اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية يضعف ثقة الشعب في القضاء


اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية يضعف ثقة الشعب في القضاء
بقلم/ عبدالرحمن علي علي الزبيب
الجمعة14مارس2025_
ثمرة الأحكام تنفيذها ..
مصطلح قانوني هام يوضح الهدف الأساسي للأحكام القضائية وجوهر سبب لجوء الأشخاص إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم المسلوبة ولا يمكن الوصول لتلك الحقوق إلا بصدور أحكام قضائية صارمة وواضحة بإرجاعها لأصحابها ولا يكتفي بصدور أحكام قضائية برجوع الحقوق لأصحابها بل رجوعها بتنفيذ تلك الأحكام القضائية بإجراءات قانونية سريعة وعاجلة دون مماطلة ولا تسويف ولا روتين طويل مطول .
يكفي إرهاق للأشخاص في فترات التقاضي ورفع الدعاوى والردود والخوض لسنوات في التقاضي وصدور أحكام قضائية ابتدائية واستئنافية وعليا بسبب عدم وجود ضوابط تحديد وتزمن فترات التقاضي وتلزم القضاء بالفصل في القضايا في فترة محددة .
بعد مراحل طويلة من التقاضي تصل في النهاية لحكم قضائي ولكن ؟
تنفيذ ذلك الحكم كيف ومتى وأين ؟
تبدأ مرحلة جديدة من المعاناة لتنفيذ ذلك الحكم ولا يتوقف الموضوع عند تقديم طلب تنفيذ الحكم بل بإجراءات مطولة وثغرات يستطيع المتلاعبين في إفراغ الحكم من مضمونه وتعطيل تنفيذ الحكم باستشكالات في التنفيذ ودعاوى استحقاق وغيرها من الثغرات الذي تكون في معظمها لا مبرر لها ولا مكان لها في بعض الأحكام القضائية ولا يتوقف الإشكال في تنفيذ الأحكام في هذه النقطة بل هناك نقاط متعددة تؤكد وجود اختلالات قانونية واضحة في تنفيذ الأحكام القضائية وأهم تلك النقاط :
١- تطويل إجراءات نظر الدعاوى التنفيذية ( الاستشكال والاستحقاقات وغيرها ).
بعد صدور الحكم القضائي القابل للتنفيذ يرفع المحكوم عليه استشكال تنفيذ أو دعاوى استحقاق يكون في معظم الحالات لا مبرر قانوني فقط الهدف التطويل في الإجراءات وتأخير تنفيذ الحكم القضائي ويفترض أن يتم البت فيها بسرعة وبإجراءات موجزة إذا كان هناك مبرر وإذا لم يكن هناك وجه حق لذلك يتم البت العاجل فيها بإجراءات سريعة والشروع في تنفيذ الحكم القضائي دون تباطؤ ولا تأخير .
٢- تنفيذ أحكام قضائية مطعون فيها.
ينص القانون على وجوبية أن تكون الأحكام القضائية عند تقديم طلب تنفيذها قابلة للتنفيذ ويكون غير مطعون فيها وفقا للحالات المنصوص عليها في القانون ولكن ؟
في الواقع نلاحظ أن بعض المحاكم تسير في إجراءات تنفيذ أحكام قضائية مطعون فيها وينص القانون على أن الطعن في هذه القضايا والأحكام يوقف التنفيذ ولكن بعض المحاكم لا تستوعب تلك النصوص القانونية وتسير في التنفيذ رغم أنها مطعون فيها ورغم النص القانوني الواضح الذي يؤكد بأن هذه القضايا بالطعن يوقف تنفيذها ولكن دون تجاوب ودون التزام بالقانون ولا حياة لمن تنادي وكما نؤكد أن عدم تنفيذ الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ والمستوفية لكافة شروطها وتأخير تنفيذها خلل وأيضا الاستعجال في إجراءات تنفيذ أحكام غير قابلة للتنفيذ ومطعون فيها وتعارض ذلك مع نصوص القانون الصريحة بأن الطعن فيها يوقف تنفيذها أيضا ذلك خطا ونؤكد وجوبية احترام القانون في تنفيذ الأحكام القضائية.
٣- تنفيذ أحكام قضائية صدر قرار وتوجيه من المحكمة العليا بوقف تنفيذها.
في بعض القضايا ينص القانون على أن الطعن في الأحكام القضائية فيها لا يوقف التنفيذ ولكن ؟
قد يتقدم المحكوم عليه بطعن لدى المحكمة العليا ويتضمن الطعن طلب وقف تنفيذ الحكم وتقرر المحكمة العليا وقف تنفيذ الحكم حتى البت والفصل في القضية المنظورة لديها وتحرر المحكمة العليا مذكرة للمحكمة المختصة بوقف تنفيذ الحكم القضائي حتى الفصل في القضية بحكم بات ولكن بعض المحاكم لا تحترم قرارات المحكمة العليا ولا توقف التنفيذ وتسير في إجراءات التنفيذ بالمخالفة للقانون وبالمخالفة لقرار المحكمة العليا بوقف تنفيذ الحكم.
٤- نفقات وأجور التنفيذ معيق
بعد صدور الحكم القضائية وصيرورته حكم قابل للتنفيذ وفقا للقانون تبدأ إجراءات التنفيذ والذي يكلف ذلك طالب التنفيذ مبالغ مالية كبيرة ونفقات يدفعها طالب التنفيذ بدون سندات تحصيل قانونية وبالمخالفة للقانون ويتوقف الكثير ممن صدرت لهم أحكام قضائية يتوقف عن المطالبة بتنفيذها لعدم قدرته على دفع تكاليف التنفيذ غير القانونية والذي يدفعها دون سندات تحصيل وبالمخالفة للقانون وهذا يعتبر معيق في تنفيذ الأحكام القضائية يستلزم معالجته وبشكل جذري في جميع المحاكم والالتزام بالقانون والرسوم القانونية دون زيادة .
٥- اختلاف إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية من محكمة إلى أخرى
يلاحظ اختلاف تعامل المحاكم مع تنفيذ الأحكام القضائية فبعض المحاكم تفتح جلسات تنفيذ وتوضح موقف الأطراف منها وتسير في إجراءات تنفيذ موثقة وواضحة يتضح فيها الإجراءات القانونية الذي سارت عليها المحكمة لتنفيذ الحكم القضائي وخصوصا إذا كانت تلك الأحكام تتضمن عدة أطراف وعدة حقوق ومواضيع مختلفة وتوثيق جلسات تنفيذ الأحكام القضائية هامه لتوضيح الإجراءات وكشف أي تلاعب أو مماطلة في التنفيذ من طالب التنفيذ أو المنفذ ضدهم خصوصا في الأحكام القضائية الذي تتضمن حقوق متبادلة لطرفي الخصومة القضائية وتوثيق إجراءات تنفيذ الأحكام يوضح الإجراءات حتى لو تغير القاضي المختص بالتنفيذ تستكمل إجراءات التنفيذ من آخر نقطة وصل إليها القاضي السلف ولا تبدأ إجراءات التنفيذ من الصفر لعدم وجود ما يثبت إجراءات التنفيذ وكلها فقط موجودة في رأس القاضي والقاضي مع رأسه قد انتقل إلى محكمة أخرى ومشغول بقضايا أخرى منظورة لديه في المحكمة الجديدة ليبدأ القاضي الجديد إجراءات التنفيذ من الصفر .
وهذا كله يرجع إلى عدم قناعة بعض القضاة في فتح محاضر تنفيذ للأحكام القضائية والاكتفاء فقط بإصدار قرارات وتوجيهات وهذا يطول إجراءات التنفيذ ويجعل إجراءات التنفيذ مبهمة وغير واضحة ويستلزم التقيد بفتح محاضر تنفيذ الأحكام القضائية وتوثيق كافة إجراءات التنفيذ بمحاضر تضمن عدم التراجع عنها والسير بإجراءات متوالية لتنفيذ الأحكام .
٥- عدم تزمين إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية.
يفترض أن إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ والمستوفية لشروطها القانونية إجراءاتها مستعجلة ولكن ؟
لعدم وجود ضوابط وعدم تحديد فترة زمنية محددة لضبط إجراءات التنفيذ خلالها تطيل إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية .
ويستلزم ذلك سرعة متابعة إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية وضبطها بفترة زمنية محددة والحد من اختلالاتها .
٦- اختلالات تثمين محل التنفيذ
هدف تنفيذ الأحكام القضائية هو تمكين كل ذي حق من حقه وفق الحكم القضائي ولكن ؟
قد تتضمن إجراءات التنفيذ اختلالات تتسبب في تعطيل وفقدان تلك الحقوق وأهم تلك الاختلالات هو اختلالات تثمين محل التنفيذ.
حيث تعتبر مرحلة تثمين محل التنفيذ هامه جدا في تنفيذ الأحكام القضائية ولعدم وجود ضوابط تضبط هذا الإجراء قد تقوم المحكمة بتثمين محل التنفيذ بثمن غير عادل قد يكون بخس أو بسعر أكبر من قيمته الحقيقية ورغم أن القانون قد رسم ووضح إجراءات التثمين بعدول من الأطراف وإذا كان فارق تثمين الأطراف بسيط يتم اعتماد تثمين وسط بين تقارير عدول الأطراف وان كان الفارق كبير بين تقارير عدول الأطراف تكلف المحكمة عدل مرجح يكون من ذوي الاختصاص في تثمين محل التنفيذ وبناء على تقرير العدل المرجح يتم التنفيذ واعتماد تثمينه للسير في الإجراءات ولكن ؟
في واقع المحاكم عدم التزام البعض منها بتلك الإجراءات القانونية وتفرض المحكمة مباشرة سعر بشكل أحادي ودون إخضاع التثمين لتقارير عدول وغيرها وقد يكون التثمين من المحكمة بسعر بخس يضع علامة استفهام كبيرة على سبب ذلك.
أو تسير المحكمة المختصة في التنفيذ بعرض محل التنفيذ للبيع عبر مزاد علني دون تحديد عادل للثمن ويخضع ذلك للمزايدة الذي قد يتفق الجميع على عدم دخول المزايدة إلا أشخاص محدودين وعرض ثمن بخس لمحل التثمين للحصول على أرباح كبيرة واستغلال هذه الثغرة للإضرار بالمحكوم عليه لتحقيق مصالح شخصية للبعض.
ويفترض أن تحترم المحاكم القانون وتلتزم به عند تثمين محل التنفيذ وتحديد سعر عادل وحقيقي دون تبخيس ولا مبالغة ووفق تقارير العدول .
٧- استغلال بعض القضاة الصلاحيات القانونية الواسعة لهم لفرض تنفيذ أحكام مخالفة للقانون.
بعض الأحكام القضائية يتم تنفيذها فور صدور الحكم فيها ومنها على سبيل المثال لا الحصر الأحكام القضائية في النفقة والذي نص القانون على تنفيذها فور صدورها ومن واقع محضر جلسة النطق بالحكم .
هذه الصلاحية الواسعة للقضاة في هذه القضايا تتسب في إصدار إحكام قضائية غير معقولة ومخالفة للقانون ومن ذلك على سبيل المثال إحدى قضايا النفقة اصدر القاضي حكمه بإلزام المحكوم عليه بدفع نفقة شهرية الفين ريال سعودي بينما مستحقاته وراتبه الشهري لا يتجاوز الألف والخمسمائة ريال سعودي فكيف قام القاضي بتحديد مقدار النفقة وهل التزم بالقانون في تحديد مقدار النفقة وكيف يتعامل المحكوم عليه في هذه الحالة إذا تقدم بطعن سيقال له ان الطعن لا يوقف التنفيذ وهذا إجراء خاطئ وثغرة يستلزم تلافيها ويستوجب اتخاذ إجراءات تضبط هذا الخلل لأن الأحكام القضائية تهدف لتمكين ذي حق لحقه بالمعقول وبالعدل لا أن يتم التعسف في إصدار أحكام تعسفية استغلالا لثغرة قانونية تمنع وقف تنفيذ بعض الأحكام حتى لو تم الطعن فيها.
٨- ضعف أداء التفتيش القضائي في ضبط اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية.
من أهم أسباب انتشار اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية هو ضعف أداء التفتيش القضائي بالتفتيش الدوري على جميع المحاكم وايلاء أقسام التنفيذ اهتمام وتركيز اكبر ومتابعة إجراءات تنفيذ جميع الأحكام القضائية ووقف أي خلل أو مخالفة للقانون في تنفيذ الأحكام القضائية.
حتى لو تقدم المتضرر من اختلالات تنفيذ الحكم القضائي بشكواه للتفتيش القضائي لا يتم التفاعل السريع والعاجل ويتم التعامل مع هذه الشكاوى بتباطؤ كبير وقد يتم استكمال تنفيذ الحكم القضائي واستمرار الخلل في إجراءاتها دون تجاوب التفتيش القضائي وحتى لو تم رفع مذكرة من التفتيش القضائي إلى قاضي التنفيذ في المحكمة المختصة يتجاهل الكثير من القضاة تلك المذكرات ولا يهتموا بها .
وهذا يستلزم إعادة النظر في دور التفتيش القضائي في مواجهة اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية وان يكون هناك اهتمام بالتنفيذ والحد من اختلالاتها بإجراءات صارمة وعاجلة للحد من أضرارها.
٩- عدم وجود قاضي تنفيذ متفرغ لتنفيذ الأحكام القضائية .
رغم أهمية وخطورة تنفيذ الأحكام القضائية إلا انه غالبا في معظم المحاكم يتم إيكال اختصاص تنفيذ الأحكام القضائية لرئيس المحكمة الذي يكون مشغول بمواضيع مختلفة وإيكال مهمة التنفيذ لرئيس المحكمة قد تتسبب في تعطيل التنفيذ وتطويل إجراءاته لعدم وجود قاضي متفرغ مختص بتنفيذ الأحكام القضائية ويستلزم إعادة النظر في ذلك وتفريغ قضاة للعمل في تنفيذ الأحكام القضائية والتفرغ لها والسير المتوالي في إجراءاتها وتفعيل تنفيذ الأحكام القضائية.
١٠- اختلالات معاوني التنفيذ
بسبب عدم وجود قاضي متفرغ ومتخصص لتنفيذ الأحكام القضائية وإلحاق اختصاص التنفيذ لرئيس المحكمة يمنح ذلك الموظف المختص بالمحكمة او ما يسمى معاون التنفيذ صلاحيات واسعة في تنفيذ الأحكام القضائية والذي قد يتسبب ذلك في إشكاليات ومخالفات قانونية.
وهذا إجراء خاطئ والمتسبب في ذلك عدم وجود قاضي متفرغ لتنفيذ الأحكام القضائية ويكون مؤهل للعمل في هذا المجال .
ويلاحظ في معظم المحاكم أن قسم التنفيذ فيها يكون موظفيها مستمرين في أعمالهم في قسم التنفيذ لسنوات طويلة دون تدوير ودون تغيير فبقاؤهم لسنوات طويلة وعقود في نفس العمل وفي نفس المحكمة والصلاحيات الواسعة لهم بسبب عدم وجود قاضي تنفيذ متفرغ يتسبب ذلك في تفاقم اختلالات التنفيذ وتحكم قسم التنفيذ في إجراءات التنفيذ دون الالتزام بالقانون فيستعجلون تنفيذ أحكام ويؤخرون إجراءات تنفيذ أحكام أخرى وهكذا .
وهذا يستوجب سرعة تفريغ قاضي لتنفيذ الأحكام القضائية في المحاكم وأيضا وجوبية تدوير موظفي ومعاون قسم التنفيذ في جميع المحاكم وبشكل سنوي بحيث لا يبقى أي موظف في قسم التنفيذ في أي محكمة لأكثر من عام واحد فقط وتركيز اهتمام التفتيش القضائي على أقسام التنفيذ وضبط أي اختلالات فيها قبل تفاقمها.
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية مرحلة تنفيذ الأحكام القضائية ووجوبيه اهتمام التفتيش القضائي بهذه المحطة الهامة الذي تعتبر هي ثمرة التقاضي وثمرة الأحكام تنفيذها وبذل الجهود الإيجابية للحد من الاختلالات في إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية كون تلك الاختلالات تؤثر بشكل سلبي في ثقة المجتمع في القضاء ومؤسساته ويجعل من القضاء هيكل شكلي لا مضمون له كون الهدف الرئيسي للقضاء هو ردع من ينتهك حقوق الآخرين وتمكين أصحاب الحقوق من حقوقهم بأحكام قضائية واضحة و بإجراءات تنفيذ شفافة ومتسارعة ووفقا للقانون دون مخالفة ولا تقصير .
ونأمل أن يكون تنفيذ الأحكام القضائية محل اهتمام مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي ووزارة العدل وبذل الجهود الإيجابية للحد من اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية وعدم تفاقمها وما أوردناه في دراستنا الموجزة هي نقاط هامه من الواقع داخل المحاكم يستلزم معالجتها واتخاذ إجراءات عاجلة للحد من أي تقصير او خلل يكتنف إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية ووجوبيه تفريغ قضاة مختصين بتنفيذ الأحكام القضائية وان يكونوا قضاة مؤهلين تأهيل عالي في تنفيذ الأحكام وملمين إلمام كافي بالنصوص القانونية في تنفيذ الأحكام القضائية وإجراءاتها دون مخالفة … كون ثمرة الأحكام القضائية تنفيذها و اختلالات تنفيذ الأحكام القضائية يفقدها الحجية ويضعف ثقة الشعب في القضاء
عبدالرحمن علي علي الزبيب
إعلامي مستقل ومستشار قانوني
law711177723@yahoo.com
اقرأ أيضا:خارطة طريق لتنظيم وسائل المواصلات والخطوط في الشوارع العامة
