كتابات فكرية

استباحة إسرائيل للدول العربية .. في ظل وهم الدفاع العربي المشترك

استباحة إسرائيل للدول العربية .. في ظل وهم الدفاع العربي المشترك

بقلم الدكتور: عبد الرحمن المؤلف

السبت 20 سبتمبر 2025-  

العدوان الصهيوني الأخير على قطر لم يكن مجرد حادثة منفصلة، بل محطة كاشفة لحقيقةٍ طالما جرى التغطية عليها: غياب الدفاع العربي المشترك، وتحوله من التزام ميثاقي إلى مجرد شعار فارغ.

جيوش وخرائط بلا دفاع

منذ اتفاقية سايكس–بيكو (1916) وتقسيم المنطقة، أُنشئت جيوش عربية لم يكن هدفها حماية الأمة، بل إدارة نزاعات داخلية وإقليمية لصالح القوى الاستعمارية. لم تتحول تلك الجيوش إلى أداة لردع العدو الخارجي، بل إلى أدوات لضرب الدول الأصغر والسيطرة على أراضيها وثرواتها، كما حدث مع السعودية ضد الإمارات، عمان، قطر، الكويت، واليمن شمالًا وجنوبًا.

التواطؤ مع العدو: من 1967 إلى 1973

الأرشيف التاريخي يكشف وقائع صادمة:

في حرب 1967، كان الملك فيصل بن عبدالعزيز من أبرز المحرضين على ضرب مصر، ردًا على تدخلها في الثورة اليمنية.

الملك حسين بن طلال أبلغ غولدا مائير شخصيًا بخطط مصر للحرب عام 1973.

أنور السادات دخل تسوية منفردة تركت سوريا تواجه مصير الجولان المحتل حتى اليوم.

هذه الوقائع تؤكد أن العدو لم يكن دائمًا على الحدود، بل أحيانًا في قصور الحكم نفسها.

تدمير الجيوش المحيطة بالاحتلال

لم يكن مسموحًا للجيشين السوري واللبناني بامتلاك قدرات ردع حقيقية، وانتهى الأمر بتفكيكهما عبر الحروب والتدخلات. كل ذلك جرى تحت أعين الاستخبارات الأمريكية–البريطانية–الصهيونية، وبمشاركة أنظمة عربية فتحت أبوابها للتعاون الاستخباراتي مع واشنطن وتل أبيب.

القواعد الأجنبية: علامة الارتهان

وجود قواعد أمريكية وبريطانية في قطر، الكويت، البحرين، الإمارات، وعُمان يعكس أن قرار الحرب والدفاع لم يعد عربيًا خالصًا، بل مرتهنًا لقوى خارجية ترى في المنطقة مجرد ساحة نفوذ.

غياب الثقة… ومجرد بيانات

قرارات مجلس التعاون الخليجي بعد العدوان على قطر تضمنت: إدانة الاعتداء، تعزيز التعاون الاستخباراتي، وتسريع خطط الدفاع الجوي. لكن هذه البنود تبقى إجراءات شكلية، تفتقد أي آلية ردع فعلية.

الغرب يعلم… ويستغل

الولايات المتحدة، الاحتلال الصهيوني، والدول الغربية يدركون تمامًا هذه الحقيقة: الدفاع العربي المشترك مجرد نصوص في ميثاق الجامعة العربية لم تُفعّل قط.

لم يُستخدم ضد العدوان الثلاثي على مصر (1956).

لم يُستخدم ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين (1948 حتى اليوم).

لم يُستخدم ضد غزو العراق (2003) ولا ضد تدمير ليبيا وسوريا واليمن.

هذا الإدراك جعل القوى الاستعمارية والصهيونية تبني سياساتها باطمئنان، لأنها تعلم أن الرد العربي سيبقى في حدود بيانات إدانة و”مناورات شكلية”. لذا لم تتردد إسرائيل في استباحة أجواء قطر، ولم تتردد واشنطن في دعمها علنًا، لأنها تعرف أن لا أحد سيفعل شيئًا.

الخلاصة

لقد تحوّل وهم الدفاع العربي المشترك إلى أداة تضليل سياسي، تُرفع كشعار وقت الحاجة، بينما الواقع يكشف أن الدول العربية تركت شعوبها وأراضيها مكشوفة أمام العدوان الخارجي. في المقابل، تبني واشنطن وتل أبيب سياساتهما على هذا الضعف البنيوي، وتتصرفان وكأن العالم العربي مجرد حديقة خلفية بلا أسوار حقيقية.

إن لم تتحول الأنظمة العربية إلى بناء إرادة سياسية مستقلة، تُحدد العدو المركزي بوضوح وتبني تحالفاتها خارج الوصاية الأمريكية، فإن الاستباحة ستظل قدرًا مفروضًا، وستبقى البيانات وحدها هي “الجيش العربي المشترك” الحقيقي!

المصادر والمراجع

ميثاق جامعة الدول العربية (1945) وبنود الدفاع العربي المشترك.

البيان الصادر عن مجلس الدفاع المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي – 2025.

مذكرات الملك حسين بن طلال وتصريحاته حول حرب أكتوبر.

دراسات معهد دراسات الأمن القومي (تل أبيب) حول تفكيك الجيوش العربية.

أرشيف الأمم المتحدة حول النزاعات الحدودية الخليجية.

تقارير “أرشيف الأمن القومي” الأمريكي (National Security Archive) حول القواعد العسكرية في الخليج.

اقرأ أيضا: اليمن تحذر السعودية من التورط في حماية الملاحة الإسرائيلية

الصورة ارشيفية لإحدى القمم العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى