كتابات فكرية

الأستاذ حسن الدولة يعقب على مقال الأستاذ البغدادي حول بطل الوحدة

الأستاذ حسن الدولة يعقب على مقال الأستاذ البغدادي حول بطل الوحدة

تعقيب على مقال المناضل الكبير القاضي عبدالعزيز البغدادي الموسوم ب: “بطل الوحدة وإشكالية الخلط بين الخاص والعام في ممارسة السلطة!.”    

حسن الدولة

الثلاثاء3يونيو2025_                

بداية أنني سعدت أيما سعادة بما تفضل به أخي وصديقي الأعز المناضل القاضي عبدالعزيز البغدادي بتعقيبه على ردي على يومياته السابقة المنشورة في صحيفة الشورى بعنوان: (إلى المختلفين حول زعامة الوحدة) المنشور بصحيفة الشورى الالكترونية الغراء الصادر بتاريخ الثلاثاء الماضي 2 يونيو 2025م، حيث كتبت ردي تحت عنوان ( الأستاذ علي سالم البيض بطل الدولة الاتحادية: توضيح الحقائق التاريخية التي أغفلها مقال القاضي البغدادي الأخير) نشر نفس الصحيفة بتأريخ 30 مايو 2025 .

قال القاضي عبدالعزيز انه ناقش مقالي ” من منظور كون الأستاذ البيض قد وقَّع على اتفاقية الوحدة بصفته أمينا عاما للحزب الاشتراكي اليمني ورئيساً لمجلس الرئاسة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية..وحينها كان الحزب الاشتراكي حزباً حاكماً وسياسة النظام في الجنوب قائمة على الجمع بين سلطة الدولة وسلطة الحزب الواحد”.

والحقيقة أن علي سالم لم يكن يجمع بين وظيفتي أمين عام  ورئيس مجلس رئاسة حسبما جاء في كلام القاضي عبد العزيز بل كان أمينا عاما للحزب وكان الرئيس هو المهندس حيدر أبو بكر العطاس ، وقد انتقد العطاس الأستاذ علي سالم البيض في أكثر من مقابلة بأنه حل محله وافتأت على وظيفته وانه – أي العطاس- الأولى من البيض في منصب نائب الرئيس ، وان البيض خالف الدستور ونظام الحزب واتخذ القرار دون مشاورته ودون موافقة اللجنة المركزية.

ثم قال القاضي عبدالعزيز: “ولعل الخطأ الذي تضمنه رده (نفق قولد مور)! له دلالة توجب التوقف عندها مليا وكأنه خُط بقلم القدرة !، لان تصرف الأستاذ البيض مع كامل الاحترام لشخصه حسب ما هو ثابت ليس من خلال هذا المقتبس فحسب وإنما من كل الوقائع التي تخالف قواعد التصرف في الشأن العام خاصة في ظل تلمس كيفية بناء دولة المؤسسات وليس دولة الزعماء أو الملوك أو الإمبراطوريات!.”

وفي هذا القول تهكم ظريف جدا علي لكنه قولني ما لم اقل، فقد قال أنني قصدت ب”نفق جولد – أو قولد فالكلمة أجنبية لا ضير في كتابتها كما تنطق- جولد مور الفندق وهو ما لم يخطر في بالي لا لأنهما لم يدخلا ذلك الفندق أصلا ، وإنما قصدت فعلا النفق المسمى نفق “جولد مور” أثناء مرور موكبهما من ذلك النفق الذي قال فيه الأستاذ علي سالم ردا على مقترحي الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” رحمه الله

بالوحدة “الفيدرالية” أو “الكونفيدرالية” فحسم علي سالم الأمر وقال له بل نحقق وحدة اندماجية ويستمر التحالف بين المؤتمر والحزب لمدة سبع سنوات كفترة انتقالية كفرصة لتقارب الحزبين للدمج أو يكونان حربين متنافسين. أي أنني قصدت النفق وليس الفندق وبالتالي فقد بطل التهكم المستحب.

وفي كل الأحوال فيكفيني فخرا واعتزازا أنني استطعت أن أنكش في ذاكرة المناضل القاضي عبدالعزيز ليدون شهادته لأهم موقف للأستاذ علي سالم البيض حيث يقول انه: “فشلت جهود كل الوسطاء ،وكان من واجب اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين أن يبذل جهوده ومحاولة فتح باب الحوار معه ، وكان من حظي أن أكون شاهدا على واقعة كنت أحد المشاركين فيها حيث.كنت ضمن قوام الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذين كلفوا من المجلس التنفيذي للاتحاد برئاسة الأستاذ الشاعر المناضل يوسف محمد الشحاري رئيس الاتحاد والأساتذة المرحومون الأستاذ المناضل عمر الجاوي والأستاذ الشاعر سلطان الصريمي والأستاذ الشاعر إسماعيل الوريث والشاعر والقاص زين السقاف والشاعر والقاص عبد الرحمن الاهدل والشاعر والناقد احمد ناجي احمد، وكاتب هذه السطور، أي الأستاذ البغدادي.

ثم يقول:  “كانت المهمة النزول إلى عدن لمقابله الأستاذ علي سالم البيض في مقر اعتكافه نتيجة التأزم بينه وبين شريك الوحدة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح” ثم يقول انه “عقب تناول طعام الغذاء سارع الأستاذ البيض بافتتاح جلسة المقيل بالترحيب بنا قائلا انتم مرحب بكم دائما ، ولكن ما جئتم من اجله لم يعد مقبولا لسبب بسيط وصلت إليه نتيجة لمعاناة لعلكم لا تجهلونها ، ولأني أخطأت بالوحدة الاندماجية فعلي تصحيح هذا الخطأ فبادرته – والكلام لا يزال للقاضي عبدالعزيز-  فقال لكنني بادرته بصورة تلقائية بالقول : ” أخشى أن تصحح الخطأ بخطأ اكبر ، وقلت في نفسي يبدو أن هذا تجاوز مني لوجود رئيس الاتحاد والأمين العام إلا أن الجميع امنوا على ما قلت واعتبروه مفتتح مناسب للحديث !.”

وهذه الشهادة كانت ستظل في عالم النسيان أو لا أن مقالي هو الذي استل هذه الحقيقة من ذاكرة القاضي عبدالعزيز وسجلها للتأريخ حيث ” لم يعد على قيد الحياة من الحضور سوى الدكتور عمر عبد العزيز الذي أحييه وكان حينها السكرتير الإعلامي للأستاذ البيض والمشرف على إذاعة عدن أو مديرها والأستاذ احمد ناجي احمد وكاتب هذه السطور!.”

 كما أن القاضي عبدالعزيز كما صرح في المقال انه: ” لا يقبل باستخدام ألقاب وصفات الترميز والتمجيد للأشخاص مثل الزعيم والقائد الرمز والعلم وغيرها من الألقاب التي تفقد الشخص الموصوف توازنه وتهيئ المجال لتغول السلطة واستمرار” وهي صفات القاضي عبدالعزيز اكتسبها في مقتبل  حياته المهنية كمحامي ومدافع عن الحقوق والحريات، وهذه المهمة كانت من احد أسباب تغييره من منصب النائب العام لأنه مارس من خلال ذلك المنصب الدفاع عن حقوق المظلومين وقد بلغني من القاضي علي اللوذعي أن القاضي عبدالعزيز كان أول نائب عام يزور السجون ويتفحص ملفات المساجين وانه سمع منه تصريحا انه خلال عام سوف يخلي السجون من المظلومين، والمسجونين على ذمة ديون عجزوا عن سدادها.

ومما سبق يتبين. لنا بأن مضمون  تعقيب القاضي عبدالعزيز  البغدادي في نقده لدور الرئيس علي سالم البيض في الوحدة اليمنية في اعتقادي أنه يتجاوز السجال التاريخي ليكشف إشكالية هيكلية في بنية الدولة: اختلاط الخاص بالعام. فاتخاذ البيض قرار الوحدة الاندماجية عام ١٩٩٠ بصفته أميناً عاماً للحزب الاشتراكي – لا رئيساً لمجلس الرئاسة حيث كان الرئيس هو حيدر أبو بكر العطاس الذي احتجّ على “الافتئات على صلاحياته” كما أسلفنا ، وقرار البيض  لم يكن خطأً فردياً عابراً، بل نموذجاً لمأسسة التجاوز. هذا النموذج تكرّس لاحقاً في عهد الرئيس السابق “علي عبد الله صالح” الذي غدر بشريك الوحدة وحوّل الدولة إلى “شبكة ولاءات قبلية وعسكرية” حيث كانت السلطة بيده والثروة بيد حاشيته، بينما تقاسم الشعب الفقر وانقطاع الكهرباء والأحلام المحطمة. 

لقد حوّل “بطولة القرار الفردي” في نفق “جولد مور” مسارَ الوحدة من حلمٍ جماعيٍ تراكم عبر اتفاقياتٍ تاريخيةٍ كالقاهرة ١٩٧٢ وطرابلس ١٩٧٢، إلى فعلٍ استثنائيٍ يختزل إرثا نضاليا بأكمله. هذا الاختزال لم يكن بريئا’ فغياب الآليات المؤسسية هو ما قاد البيض لاحقا إلى الاعتراف خلال اعتكافه في عدن عام ١٩٩٤: أنه “أخطأت بالوحدة الاندماجية” حسب شهادة القاضي عبدالعزيز البغدادي الذي و حذّره البيض قائلا: “أخشى أن تصحح الخطأ بخطأ أكبر”، وقد نظر القاضي عبدالعزيز بعمق إلى مكمن وجوهر الأزمة المتمثلة في غياب “أدوات التصحيح المؤسسي” فما حدث عام ١٩٩٤ لم يكن سوى الوجه الآخر لسلسلة القرارات الفردية التي بدأت بقرار “نفق جولد مور”  وتكرست في نظام صالح الذي حوّل الجنوب إلى “غنيمة حرب” بمنطق “الوحدة أو الموت”، فسرّح الآلاف من ضباطه ووضع المباني ومقرات السفارات للأقارب وجلاوزة النظام حتى أن الأراضي المحجوز في الطريق الساحلي من الحدية إلى عدن كانت محجوزة لعلي محسن والأقارب والمتنفذين، مما زرع بذور التمزق والحقد والرغبة في الانفصال. 

إن تحذير القاضي عبدالعزيز البغدادي  من “تمجيد الأفراد” يكشف علّة أعمق: فالدولة التي تختزل في أشخاصٍ – سواءً كانوا “أبطال وحدة” أو “رموز استقرار مزعومة” – تصبح هشّة قابلةً للتصدع. والحنين الزائف لنظام صالح اليوم، أو الترويج لنجله أحمد كـ”منقذ”، هو هروبٌ من حريق إلى هاوية حسب “طاهر شمسان” الذي أكد في مقال له بهذا الخصوص أن ذلك النظام لم يبنِ مؤسسات بل “مراكز نفوذ”، ولم يرّسخ عدالة بل “وساطة ومحسوبية”. وهو المسؤول الأول عن تدمير مؤسسات الدولة واختراق الجيش وتفجير حروب صعدة، وصولاً إلى تحالفه الانتحاري مع أنصار الله. فكيف يكون “المشكلة” حلاً؟ وكيف نستدعي نظاماً كان “أباً وأم الفوضى” لينقذنا من خرابه؟ 

ويمكننا إجمال ما جاء في تعقيب القاضي عبدالعزيز على مقالي المذكور أنفا أن المشكلة لا تكمن في تفنيد الروايات التاريخية فحسب، بل في تحويل نقده إلى مشروعٍ عمليٍ لإعادة بناء الدولة. فـ”البطل الحقيقي” ليس من وقّع في الظلام أو من يروّج له اليوم كمنقذ، بل من يبني مؤسساتٍ تحمي الوطن من عبثية القرار الفردي. وهذا يتطلب رفضاً قاطعاً للعودة إلى “فضلات الماضي” و”رموزه الملطخة بالقبح”، كما يتجاوز رفض التوريث في ٢٠١١ إلى محاسبة كل من نهب الوطن. فاليمن لا يحتاج إلى استدعاء أشباح الماضي، بل إلى مشروع وطني جديد يضع الإنسان في الصدارة، ويعيد تعريف السياسة كأداة بناء لا نهب، ويحوّل “دولة القانون” من شعار إلى واقع عبر: إعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بمعايير كفاءة، وإنشاء هيئات رقابية كـ”ديوان المظالم”، وجبر ضرر أسر الشهداء.

الوحدة التي تستحق البقاء ليست احتفاءً بأشخاص أو أرض، بل عقدٌ اجتماعيٌ تُديره مؤسساتٌ تحاسب الجميع. وذاكرة الوطن الحقيقية ليست حنيناً مخادعاً لـ”هدوء المقابر” في عهود الاستبداد، بل بناءً لاستقرارٍ قائمٍ على العدل. فكما أن اختزال الوحدة في “لحظة نفق” أفضى إلى كارثة، فإن اختزال الحل في أشباح الماضي هو انتحارٌ جديد. المستقبل يبدأ حين نرفض أن نكون “في مكاننا الطبيعي” – كما وصف مقال “الحنين المخادع” مروجي عودة الصالحية – وننتقل من ثقافة التمجيد إلى ثقافة المساءلة.

اقرأ أيضا:الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب عن بطل الوحدة وإشكالية الخلط بين الخاص والعام في ممارسة السلطة!

اقرأ أيضا:الأستاذ علي سالم البيض بطل الدولة الاتحادية: توضيح الحقائق التاريخية التي أغفلها مقال القاضي البغدادي الأخير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى