إبراهيم بن على الوزير

أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة 5

أضواء من كتاب “على مشارف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة  5

الأربعاء 8يناير2025

بقلم الأستاذ: عزيز بن طارش سعدان

إنها السنن … ميزان الله لكل شيء لا اختلال معه مثقال ذرة

{وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ}.

إنها السنن عطاء الله الشامل لكل شيء..

{وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً}

إنها السنن.. الثابتة في خطوطها المرسومة.

{وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}              {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً}

وهي مسخّرة إلى المدى الذي حدده مدبّر الأمر (في السموات والأرض) وتحكم السنة سنة أخرى في تسلسل رائع بديع (فالجاذبية) على سبيل المثال، تحكمها سنة الدفع المتحرك وسنة الداء تحكمها سنة الدواء، وهكذا.. وهي متشعبة تملأ هذا الكون الزاخر بما فيه…!

سنن..

أما من حيث سلوك الفرد والأمة والنظام الذي يجب أن يكون شريعة للفرد والأسرة والجماعة، فتلك هي القواعد والضوابط التي تضمنتها «السنن التشريعية» التي جاء بها الرسل منسجمة مع (سنن الفطرة) و (ناموس الكون) مكملة لهما مع الجانب الاختياري الحر، مضيئة للعقل (سبل الحقائق) عاصمة له من (التيه والضلال)؛ تحقيقاً لموعود الله يوم أمر الكائن الإنساني ممثلاً في أبويه: «آدم» و «حواء» عليهما السلام بالهبوط إلى هذا الكوكب بعضهم لبعض عدو.

{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}

وليس هناك طريق للخروج من الصراع في مختلف أشكاله إلى السلام الشامل فيغير هدى «الله» مطلقاً وأبداً.

إن الحضارة شيء والتكامل الشامل للحضارة شيء آخر.

يقول الأستاذ المفكر الإسلامي إبراهيم بن علي الوزير “وقد بلغت تلك الرسالات السماوية كمالها في الرسالة (الخاتمة والكتاب المهيمن) يوم بلغت البشرية رشدها وتقاربت زماناً ومكاناً.. وهذه الشريعة الهادية تضع أمام الاختيار الحر للإنسان معالم المنهج لحياته، وهدى الله له في معيشته، ومختلف ما تقتضيه حياته من المهد إلى اللحد” (انتهى) وعندما نسير وفق سنن مهداة من رب العالمين وفقا لمنهجية الأنبياء والمرسلين وبالأخص خاتم الأنبياء الذي أسس بنيان الله في هذا الكون الذي فيه معيشتنا وحياتنا ومماتنا ،تؤكد أن السنن التي لا تبديل لها والعدالة التي تهدي إلى طريق الحق ونيل كل مظلوم حقه من ظالمه ،أننا أمام مظلوميات سود مظلمة كظلمات الليل أو بشكل أدق كظلمة البحار التي لا ضوء فيها عندما تحولنا إلى الحكم الفردي المطلق وتركنا نظام السماء الذي تنزل على عبده ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ونتيجة لذلك تحولت البشرية إلى قطيع أغنام تنتقل وتخلف  للأبناء منذ القرن الأول الهجري حتى يومنا هذه معضلة كبيرة ومعقدة في أساسها وهي ممقوتة في المجتمعات الإسلامية، ولكن عندما نعود إلى السنن الكونية نجد أن الخير سوف يعم كما نبأنا الخبير العليم بقوله {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً}

 إن الاستقامة شيء أساسي حتى نوصل إلى رضا الله وينصرنا على أعدائنا، وبدون ذلك لا نصر ولا قوة لنا.

إننا إذ نطلب من الله الخير وإصلاح الشأن لا بد لنا أولا أن نستفيم كما أمرنا الله تعالى ، الاستقامة في مختلف أعمالنا ، والاستقامة هي الارتباط بين استقامة الأمم والجماعات على الطريقة الواحدة الواصلة إلى النجاة كي ننعم برضا الله.

 إن الحياة تجري على خطوات السنن المعهودة في كل بقعة من بقاع الأرض وما يزال الرخاء يتبع هذه الخطوات المباركة حتى هذا العصر الذي انتشرت فيه الصناعة وعندما كانت العرب متشتتة في هذه الصحراء يعيشون في شظف من العيش لا حدود له، حتى استقاموا على الطريقة، ففتحت لهم الأرض وتتدفقت لهم فيها الأرزاق، ثم انحرفوا عن الطريقة؛ فاستلبت منهم خيراتهم استلاباً. وما يزالون في نكد وشظف حتى يمن الله علينا بالخير وبالعودة إليه والتمسك بهداه.

 ونتيجة للابتعاد عن الاستقامة فإن الأمة العربية تعذب بآفات أخرى في إنسانيتها أو أمنها أو قيمة الإنسان وكرامته فيها تسلب عن ذلك الغنى لا تتذوق معنى الرخاء وتحيل الحياة فيها إلى لعنة مشئومة على إنسانية الإنسان وخلقه وكرامته وأمنه وطمأنينته،ونعمة الذكاء كثيرا ما تقود إلى فتنة الغرور والاستخفاف بالآخرين وبالقيم والموازين وما تكاد تخلو نعمة من الفتنة إلا من ذكر الله فعصمه، فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام.

إن السنن الكونية لا بد أن تكون فيها موازين صادقة بين العبد وربه وعندما تتحقق تلك السنن، فإن الأمة سوف تصل إلى برنامجها بصدقهم وتعاملاتهم الإسلامية.

 إن مفكرنا- يرحمه الله- قد نبأنا عن عدالة السماء التي علينا ألا نخرج عنها حتى يدق الله في قلوب المؤمنين الصادقين بالتوجه الصحيح لتحقيق بذرة تنبت نبتًا حسنا ومن خلالها نبني الجماعة المؤمنة ونكون مجتمعا متجانسا متعايشا يمشي إلى طريق الحق المبين.

قال فيلسوف الشرق وموقظه السيد جمال الدين الأفغاني: (لا يتسع الأمر إلا إذا ضاء، ولا يظهر نور الفجر، إلا بعد الظلام الحالك. العبيد هم الذين يهربون من الحرية فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد آخر) وقال أيضا: (إن المستمرين ذئاب فإن لم يجدوكم نعاجًا لما كانوا ذئًابًا) وهذه الكلمات فيها معان كثيرة عن الاستعمار والمستعمرين وما تحقق أن المستعمر وجد له نعاجا في وطني العزيز يعملون بأمره وما أكثرهم اليوم!

اقرأ أيضا:أضواء من كتاب “على مشرف القرن الخامس عشر للمفكر إبراهيم الوزير” الحلقة (4)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى