الغاز العبري إلى مصر.. لماذا الآن؟

الغاز العبري إلى مصر.. لماذا الآن؟
- حسني محلي
الاحد 21 ديسمبر 2025-
نتنياهو أعلن عن موافقته على اتفاقية بيع الغاز لمصر محققاً بذلك ربحاً صافياً يصل إلى 18 مليار دولار من أصل 35 مليار دولار قيمة الصفقة التي ستنفذها شركة شيفرون الأميركية.
في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط الدولية على “تل أبيب” بسبب عدوانها المستمر على غزة ولبنان وسوريا، أعلن رئيس وزراء الكيان العبري نتنياهو الثلاثاء عن موافقته على اتفاقية بيع الغاز لمصر محققاً بذلك ربحاً صافياً للكيان يصل إلى 18 مليار دولار من أصل 35 مليار دولار، قيمة الصفقة التي ستنفذها شركة شيفرون الأميركية (من أهم الشركات الداعمة للكيان الصهيوني) بالتعاون مع شركاء إسرائيليين وحتى العام 2040.
إعلان نتنياهو هذا اكتسب أهمية إضافية لأنه صادف الرفض الإسرائيلي للانتقال إلى المرحلة التالية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ومن دون أي رد فعل جدي من الدول الضامنة للاتفاق، وفي مقدمتها مصر التي يتوقع البعض لها أن تعود قريباً إلى حوارها وتعاونها التقليدي الساخن مع “تل أبيب”.
ومن دون الدخول في المزيد من احتمالات هذا الحوار والتعاون الذي ستتضح ملامحه بعد الزيارة المرتقبة للرئيس السيسي للبيت الأبيض في شباط/فبراير المقبل، لا بد لنا أن نشير إلى التطورات المثيرة التي سبقت إعلان نتنياهو هذا، وجاءت بعد يومين من زيارة الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس لباريس، ولقائه مع الرئيس ماكرون، وقيل إنهما بحثا تفاصيل الشراكة الاستراتيجية السياسية (قبرص ستتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي اعتباراً من بداية العام الجديد) منها والعسكرية، إضافة إلى آخر التطورات في الشرق الأوسط “وأمن الطاقة” في المنطقة.
وقبل يوم من زيارة خريستو دوليدس لباريس، وصل رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد إلى نيقوسيا، ليبحث هو الآخر مع الرئيس القبرصي الوضع في الشرق الأوسط، وآفاق التنسيق والتعاون المشترك في العديد من المجالات وأهمها الطاقة.
ويبدو أنها كانت السبب الرئيسي للزيارة التي قام بها مسؤولو شركة شيفرون الأميركية (مسؤولة عن نقل الغاز الإسرائيلي إلى مصر) لدمشق، ولقائهم بالرئيس أحمد الشرع وبحضور المبعوث الخاص إلى سوريا توم برّاك، وقيل إنهم بحثوا والرئيس الشرع استثمارات الغاز والبترول قبالة السواحل السورية مع احتمالات ضم سوريا إلى اتفاقيات الغاز شرق الأبيض المتوسط، التي سبق أن وقعت عليها “إسرائيل” مع كل من قبرص (المعترف بها دولياً ويمثلها القبارصة اليونانيون) ومصر.
وانضم لبنان إلى هذه المجموعة عندما وقع في26 تشرين الثاني/ نوفمبر على اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع قبرص خلال زيارة الرئيس جوزاف عون لنيقوسيا ولقائه الرئيس خريستودوليدس.
كل هذا في الوقت الذي كان فيه وزراء الطاقة من أميركا وقبرص واليونان والكيان العبري، يبحثون فيه في أثينا تفاصيل التنسيق والتعاون المشترك في مجال الطاقة على الأصعدة الثنائية والمشتركة.
وأما الحدث الأهم في مجمل هذه التطورات، فهو الزيارة التي قام بها قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومار بار لنيقوسيا، والتقى خلالها قادة سلاحي الجو القبرصي واليوناني، وبحث وإياهم تفاصيل التنسيق والتعاون العسكري في المجال الجوي لمواجهة المخاطر المشتركة.
وتحدثت المعلومات الصحافية عن اتفاق ثلاثي لتشكيل قوة عسكرية مشتركة قوامها 2500 عسكري، ستعمل كقوة تدخل سريع، ستكون في “إسرائيل” وقبرص والجزر اليونانية، ومدعومة بالسفن الحربية والغواصات والطائرات المختلفة. وستكون مهمتها هي حماية البنى لتحتية الحيوية للطاقة في قبرص و”إسرائيل” والشرق المتوسط عموماً، بما في ذلك خطوط الأنابيب الغازية البحرية منها والبرية (من إسرائيل إلى مصر ولاحقاً إلى سوريا). كما ستسهم القوة المذكورة في دعم المشاريع والمخططات الإسرائيلية العسكرية، بما في ذلك مواجهة التحركات التركية في الشطر الشمالي من قبرص، والوجود التركي العسكري في سوريا، ويسعى الرئيس ترامب لتحقيق المصالحة بينها وبين الكيان العبري خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
ومن دون أن يمنع مثل هذا الاحتمال نتنياهو من الاستمرار في مخططاته ومشاريعه الإقليمية، ومنها إعادة مصر إلى حلقة التعاون الثنائي والإقليمي عبر بيع الغاز لها (تركيا تستورد غازاً مسالاً من مصر!) مع المزيد من الاهتمام لتحالفه مع أثينا ونيقوسيا (ذات المذهب الأرثوذكسي وتعاديان معاً روسيا الأرثوذكسية).
ودعا نتنياهو رئيس الوزراء اليوناني ميجوتاكيس والرئيس القبرصي خريستودوليدس إلى قمة عاجلة في القدس المحتلة في الـ 22 من الشهر الجاري، لبحث المزيد من تفاصيل التنسيق والتعاون الاستراتيجي بكل عناصره السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية.
وشهدت هذه المجالات تعاوناً مثيراً خلال السنوات الخمس الأخيرة، بما في ذلك إجراء المناورات المشتركة وتكثيف نشاط الموساد في قبرص والاستفادة من الأجواء والأراضي القبرصية خلال تدريبات “الجيش” الإسرائيلي.
يُضاف إلى ذلك دور القواعد البريطانية الموجودة في قبرص لدعم الكيان العبري خلال العدوان الصهيو/أميركي على إيران في حزيران/ يونيو الماضي، عندما تصدّت الطائرات البريطانية والأميركية التي أقلعت من هذه القواعد للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي استهدفت “إسرائيل”.
ومن دون أن يعني كل ذلك أن الكيان العبري قد أهمل ويهمل الشطر الشمالي التركي من الجزيرة، وتنشط فيه العشرات من الشركات التي يملكها اليهود من مختلف الجنسيات، وقد اشتروا عشرات الآلاف من الدونمات من الأراضي، بعد أن سمحت لهم السلطات القبرصية التركية بالقيام بأنشطة دينية، من خلال فعاليات حركة حباد اليهودية.
وتقوم شركة يهودية بتشغيل مرفأ للسفن السياحية شرق قبرص التركية وقبالة السواحل السورية، واسم المرفأ “البوابة”، حيث كانت قبرص منذ أكثر من خمسمئة عام بوابة اليهود للهجرة إلى فلسطين، وقد تكون بوابتهم وحسب السيناريوهات الصهيونية للهرب منها في حال المواجهة الشاملة بينهم وبين المسلمين وفق النصوص الدينية.
ويبدو واضحاً أن نتنياهو ومن معه في حكومته العنصرية الإرهابية، يسعى إلى منع مثل هذه المواجهة، ومن خلال التحالفات الإقليمية والدعم الإمبريالي والاستعماري بشقيه الأميركي والأوروبي وأقاما معاً الكيان العبري على أرض فلسطين الطاهرة.
اقرأ أيضا: روسيا وإيران تؤكدان تعزيز الجهود لمواجهة العقوبات الأحادية




