العنصرية بين الجريمة والمرض

العنصرية بين الجريمة والمرض
- حسن الدولة
الجمعة11أبريل2025_
في مقاله الذي نشره في الشورى الإلكترونية يوم الثلاثاء الماضي بتأريخ الموافق 8 ابريل 2025م يتساءل القاضي عبدالعزيز البغدادي هل العنصرية جريمة أم مرض ؟ ويذهب إلى أن لا تناقض بينهما باعتبار أن المرض اعم والجريمة أخص فكل جريمة مرض وليس كل مرض جريمة، والموضوع حسب القاضي عبدالعزيز سبق وان تناوله في مقالتين سابقتين الأولى بتأريخ 16 يوليو 2024م والثاني في تأريخ 4 فبراير 2025م ومن حسن حظ كاتب هذه السطور انه ناقش المقالتين كلا على حده، وفي هذا المقال سوف أتناول المقال الثالث المذكور آنفا مبتدئا بتعريف العنصرية.
للعنصرية تعريفات كثيرة لكنها في الأخير تعتبر مَذهبٌ قائمٌ على التّفرقة بين البشر حسب أصولهم الجنسية ولونهم ، أي أنها اعتقاد خاطئ بأن هناك فروقًا وعناصر موروثة بطبائع الناس وقدراتهم ،وكل يعزوها لانتمائهم لجماعة أو لعرق ما، وبالتالي تبرر بذلك معاملة الأفراد المنتمين لها بشكل مختلف اجتماعياً وقانونياً عن بقية أفراد المجتمع. إذا فالعنصرية ترتكز على أسس، مثل لون البشرة أو العرق أو القومية واللغة والثقافات والعادات والمعتقدات والطبقات الاجتماعية فإن العنصرية في اليمن تتوزع بين دعاة التميز العنصري العرقي كدعاوى القرشية والعلوية والسبأية والحميرية والأقيال والعباهلة؛ والمذهبية بين نواصب وروافض بين محبي معاوية ومحبي الإمام علي عليه السلام وكلها تتبنى التفاخر بالعرق الذي يعتبره القاضي عبد العزيز وهما لا أساس له فهو يتماشى عبر عدد من الأجيال من خلال التزواج والتصاهر بين البشر ما يجعلنا كلنا أبناء شخص واحد هو من سجدت له الملائكة ؛ وقد اخبرنا الوحي بأن الله خلقنا من نفس واحدة.
وهكذا تنعكس سلبيات العنصرية على الفرد والمجتمع على حدٍ سواء، وتولد العنصرية الحقد والكراهية بين الشخص العنصري والشخص الذي تمارس ضده العنصرية ؛ واخطر العنصرية هي تلك التي تستمد تميزها من خلال اختلاق نصوص دينية ما انزل الله بها من سلطان لتعزيز فكرة التميز العرقي فهي تجعل المجتمع مفككاً غير مترابط؛ وبسببها تنشأ الحروب والحروب المضادة أي أنها تولد النزاعات بين أفراد المجتمع الواحد ؛ وتخلق جواً من الحقد والكراهية بين أبنائه وتخلق أجواءً يسودها الخوف والكبت وعدم الاستقرار؛ وأضيف إلى ما طرحه القاضي عبدالعزيز الذي يعتبر العنصرية جريمة ؛ أن المجتمع له دور في كل جريمة باعتبار أن الجريمة وليدة المجتمع ؛ فاليمنيون هم من أطلق على أبناء علي في المناطق الشمالية لقب “سادة” وفي الجنوب “أحباب” وفي الوسط “أشراف” ورغم أنها ألقاب تمييزية إلا أنه أطلقت لما تميز به أبناء علي من الورع والتقوى حتى قال المقبلي في العلم الشامخ “أنه إذا وجدت خمسة أشخاص واقفين وبينهم هاشمي لميزت الهاشمي بتقواه وورعه”
أما اشتراط أن يكون الحاكم من البطنين فهو شرط أفضلية وليس شرط وجوب؛ وقد سبق وان أوردت نصوصا للإمام علي كرم الله وجهة تعيب دعاوى التميز العرقي فيقول في إحداها ” أعجب ولما لا أعجب من امرئ يتعالى على أبناء جنسه فوالذي خلق الحبة وبرأ النسمة لو أعطى الله هذه المزية لأحد من عباده لخصها رسله وأنبيائه: أي أن الله لم يعط سلطة دينية أو سياسية لإنسان على أخيه الإنسان بسبب عرق أو سلالة مهما علا كعبه في الدين؛ فالانتماء إلى الأنبياء هو انتماء منهج وسلوك وقيم وأخلاق فهذا ابن نوح عليه السلام يخبره الله بأنه ليس من أهل بيته فقال له (إنه ليس من اهلك إنه عمل غير صالح) ولا علاقة للسلطة السياسية بالوراثة إطلاقا فالحكم للناس وهم ومن يختارون من يحكمهم.
ومما سبق يتبين لنا بأن العنصرية تعتبر من القضايا المعقدة التي تؤثر سلبًا على المجتمعات، إذ تمثل عقيدة مريضة تهدد التفاهم والانسجام بين مختلف الفئات.
إن الفرز العنصري، سواء كان عرقياً أو دينياً، يعكس عدم قبول الأفراد لبعضهم البعض، ويعمل على تقوية الانقسامات داخل المجتمعات. الفكر العنصري يشجع على تعزيز التفوق على أساس صفات لا تعتمد على الإرادة أو العمل الشخصي، الأمر الذي يؤدي إلى تهميش جماعات من دون أي مبررات منطقية. من المهم أن نتذكر أن الكراهية والتعصب قد ينفجروا إلى أفعال عنيفة، لذا يجب أن نكون حذرين في التعاطي مع هذه الفكرة.
في هذا السياق، يبرز أهمية بناء جسور من التضامن بين مختلف فئات المجتمع كخطوة أساسية لتحقيق التعايش السلمي. يمكن تعزيز الحوار والتواصل عن طريق تنظيم فعاليات تجمع بين أفراد من خلفيات متنوعة، مما يتيح الفرصة لفهم وجهات النظر المختلفة. التعليم يلعب دورًا مهمًا في هذا السياق، حيث يمكن أن يساهم في تشكيل الفكر العام ويوجه نحو تعزيز التسامح والتفاهم. فعلى سبيل المثال، يمكن إدراج مضامين تركز على القيم المشتركة والتنوع الثقافي في المناهج الدراسية.
تظهر العديد من المبادرات الناجحة التي ساهمت في بناء التضامن مجتمعيًا، مثل الحملات الثقافية التي تجمع بين مختلف الثقافات في الفعاليات المشتركة التي تعزز من التفاهم. برامج تبادل الثقافات تتيح للطلاب والفنانين التواصل مع بعضهم البعض، مما يساهم في تعزيز العلاقات الإنسانية وزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية. كما أن دورات تعليم اللغات التي تجمع بين أناس من خلفيات مختلفة تسهم في تحقيق ذلك، حيث يتمكن الأفراد من التعلم والنمو معاً.
علاوة على ذلك، يمكن أن تلعب المبادرات الفنية، مثل الرسم على الجدران، دورًا كبيرًا في تعزيز الهوية الثقافية وتقديم مساحة مفتوحة للتعبير الفني والاجتماعي. وجميع هذه الجهود تساهم في تحقيق مجتمع شامل يسعى لتحقيق العدالة، رغم اختلاف الأعراق والثقافات. إن الانفتاح على الحوار والتفاوض والمشاركة المدنية يكون له تأثير عميق في الوصول إلى مجتمع يسوده السلام والوئام، حيث يمكن للجميع أن يجدوا مكانًا لهم ويعملوا بصورة مشتركة لبناء مستقبل مشرق.
لذا، فإن إدراك مخاطر الفرز العنصري والسعي لبناء جسور من التضامن يمثلان خطوات أساسية نحو مجتمع أكثر تماسكًا وتفهمًا، حيث يتم توجيه الجهود لجعل التنوع مصدر قوة وثراء بدلًا من كونه سببًا للصراعات والتمييز.
ومع ذلك لا يمكن معالجة هذا المرض الذي إذا ما تم إشاعته في أوساط المجتمع كما هو اليوم حيث تستعر العنصرية والعنصرية المضادة فإن من واجب على الدعاة والمؤسسات الاجتماعية والنخب أن تستخدم سلاح الدين لوأد هذا الخطر الذي يعتبر جريمة ليس في حق المجتمع فحسب بل في حق الإنسانية.
لذا يجب أن يكون للدين دور بارز ومهم في مكافحة العنصرية وتعزيز قيم التسامح والمساواة بين الأفراد. عبر التاريخ، ساهمت العديد من الأديان في نشر رسائل تدعو إلى الوحدة والقبول، ورفض التمييز على أساس العرق أو الجنس أو الدين. وسوف أورد فيما يلي بعض الأوجه التي يظهر فيها دور الدين في مكافحة العنصرية:
أولاً، تقدم الكثير من الأديان تعاليم روحية وأخلاقية تشجع على احترام الكرامة الإنسانية. في الإسلام، على سبيل المثال، يرد في القرآن الكريم أن جميع البشر جاؤوا من نفس المصدر. هذا يُظهر أن التفاخر بعرق أو لون بشرة معين يتعارض تمامًا مع المبادئ الأساسية للدين. الدعوات لتطبيق العدالة وتقديم المساعدة للضعفاء والمحتاجين تعزز من قيمة المساواة.
ثانيًا، تعزز الديانات القيم الإنسانية المشتركة مثل الرحمة، والاحترام، والحب، مما يعزز التفاهم والتواصل بين الأفراد من خلفيات مختلفة. في المسيحية، يتم التركيز على المحبة الأخوية، حيث يُحث الأفراد على محبة جيرانهم وعدم التميز بينهم. هذه الرسائل تدعو إلى الانفتاح على الآخرين وتشجع الأفراد على كسر الحواجز والاختلافات.
ثالثًا، تلعب المجتمعات الدينية دورًا محوريًا في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات. العمل معًا من أجل التفاهم والتعايش السلمي يجعل من الممكن العثور على أرضية مشتركة تبني جسورًا من العلاقات الإنسانية. مؤتمرات الحوار بين الأديان ومبادرات العمل المشترك تُظهر كيفية استخدام الإيمان كوسيلة لتعزيز السلام والتنمية المشتركة.
رابعًا، من خلال التعليم والتوجيه الروحي، يمكن للدين أن يساعد الأفراد في تطوير وعيهم حول القضايا الاجتماعية، بما في ذلك العنصرية. يمكن للقيادات الدينية أن تلعب دورًا مهمًا في نشر القيم الإيجابية وتعليم الأفراد أهمية التعايش والقبول.
خامسًا، التاريخ مليء بأمثلة عن رجال ونساء دين ألهموا الناس للوقوف ضد التمييز والعنصرية. شخصيات مثل مارتن لوثر كينغ جونيور في الولايات المتحدة أظهرت كيف يمكن للإيمان والدعوة إلى العدالة الاجتماعية أن يكون لهما تأثير كبير على الحركات الاجتماعية.
بناءً على ذلك، يجب تعزيز هذا الدور للدين في العمل على بناء مجتمعات خالية من العنصرية، من خلال نشر رسائل الحب والمساواة والتسامح. من المهم أن تتعاون المجتمعات الدينية معًا لبناء عالم يسوده الاحترام المتبادل، حيث يتمكن الأفراد من التفاعل بحرية وتقدير اختلافاتهم كجزء من التنوع الإنساني.
اقرأ أيضا:الأستاذ عبد العزيز البغدادي يتساءل عبر صوت الشورى هل العنصرية جريمة أم مرض؟!
