الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور السقاف في كتابة بمناسبة الذكرى (47) لتأسيس الحزب (2- 3)

الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور السقاف في كتابة بمناسبة الذكرى (47) لتأسيس الحزب (2- 3)
قادري أحمد حيدر
الاثنين 3 نوفمبر 2025-
الإهداء:
إلى الباحث الجليل والأستاذ القدير، الصديق عبدالعزيز سلطان المنصوب، أحد أهم وأبرز العقول البحثية والفكرية والثقافية في التراث الفكري الصوفي اليمني والعربي والإسلامي.
باحث جدير بحق بتسمية الباحث والمفكر العميق في تاريخنا التراثي الإسلامي الصوفي من جميع جوانبه نثرًا وشعرًا.
باحث كرّس وقته وعمره لتحقيق وإخراج أجمل كنوز تراثنا الفكري الصوفي الإسلامي. باحث يشتغل بهدوء وبصمت بعيدًا عن ضوضاء الإعلام والنجومية الفارغة من المعنى، لأنه في الأصل والجوهر باحث، وليس مجرد كاتب عابر.
تحقيقاته المختلفة في الفكر والأدب الصوفي قدّمت للمكتبة اليمنية والعربية والإسلامية عناوين مختلفة، هامة ونادرة، مما يستحق أن يرى النور وأن يصل إلى أيدي القراء والباحثين والمهتمين والمتخصصين في اليمن وفي المنطقة العربية والعالم كله.
الأستاذ الباحث عبدالعزيز المنصوب إنسان بسيط في غاية التواضع، لا يبحث عن المال ولا عن الشهرة، ولم يستفد من الكتابة مالًا، بل نشره للمعرفة للجميع، وهو أعظم استثمار في تنمية العقل وتحريره من الجهل.
هو بحق واحد من أنبل العقول الفكرية والبحثية اليمنية والعربية، وهو القومي العربي الديمقراطي المفتوح على جميع جهات واتجاهات الفكرة الوطنية والقومية.
إليه، مع خالص المودة والمحبة والتقدير.
إن الخطابين اللذين تم الإشارة إليهما كبنية فكرية واجتماعية وثقافية، ليسا مستجلبين من الخارج، بل هما جزء أصيل حاضر وقائم في بنية المجتمع وفي الفكر والثقافة شمالًا وجنوبًا.
المذهبية/الطائفية كمنتج أيديولوجي/سياسي تاريخي هي ظاهرة شمالية، وريثة تاريخية للإمامة، والمناطقية والعشائرية هما في الغالب تعبير عن حالة فكرية وسياسية واجتماعية جنوبية، بما لا يعني عدم تداخل وتفاعل وتخادم هذين المنطقين من الفكر والتفكير في كل البلاد، كظاهرة فكرية سياسية واجتماعية.
المناطقية، والمذهبية، والطائفية هي في التحليل الأخير ثقافات، تعكس حالة تطور المجتمعات في هذه المرحلة أو تلك، والمطلوب من قبل القوى الأجنبية المهيمنة على اليمن اليوم، تحويلها إلى هويات متقابلة ومتقاتلة، وهذا هو أخطر أشكال التدمير والتقسيم للمجتمعات، وهو ما يُعد ويُرتب له اليوم، من قبل المشاريع الخارجية: السعودية والإماراتية والإيرانية.
“المجلس القيادي الرئاسي” أُوُجد ورُكّب ليسقط معنى وفعل وجود الدولة، وليس لاستعادتها، ولتفكيك المجتمع وليس لوحدته، وهذا هو المطلب السياسي الخارجي. ولذلك يتم الشغل الأيديولوجي والسياسي والأمني لتشجيع تنمية الخطابين: المناطقي، والمذهبي الطائفي، لتمزيق وحدة النسيج المجتمعي، الذي يمنع ذاتيًا وموضوعيًا أي إمكانية لاستعادة الدولة.
القيادي الرئاسي، كما هو حاصل اليوم، تعبير وتجسيد عن جدل تدمير وتفكيك المتحد السياسي والاجتماعي والوطني اليمني، الذي لن يتم إلا بتغييب دور الدولة، بل وكل معنى وجودها في واقع الممارسة.
وهنا يكمن دور ومهمة الخطابين: المناطقي، والمذهبي الطائفي.
ومرة ثانية، يبقى السؤال: ما الذي دفع بهذه الحالة “النفسية الانفعالية” لإعادة إنتاج هذين الخطابين، ليزدهرا وينتعشا ويتداخلا في حالة احتراب ضد بعضهما البعض، بعد تسع سنوات، كما أشار إلى ذلك د. السقاف؟
اليوم نلاحظ ونقرأ بوضوح تراجع الحياة السياسية والتعددية الحزبية والحياة المدنية والاجتماعية، ونرى قمع الأحزاب ومنع عملها السياسي، ومصادرة صحفها في كل البلاد، وبخاصة تحت سلطات الحوثيين “أنصار الله”، الذين يتحركون بسرعة قياسية لإلغاء حالة التعددية السياسية والمذهبية والفكرية وحرية الصحافة والرأي والتعبير في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
كما أننا لا نرى حياة سياسية، مدنية حقيقة أي تعددية سياسية وصحافية في جميع المناطق الواقعة تحت سلطة “الشرعية”، بل إن صحف الأحزاب نفسها توقفت عن الصدور!
علمًا أن الصحف الحزبية والمستقلة وإصدارها كانت تغطي حالة ضعف وارتباك أداء الأحزاب.
هناك اليوم بقايا أحزاب سلطة متشظية إلى عدة أقسام، في صورة نماذج من الأفراد.. أحزاب سلطة وُجدت منذ النشأة والتكوين لخدمة الحاكم على رأس السلطة، الذي ركب له حزبه الخاص (علي عبدالله صالح) المؤتمر الشعبي العام، وجماعات دينية سياسية لها أحزابها الخاصة بها (الإخوان)، وظاهرة “أنصار الله” المذهبية/الطائفية، وهي جميعًا ليست أحزابًا سياسية وطنية ديمقراطية مؤسسية، وهي اليوم عمليًا وفعليًا من تدير وتتحكم بوضوح بـ”المجلس القيادي الرئاسي”، وهم عبر “الكفيل” من يحاولون إعادة هندسة سلطة عبر أفراد منتهية صلاحية أحزابهم السياسية كأحزاب، وحاضرين كقوى عسكرية، وجماعات مصالح صغيرة في خدمة الخارج: (السعودية والإمارات)، ولذلك تجدونهم لا يفكرون ببناء دولة من أجل الشعب ومن أجل اليمن، بل يهندسون وجود حالة سلطة لها وظيفة سياسية عابرة، وليس دولة من أجل خدمة كل المجتمع، بل مصالح جماعة الثمانية “المثامنة” في صورة ما يسمى بـ”المجلس القيادي الرئاسي”.
إن المشكلة الحقيقية في الجنوب السياسي هي “الشرعية المفترضة”، التي يُفترض أنها البديل الأيديولوجي والسياسي والوطني الدولتي التاريخي لما يجري في الشمال، ولا نرى في واقع الممارسة ذلك البديل والنموذج والمثال، أي النقيض الجذري لما يجري في الشمال، إن لم يكن ما يحصل في الجنوب، وجنوب الشمال “تعز”، عاملًا مساعدًا أكبر لتبرير وشرعنة ما يحصل في الشمال.
وهو ما نطالعه حتى في بعض الكتابات النقدية المحسوبة على ما يسمى بالشرعية.
الناس تبحث عن المثال والنموذج المؤسساتي؛ السياسي والوطني والقانوني والأخلاقي الذي يجسد مصالحهم وتطلعاتهم ومطامحهم، أي ما يقودهم إلى تجاوز حالة العنف والصراعات والحروب، وما يؤسس لحالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي والمعيشي، ويوفر لهم قدرًا مطلوبًا ومعقولًا من الحرية ومن العدالة والمساواة ومن الكرامة الشخصية والوطنية والإنسانية، بعد أن أصبحت السيادة والاستقلال الوطنيان في مهب ريح الاحتلال والعدوان الداخلي والخارجي.
يكفي القول إن ما يجري في تعز يفوق قدرة الخيال السياسي المريض على تصوره، حين تتحول مدينة “تعز” الثقافة والسلام والإصلاح والتغيير، من خلال رموز من يُسمَّون بالشرعية، إلى أسوأ وأبشع نموذج لمشروع إرهابي معادٍ ليس للدولة، بل لفكرة الدولة والمؤسسات نفسها، في واقع ممارسات منفذة على الأرض تتناقض مع كل ما له صلة بالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية، بعد أن تخلت وحدات الجيش الرسمي عن مهمتها في حفظ الأمن العام وأمن الحدود والاستقرار، لتتحول إلى أداة قمع ضد التحركات السياسية المدنية الاحتجاجية السلمية، وإلى أداة قتل واشراف على الجريمة المنظمة، ويتحول القضاء وبعض القضاة إلى مصدر لتبرير وشرعنة العنف والقتل بل والجريمة باسم القضاء والدولة.
مئات جرائم القتل المعلومة والعلنية، رموزها محسوبة على ما يسمى بالشرعية، وليس آخرها القتل العلني والفاجع للأستاذة الشهيدة، افتهان المشهري، وقبل أسبوعين قُتل المحامي عبدالرحمن عبدالحكيم النجاشي.. إلخ.
وكأن القتلة يقولون: نحن هنا، نحن فوق القانون ونقتل باسم “القانون” ذاته، فمن يجرؤ منكم على التفكير بسؤال النقد والمحاسبة والمساءلة فسيكون مصيره مثل من سبقهم، وليس آخرهم المحامي عبدالرحمن النجاشي الذي قُتل بتوجيه غير مباشر من قاضٍ فاسد!!
في الوقت الذي تُجرى فيه محاولة تمييع قضية قتل الأستاذة الشهيدة افتهان المشهري بعد أن تحركت وخرجت كل تعز رفضًا وإدانة للجريمة.
ففي تعز تحضر وتختلط جميع الخطابات المناطقية والمذهبية والطائفية، والأهم خطاب وممارسات الجريمة المنظمة المنفلتة من كل مساءلة أو عقاب، لأكثر من ست سنوات.
هذا في منطقة ليست محسوبة على الشرعية، بل هي رمز سياسي ووطني للشرعية وللمدنّية وللسلام الوطني.
الخطابان: المناطقي/والقبلي، والمذهبي/الطائفي، عنوانان كبيران لا يفسران كل شيء.
خطابان تحتهما تقع جملة واسعة من الخطابات ومن الممارسات ومن الحكايات الفاسدة التي تجري في البلاد شمالًا وجنوبًا، وجميعها تقول:
يجب استعادة روح الدستور، يجب استعادة الدولة، وبناء الجيش اليمني بعقيدة قتالية وطنية، وليس تمويل وتصنيع وإنتاج المليشيات المسلحة خارج الدولة وضد وجود الجيش الوطني.
لقد تحالف الداخل التابع (الوكيل)، والخارج الاحتلالي (الكفيل)، وهم يشكلون “مجلس القيادة الرئاسي”، على أن يكون كبش الفداء هو تهميش الحياة السياسية الحزبية والمدنية والنقابية وجميع مظاهر المجتمع المدني. وبداية تعميم هذا النمط من السلوك يبدأ من طبيعة وصيغة تشكيل “المجلس القيادي الرئاسي”، وتعميم ذلك السلوك على بنية المجتمع كله تساوقًا مع ما يجري في شمال البلاد، ليكتمل حضور وفعل الخطابين على أتم وجه.
هل يمكنني القول إننا اليوم نعيش بالفعل في “عصر التفاهة”:
حسب عنوان كتاب ألان دونو.
لأن جميع مفرداته ومحتوياته حاصلة وقائمة في كل ما يجري في البلاد اليوم.
الخطابان اللذان أشار إليهما أمين عام الحزب الاشتراكي د. السقاف ضِدًا على أي محاولة ممكنة لاستعادة الدولة المدنية الديمقراطية، وضِدًا على أي إمكانية للحديث عن الدستور وعن التعددية والديمقراطية السياسية والاجتماعية، والحرية لكل المجتمع.
وستلاحظون أن ذلك هو ما يتحقق بالحرف وبالفعل في جميع مناطق البلاد، بعد إضافة صناعة تقسيم تعز إلى تعز، والمخا “الساحل الغربي”، ورعاية وتمويل ما يسمى زورًا وكذبًا “جيش حراس الجمهورية” الممول من الخارج، ولا علم لقيادة “الشرعية” والجيش الوطني الرسمي بمن يُسمَّون “حراس الجمهورية”، مع أنه تم ترفيع قائده الفاسد، سليل النظام القديم، إلى عضو المجلس القيادي الرئاسي، حتى أصبح لا معنى لموقع رئاسة الدولة في الوجدان العام للناس، فقد معه الناس الثقة بالسياسة الصادرة عن جميع هذه الأطراف، وهي من عجائب وغرائب الحالة السياسية اليمنية.
ولذلك فإن من يمول الترويج للخطابين: المناطقي، والمذهبي الطائفي، هو ذاته من يرعى ويحمي ويمول طارق عفاش في المخا، أحد رموز خيبتنا الكبيرة في النظام الذي أوصلنا إلى هذه المهالك التي نعيشها اليوم.
ومن هنا لا نرى، كما كتب د. السقاف، في انتشار “الحالة النفسية الانفعالية في المجتمع” وتراجع الحالة العقلية عند الفرد”، سوى عمل أيديولوجي وسياسي وأمني واستخباراتي منظم وممنهج ومقصود، عمل يُمارس من أعلى رأس السلطة الشرعية – وليس عفوًا – الشرعية التي تجمع في تركيبتها السياسية العليا بين حالتي الخطابين:
المناطقي والمذهبي الطائفي، وبالنتيجة بين حالتي: النفسية الانفعالية كظاهرة غالبة في الرأس القيادي، والحالة العقلية المحاصرة والمحدودة الحضور والفعل في الرأس القيادي نفسه، وليس “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي يذهب قائده، الذي اختطف القضية الجنوبية، بأمر وتمويل من دويلة الإمارات، لشرعنة العلاقة مع الكيان الصهيوني، سوى نموذج بائس وكالح لحالة المناطقية في أسوأ مظاهر تعبيرها عن نفسها، وهي التي تصطرع داخل بنية الرأس القيادي لما يسمى تجاوزًا بالشرعية.
فهل مثل هذه الشرعية مؤهلة ذاتيًا وموضوعيًا لاستعادة الدولة وبناء الجيش الوطني؟
وهل مثل هذا “المجلس الانتقالي الجنوبي” يمثل روح وفكرة القضية الجنوبية العادلة والنبيلة كما عبّر عنها الحراك الجنوبي السلمي، وكذا مؤتمر “القاهرة”؟
الحراك الجنوبي السلمي قدّم مئات إن لم يكن الآلاف من الشهداء على مذبح هذه القضية السياسية العادلة.
وإلى الحلقة الثالثة والأخيرة.

