محمد المخلافي يستعرض كتاب “تعز كما لم ترها من قبل” في كتاب لفيصل سعيد فارع
محمد المخلافي يستعرض كتاب “تعز كما لم ترها من قبل” في كتاب لفيصل سعيد فارع
الخميس17 أكتوبر2024_ محمد المخلافي
مدينة تعز تتميز بغنائها الثقافي وتنوعها الجغرافي، حيث تجسد تضاريسها المتنوعة وموقعها الاستراتيجي تفاعلًا فريدًا بين الإنسان والطبيعة. في هذا السياق، يبرز كتاب الأستاذ فيصل سعيد فارع “تعز فرادة المكان وعظمة التاريخ” كعمل متميز يقدم رؤية شاملة تتجاوز مجرد السرد التاريخي. يتناول الكتاب الجوانب الأثرية والاجتماعية والثقافية التي تميز هذه المدينة العريقة، مما يجعله مرجعًا غنيًا للقراء.
يتجاوز الكتاب حدود التوثيق ليكون بمثابة خريطة معرفية تعيد الحياة إلى ملامح تعز عبر العصور. يعكس فيصل، من خلال أسلوبه السلس وشغفه العميق، كيف تشكلت هوية المدينة عبر التفاعل المستمر بين سكانها ومحيطهم الطبيعي. هذا التفاعل يجعل القارئ يشعر وكأنه يسير في شوارع تعز التاريخية، مستشعرًا عبق الماضي وآثار الحاضر.
علاوة على ذلك، يستحضر فيصل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية التي تشكل لبنة أساسية في بناء الوعي الوطني. وبذلك، يصبح الكتاب ليس مجرد مرجع تاريخي، بل دعوة لإعادة اكتشاف الذات اليمنية من خلال عيون تعز. في زمن تسوده المتغيرات، يظل هذا الكتاب شعلة من المعرفة والفهم، تلقي الضوء على مدينة تظل نابضة بالحياة، حاملة في ثناياها تراثًا غنيًا يستحق الاستكشاف والتقدير.
في مقدمة مؤلفه عن مدينة تعز، يصف الكاتب هذه الصفحات بأنها “رحلة في الزمان والمكان”، حيث تمتد المدينة بعرض إطلالة عميقة على مسار تاريخ طويل وعريق. ورغم أن الكتاب، بحجمه الحالي، لا يمكنه استيعاب كل تفاصيل هذا الكيان الحي المتدفق بالحركة والحياة، الذي يحتضن معالم جغرافية بارزة، إلا أنه يقترب من بعض تجلياتها المتنوعة، مثل تضاريسها، وهيدرولوجيتها، ومناخها، وسكانها، مما يسهم في تشكيل هويتها الفريدة عبر العصور.
يُقر الكاتب بأن تناول موضوع تعز ليس بالأمر السهل، إذ تواجهه تحديات عدة، أبرزها قلة الكتابات التاريخية والدراسات الحديثة التي تناولت المدينة. هذا الفراغ المعرفي يُعتبر مصدر قلق، لكنه لا ينقص من أهمية الموضوع بالنسبة له، بل يزيده شغفًا ورغبة في التعمق في تفاصيله. يسعى الكاتب من خلال هذا العمل إلى إدراك مكونات تعز، مقدِّمًا مساهمة متواضعة في حقل لا يزال بكراً، ليس فقط بالنسبة لتعز، بل لعديد من الحواضر اليمنية التي تستحق الاستكشاف والتقدير.
في استعراض سريع للكتاب “تعز فرادة المكان وعظمة التاريخ”، نجد أنه يتألف من مجموعة متنوعة من الفصول والأبواب التي تُوثق تاريخ وحياة حضارة هذه المدينة العريقة. يبدأ الفصل الأول بعنوان “تعز وفرادة المكان”، حيث يطرح المبحث الأول ملامح المدينة الطبيعية، متناولًا التسمية والنشأة وازدهار تعز، بالإضافة إلى أهمية موقعها الجغرافي. يتضمن ذلك طبوغرافية المدينة، مناخها، ومواردها المائية التي تشكل جزءًا أساسيًا من هويتها.
أما المبحث الثاني فيستعرض الملامح البشرية لمدينة تعز، حيث يقدم شرحًا تفصيليًا عن سكانها، والتركيب الوظيفي، وتوزيع المنشآت الصناعية، مما يعكس حيوية المجتمع التعزي وتنوعه.
ينتقل الكتاب بعد ذلك إلى الفصل الثاني، الذي يغوص في عبق التاريخ والحضارة الإنسانية القديمة. يبدأ المبحث الأول بالتطور التاريخي لنطاق مدينة تعز، مستعرضًا فترات ما قبل التاريخ، بما في ذلك العصر الحجري القديم والحضارة الأشولية، ثم العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي. كما يتناول الكتاب دور المعافر في عصر الممالك اليمنية القديمة، مشيرًا إلى ممالك أوسان، سبأ، قتبان، وحمير، ليُبرز أثر هذه الحضارات في تشكيل تاريخ المدينة.
يُقدم الكتاب سردًا متناسقًا ومتكاملًا عن الدليل الأثري لمدينة تعز ومنطقة المعافر، حيث يغطي الفترة من ظهور الإسلام حتى قيام الدولة الصليحية، مع تسليط الضوء على ولاية معاذ بن جبل ومدينة الجند، وصولًا إلى عهد الدولة الصليحية.
في المبحث الثاني، يتناول الكتاب تاريخ تعز في العصور الوسيطة والحديثة، متطرقًا إلى فترة الدولة الأيوبية والدولة الرسولية. ويستعرض الباب الثاني تاريخ المدينة الحديث، بما في ذلك الدولة الظاهرية، والحملة المملوكية، وحملة العثمانيين، بالإضافة إلى عهد الأئمة من آل القاسم وأمراء المخلاف السليماني، وكذلك الفتح العثماني الثاني. أما في الباب الثالث، فيسلط الضوء على التاريخ المعاصر لتعز، مشيرًا إلى كونها العاصمة الأولى للإمام أحمد حميد الدين، وصدور الصحف الرسمية في المحافظة. كما يتناول بداية الحركة السياسية اليمنية الحديثة ودور تعز النضالي والبطولي في ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، مُبرزًا دورها الفاعل في تحقيق الوحدة اليمنية.
ويأتي الفصل الثالث ليغطي الجوامع والحصون في تعز، حيث يتحدث عن أبرز المساجد مثل جامع الجند التاريخي، جامع المظفر، ومدرسة الأشرفية، بالإضافة إلى مسجد المعتبية ومجموعة من المساجد الأخرى التي تعكس التاريخ الديني للمدينة.
في المبحث الثاني، يُسلط الكتاب الضوء على الحصون والقلاع، مقدمًا قلعة القاهرة الأثرية وقلعة المقاطرة التاريخية، وقلعة الدملؤة، وحصن سمدان، وحصن القدم، وحصن منيف، وحصن اللؤلؤة.
أما الفصل الرابع، فيتناول عملة المسكوكات، مع التركيز على المسكوكات القتبانية والحميرية في منطقة المعافر التاريخية.
وأخيرًا، يأتي الفصل الخامس ليعرض تعز في عيون الرحالة والمؤرخين والجغرافيين القدامى، حيث يتناول المبحث الأول الرحالة الأوروبيين، بينما يركز المبحث الثاني على الرحالة والمؤرخين والجغرافيين المسلمين والعرب، مثل شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري الدمشقي، وابن بطوطة، والقلقشندي، وأحمد وصفي، مما يضفي عمقًا تاريخيًا وثقافيًا على رؤية المدينة.
يُعدّ هذا العمل من الأركان الأساسية لأي مؤرخ أو باحث أو دارس، رحلته ليصبح مرجعًا لا غنى عنه عن مدينة تعز. يقدم هذا العمل الهام رؤية منهجية وثائقية نادرة، تتناول المخطوطات والمعالم الأثرية الفريدة التي تميز محافظة تعز، مما يعزز من أهميته ويعمق توثيقه.
يمتد الكتاب على 378 صفحة، مشتملاً على كنوز معرفية وثقافية تستحق الاستكشاف. وفي لحظة تأمل، أضاف المؤرخ والباحث فيصل سعيد فارع لمسة شخصية من خلال إهدائه الخاص في نهاية الكتاب، حيث أبدع في صياغة كلمات تعبر عن حبه العميق لمدينته. وفي خطابه الموجه عبر شبكة دنيا المغتربين الإعلامية، أهدى هذا الكتاب لكل باحث وكاتب، مقدماً تحية احترام لمدينة تعز التي تجسد المجد والتاريخ والشموخ. جاء في رسالته: “إلى مدينتي… إلى تعز، الثقافة والحضارة الخالدة، أهديك هذا الجهد المتواضع”.
تتجلى من خلال هذه الكلمات روح الانتماء والاعتزاز، مما يجعل هذا الكتاب ليس مجرد عمل أكاديمي، بل يتجاوز ذلك ليصبح شهادة حية على تاريخ وحضارة تعز.
عنوان الكتاب “تعز فرادة المكان وعظمة التاريخ” يجسد بعمق ثراء مدينة تعز، حيث يعبر عن تميزها الجغرافي والتاريخي في آن واحد. تعكس عبارة “فرادة المكان” الخصائص الفريدة التي تميز المدينة، بدءًا من تضاريسها المتنوعة ومناخها المعتدل، وصولًا إلى موقعها الاستراتيجي الذي جعل منها نقطة التقاء ثقافات وحضارات متعددة. تعز ليست مجرد مدينة تحتفظ بعبق الماضي، بل هي جوهرة تتلألأ في قلب اليمن، تفوح برائحة التاريخ.
أما “عظمة التاريخ”، فتسلط الضوء على الموروث الغني الذي تحمله المدينة. فهي ليست مجرد حاضرة عادية، بل هي مسرح لقصص نضال وثقافة وفنون، حيث شهدت أحداثًا تاريخية تجسد قوة الإرادة وصمود الشعب. يعكس العنوان كيف أن تعز، بفضل تميزها ومكانتها التاريخية، تظل رمزًا للهوية الوطنية والتاريخ اليمني الذي يعتز به الجميع.
باختصار، يجسد عنوان الكتاب تزاوج الجغرافيا بالتاريخ، ليؤكد أن مدينة تعز ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل هي كيان حي نابض يحمل في طياته قصصًا وإنجازات تعكس عظمة إنسانيتها.
إلى جانب كونه مثقفًا بارزًا أغنى المشهد الثقافي اليمني بمساهماته القيمة، يُعتبر فيصل سعيد فارع واحدًا من أبرز الرواد الاقتصاديين في البلاد. فقد لعب دورًا محوريًا في تطوير القطاع الاقتصادي والمالي، مما أسهم في ازدهار اليمن بشكل ملحوظ.
من خلال إنجازاته المتنوعة، أثبت فيصل سعيد قدرته الفائقة على التألق والإبداع في مختلف مجالات الحياة، مما جعله نموذجًا يُحتذى به في النجاح والريادة على المستويين الشخصي والوطني.
لا يمكننا أن نغفل عن جمال روحه وطيبته. فعندما نلتقيه في جلسة القات في منزله، نجد فيه رحابة صدر ترحب بالجميع، وهدوءًا يتيح له إدارة النقاش بسلاسة. يتنقل بين الأحاديث بأفكاره الراقية، مما يضفي على الجلسة طابعًا خاصًا.
في مجلسه العامر، يلتقي المثقفون في أجواء من الألفة والمحبة، حيث تنعكس روح الإبداع في كل زاوية. من بين هؤلاء، يتواجد الأديب المعروف والشاعر والناقد علوان الجيلاني، والكاتب الصحفي مصطفى راجح، والصحفي والشاعر كريم الحنكي، والشاعر محمد اللوزي، والكاتب والشاعر الشاب عمران مصباح، إلى جانب عدد من الأسماء اللامعة في عالم الثقافة.
في تلك الجلسات، تنساب الأحاديث بسلاسة، متجاوزة حدود الأدب والشعر لتستكشف عوالم الفنون والتاريخ والرياضة والتكنولوجيا. تتنقل المواضيع بمرونة، مما ينشئ تناغمًا وانسجامًا بعيدًا عن ضجيج السياسة وهمومها.
اقرأ أيضا:الأستاذ قادري أحمد حيدر يكتب عن ثنائية الشعر والفكر للأستاذ القاسم بن علي الوزير