عبر وسائل الجسم الدفاعية وعبر المضادات الحيوية، تقاوم من اعتداء على أملاكك عبر القضاء والجهات المختصة، تقاوم البرد عبر الملابس الدافئة، تقاوم الفقر عبر العمل والبحث عن الرزق، لقد خلقت مقاوم..

تعيش المجتمعات في دول ، لكل دولة نظام ثقافي و سياسي، ومن سنن الله في الأرض، أن هذه الدول تتدافع و تتحارب بينها بسبب النخب أو المصالح أو تعارض الثقافات..

يفترض أن يكون العالم الإسلامي موحد، كما قال الرسول صلى الله عليه آله وسلم مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كالبنيان إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أذا فالمجتمعات بشكل عام كالجسم، يفترض أن يتكاتف أفرادها لكي تعيش في ازدهار..

ولكل جسد عمر كما أن لكل دولة عمر بعدها تموت، و في الأغلب يكون الموت بسبب مرض، اغلب الأفراد قبل أن يموت يستطيع أن يتكاثر و يأتي بفرد جديد يمتلك جينات مشابهه له، ويضطر هذا الفرد أن يقاوم كما قاوم أبويه، كذلك بالنسبة للدول فعندما تنهار دولة تأتي دولة جديدة تمتلك صفات مشابهه للدولة السابقة كاللغة والدين و العادات وغيرها ..

إذا تعرضت دولة لاحتلال فإن جزء من شعبها يبدأ بالمقاومة بشكل تلقائي، كما تفعل كريات الدم البيضاء مع الفيروس، لكن كريات الدم البيضاء تحتاج إلى كريات الدم الحمراء لكي يستطيع الجسم العيش، هكذا تحتاج المقاومة إلى مجتمع لكي تنتصر..

 إذا أصبح المجتمع كله مقاومة مسلحة وهذا مستحيل فسوف تتعطل الحياة فلن يوجد من يزرع ولن يوجد من يتاجر ولن يوجد من يحكم بين الناس وهكذا، لهذا على المقاومة أن توفر لها حاضنة شعبية داخل المجتمع ..

إن للحاضنة الشعبية دور أساسي في دعم المقاومة، جيفارا وهو الذي قاتل الاستكبار في معظم بلدان أمريكا الجنوبية، قبض عليه واعدم بسبب أن أحد رعاة الغنم أوشى به في بوليفيا، بسبب عدم وجود حاضنة، وعلى العكس استطاع أن يحرر كوبا ، وقاتل في أكثر من دولة وحقق انتصارات وذلك بسبب وجود حاضنة شعبية..

هناك عوامل كثيرة تؤثر على الحاضنة الشعبية أما بصورة إيجابية أو سلبية، مثل الدعاية الإعلامية للعدو والمقاومة، مصداقية المقاومة، أخلاق المقاومة مع حاضنتها ،  كذلك نزاهة او فساد المقاومة..

بالنسبة للدعاية الإعلامية فالمحتل دون شك يسعى لتشويه المقاومة، ويعمل على بث الإشاعات و ترويجها وكذلك اصطياد أخطأ المقاومة و تضخيمها، وإنكار أو تقليل انتصارات المقاومة، هكذا يتغلغل في المجتمع محاولا كسب حاضنة شعبية،  أما بالنسبة للمصداقية فعلى المقاومة أن تتمتع بمصدقاية عند حاضنتها الشعبية فلا تعلن مثلا عن انتصارات وهميه فإن ذلك يؤدي لإحباط الحاضنة الشعبية، كذلك بالنسبة، لأخلاق المقاومة فيجب أن يتسم أفرادها بالتواضع و الرحمة و التعاون وغيرها من الأخلاق الحميدة، لكي يكسبوا احترام الحاضنة الشعبية.

بطبيعة الحال فإن المقاومة لا تمتلك كامل إمكانيات الدولة، وإذا استطاعت السيطرة على محافظات في أي دولة ستبقى محاصرة وستعاني من أجل إيجاد مصادر المالية لتمويل الحركة، لهذا ستظل المقاومة محتاجة دوما للتبرعات، وهذه التبرعات من مواطنين و تجار هي الركيزة الأولى لاستمرار المقاومة.

وإذا كانت المقاومة تمتلك موارد ماليه تجعلها مستغنية عن دعم المواطنين وهذا صعب، فإن ذلك لا يعني بأن المواطنين لن يضطروا للتضحية في الجانب المالي من أجل المقاومة، مثلا قد يعاني المواطنين من تضخم مالي أو ركود اقتصادي يؤدي لفقدان الوظائف و غلاء الأسعار و غيرها من الآثار الناتجة عن ألأزمات الاقتصادية، هذا بالإضافة للحصار الاقتصادي الذي قد يمارسه المحتل مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.

لهذا من المهم جدا أن تبقى المقاومة نزيهة وغير فاسدة، سوى في الجانب المالي والإداري و الأخلاقي، فإن أي سقوط في فساد ينعكس على صمود الحاضنة الشعبية وإيمانها بفكرة المقاومة، إن من أهم مظاهر السقوط في مستنقع الفساد المالي مثلا هو انتشار الثراء بين قيادات المقاومة و تضاعف حجم ثروات التجار المرتبطين بالمقاومة، ومن أسباب ذلك أن المقاومة تعودت على السرية في العمل، وهذا يؤدي لتغييب مبدأ الشفافية وهذا يعرقل عمل المؤسسات الذي تحارب الفساد المالي.

أما الفساد الإداري فهو صورة أكثر وحشيه للفساد فعندما تنتقل المقاومة لإدارة المناطق الذي استطاعت السيطرة عليها، فإنها تتورط في مسألة الفساد الإداري، كون المقاومة قد تعودت على مبدأ الولاء في اختيار أفرادها، فسيصبح الولاء هو العامل الأهم لاختيار القيادات وحتى صغار الموظفين، وهذا يؤدي لإقصاء الكفاءات، كونها غير مضمونة الولاء او على الأقل غير معروفه، إن من مظاهر الفساد الإداري هو وجود الشللية و الوساطة.

في حال وجود فساد مالي و إداري فإن الفساد الأخلاقي سوف ينتشر حتما، كون المجتمع سوف يعاني من الفقر وهذا الفقر سيكون من نتيجته الفساد الأخلاقي.

أذا فالمقاومة جزء أصيل في جسم المجتمع حتى وان كان هناك دعم خارجي، فهو كالمضاد الحيوي لا يمكن للمضاد الحيوي أن يقوم بعمله دون وجود مقاومة داخلية، فإذا كان المجتمع هو الجسم و كريات الدم البيضاء هي المقاومة فالفساد حتما يشبه فيروس الHIV او الإيدز، الذي يصيب مناعة الجسم حتى يتمكن أضعف فيروس من القضاء عليه.

#أحمد_سليم_الوزير

اقرأ أيضا:إما حر شريف أو صهيوني خبيث!!

الصورة تعبيرية للمقاومة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى