كتابات فكرية

الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب عن صناعة الأصنام

 الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب عن صناعة الأصنام

الإعلام الرسمي – تغييب الوعي  وصناعة الأصنام!

عبد العزيز البغدادي

الأثنين23ديسمبر2024_

يدرك الأحرار والمستبدون معاً أن أصنام البشر أخطر من أصنام الحجر، لأن عبادة الأصنام الحجرية قد انتهت أما أصنام البشر فتتجدد باستمرار وتتغير أساليب تأثيرها على عبيدها ومستوى استلابهم لها!.

كما يدرك الأحرار والمستبدون أيضاً أن معركتهم المتجهة نحو العقل كساحة وحيدة تستهدف وعي الإنسان وإدراكه وتصوراته، لتحويل من يدعون أنهم من أصحاب العقول والعلم والمعرفة أو من الساعين نحوها إلى عجول خاضعة للتوجيه تفعل ما تريده الأصنام التي يصنعها من امتلكوا بدون وجه حق زمام أمر من يتحكمون بهم بشتى الوسائل والأساليب، ومنها وسائل الإعلام والاتصال كأهم وسائل صناعة الأصنام والعبيد، تلك هي الحرب الكبرى أو الجهاد الأكبر!.

أما المعارك القتالية المادية في ساحات المواجهة العسكرية المباشرة التي تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة بمختلف مستويات فتكها بالإنسان وبالحياة المدنية وسفكاً للدماء، وتدميراً للحضارة والبنيان وكل آثارها المادية والنفسية فهذه هي الحرب الصغرى أو الجهاد الأصغر كما ورد في الحديث النبوي الشريف!.

والحرب الكبرى أو الجهاد الأكبر تعتمد على التأثير في الوعي والإدراك وما يتعلق بهما من تأثير علمي وثقافي ومعرفي، ومختلف المؤثرات مثل وسائل التعليم والإعلام ومناهجهما، وأساليب التربية والتنشئة.

بل إن موضوع الحرب السيبرانية اليوم باتت تقود الحرب الشاملة ولعل الاختراقات التي تعرضت لها حماس وحزب الله والنظام السوري مؤخراً توضح بعض ملامح هذا الاندماج بينهما.

والإعلام الرسمي سلاح خطير ومؤثر في البنيان الذاتي للفرد والمجتمع على السواء إيجاباً وسلباً!.

فإن اُحسن استخدامه وتوجيهه من قبل السلطة الحاكمة باتجاه أداء الوظيفة المنوطة به كان إعلاماً بناءاً وإن اُسيئ استخدامه تحول إلى أداة هدم للفرد والمجتمع.

ومعيار البناء والهدم يتحدد من خلال قياس مدى التزام السلطة بعدم استخدامه بوقاً لها وأداة لترميز بل وأحياناً تأليه من هم على رأسها أو أي من الرموز المؤثرة في صنع القرار، وذلك من خلال اعتبار ما يصدر عن هذه الرموز غير قابل للنقد وإطلاق الألقاب والنعوت التي تعظمه وتوحي بعلو مقامه وبعده عن موقع المسائلة!.

من يتولى أي سلطة في دولة المواطنة المنشودة يجب أن يخضع للمسائلة وأن تكون كل تحركاته موضع متابعة وبشفافية عن طريق جميع وسائل الإعلام الرسمي وغيره كلما تعلقت بالشأن العام والوظيفة العامة فهما في إطار الملكية العامة لكل المجتمع .

وسائل الإعلام المرئية والمسموعة أداة ونافذة تدخل ضمن حق الشعب في الرقابة المباشرة على أعمال كل السلطات العامة وليست أداة لتفخيم المسؤولين وتعظيمهم  وتحويل الصحف والمجلات إلى لوحات إعلان لرفع صورهم المبجلة بغرض التأثير على الرأي العام.

ولهذا اكرر باستمرار أن قرار الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي رئيس مجلس القيادة بإزالة صوره من المكاتب والمحلات العامة والخاصة ورفع لفظ الجلالة بدلاً عنها واستبدال كلمة الجلالة والفخامة والسيادة والسمو بكلمة الأخ واعتبار رتبة المقدم أعلى رتبة في الجمهورية بدءاً من رتبته شخصياً ، هذا القرار ينبئ عن إحساس الحمدي بالمسؤولية ووعي عال بما يعنيه رفع الصور وإقامة التماثيل والمنحوتات للمسؤولين من تصنيم للأفراد وتعال على الشعب ما يفقد المفخمون  والمبجلون تدريجياً إنسانيتهم ويجعلهم أنصاف آلهة ويبعدهم عن الإحساس بالمسؤولية تجاه ما يقولون وما يفعلون ، ويحل بذلك القول مكان الفعل والخطابات الرنانة بدلاً عن متابعة الأخطاء أولاً بأول كي تقترن الأقوال بالأفعال حقيقة لا دعاية .

الإعلام الرسمي ليس ملك الرئيس أو القائد أو أي موظف أياً كانت درجته، أو له عليها أي قدر من التأثير لأنه مجرد موظف عام لابد أن يخضع للمسائلة والمحاسبة والتغيير لأن ديمومة البقاء في السلطة أهم أسباب فسادها في كل المواقع المؤثرة عليها تأثيراً مباشراً أو غير مباشر !.

لا يوجد من هو فوق المسائلة إلا من ليس بيده أي سلطة أو قرار!.

والإعلام الرسمي في الدول المستبدة ملك الحكام وهذا تطاول واضح على الملكية العامة.

إننا حينما نلاحظ أن الصحافة والإعلام الرسمي يمارس النقد الذاتي لأداء مختلف السلطات بكل درجاتها ، وبلغة تحترم الذوق العام وتحقق المصلحة العامة والحق العام ، حينها نكون أمام دولة محترمة تعرف ما هي وظيفة سلطاتها وفي مقدمتها وظيفة الإعلام الرسمي .

أما حينما يتحول هذا الإعلام إلى بوق للحاكم والمتحكم فإننا نكون أمام إعلام منحرف مظلِّل، ومن يوجهه أو يدفعه أو يؤثر عليه أي قدر من التأثير ليتحول إلى بوق فينطبق عليه نفس الصفات!.

كلما أيقظ القلبُ نجمٌ

نهشته ذئاب القبيلة

منزوعة الكبرياء

وادعت ملكها للسماء

اقرأ أيضا للكاتب:الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب لـ صوت الشورى يوميات البحث عن الحرية .. محاولة لفكفكة معيار النصر والهزيمة!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى