ثقافة وسياحة

رحلة إلى مدينة المحويت

رحلة إلى مدينة المحويت

         بقلم/ عادل راجح شلي

بدأت الرحلة من مدينة حجة مرورا بجبال الشراقي عبر طريق حجة الشراقي مسور،توقفنا في منطقة الطفاين لنلتقط بعض الصور كجزء من متعة الرحلة.

فقابلنا احد أبناء المنطقة من آل المعمري فسألته عن الشيخ عبدالرب المعمري رائد المبادرات المجتمعية لإصلاح طريق الشراقي وذلك لأني وجدت انهيار جديد وإذا لم يتم أصلاحه سيؤدي إلى جرف الطريق مع أول سيل.

ما لفت انتباهي طيبة الرجل وكرمه والجنبية التي يتمنطقها على خصرة  ودرجة صفائها وجمالها الساحر.

فالتقطت صورة الرجل والتحفة الاثرية النادرة التي يحتزم بها،استمتعنا بمشاهدة البساط الأخضر الذي تكتسي به الجبال المطلة على الطفاين من جهة مسور.

صعدنا للأعلى فكان اول ما قابلنا بلاد عزام صلاح والرغيل وقارة احمد بلاد الشاعر الساخر القارة.

انشرحت صدورنا برؤية المياه تتنزنز من “ضرع السماء” احد الصفات التي تطلق على جبل مسور وذلك لان الأمطار تنهمر عليه بشكل دائم.

شاهدنا امتدادات الجبال من الأعلى إلى بني مهند ووادي شرس وبني حور وقيلاب ومضاح

وامتداد بني الطربي وحصن المقرانة وذرحان. وشاهدنا ماتبقى من الحصنين المطل على المدخل لبيت عذاقة

وارتجل قائد الرحلة ومرشدها زامل تاريخي عن الحصنين وعلاقته بالأمير، وشاهدنا من أعلى التل سوق بيت عذاقة ملتقى مزارعي البن بمحافظة حجة،وبلاد ينبوع الطرب الشعبي الفنان يحيى الشريجة.

وشاهدنا دار عبدالملك المتوكل نائب الامام على بيت عذاقة والذي يقال ان الغيل يمر من وسط الدار.

ومررنا بسوق الصميل والذي لايدري الدكتور نبيل سبب تسميته بهذا الاسم وهو مكان منبسط موازي لسوق بيت عذاقة من جهة الشرق ويفصل بينه وبين بيت عذاقه كتلة صخرية تسمي جبل الكبالي على ما اذكر.

ثم صعدنا من منطقة الحدين وهو مكون من الحد الأسفل والحد الأعلى وبينهما قرية الصافية.

ومن الصافية تبدأ حدود مديرية ثلا وشاهدنا من الصافية المحلات التي تقع جنوب بيت عذاقة والتي تمتد حتى وادي لاعة.

ومررنا بالمحلات التابعة للمصانع وشاهدنا الجبال الكلسية وانتشار الكسارات في اغلب القرى ووجود دواوين عامة كبيرة في كل قرية يقول الدكتور نبيل انه تم بنائها من العائد المخصص للأهالي من أصحاب الكسارات وأنها مزودة بالأثاث والقدور والشول ودباب الغاز والسماعات والصوتيات وكل الاحتياجات والأدوات المتعلقة بالمناسبات.

وفعلا شاهدت الدواوين والمجالس العامة في كل القرى والمحلات التي مررنا بها وهذا يدل على مدى ترابط وتعاضد وتعاون ابناء تلك المحلات وربما هو تجسيد لسلوك متجذر وتقاليد راسخة لدى أبناء مديرية ثلا عموما.

أحسسنا بالبرد فرفعنا زجاج السيارة  وتذكر الدكتور نبيل المثل السائر او الحكمة والخارطة الشعبية لتوزع اماكن البرد وهي:

البرد حل المصانع ومسكنه بيت علمان

وجدته في حلملم وله عوائد بالاشمور.

مررنا ببيت علمان ومنه الى مدع وعبرنا ” باب الشقبي” واللفظ في لهجتنا المحلية يعني الفتحة الصغيرة.

ثم شاهدنا حصن ثلا واقتربنا من مدينة ثلا وأسوارها الشاهدة على أهمية هذه المدينة من الناحية الإستراتيجية كنقطة اتصال بين السلسلة الجبلية الممتدة من جبال حجة حتى مسور غربا والاشمور شمالا  والسلسلة الجبلية الممتدة من الاهجر والطويلة حتى كوكبان من الجنوب الغربي والتي تحكمت بحركة التاريخ والتجارة لقرون طويلة باعتبارها بوابة صنعاء.

أو من الناحية الاقتصادية حيث تعتبر نقطة الوصل بين المزارعين القادمين بمحاصيلهم الزراعية من حجة والمحويت وعمران إلى العاصمة الأمر الذي عزز من مكانتها التجارية وجعل من تجارها المعتبرين والمتميزين محل ثقة كل أبناء اليمن.

وذلك لان أبناء ثلا يشتركون مع المزارعين في هموم وتقاليد الزراعة ويشتركون مع الحرفيين وتجار صنعاء في معرفة القوانين والموازين والمكاييل والقياس وأساليب التعامل والنظم التجارية والحسابات جعل منهم تجار ماهرين ويحظون بسمعة ومكانة مرموقة لدى المزارعين والتجار وهذا اهلهم ليكونوا محل اعتبار وحل المنازعات والمشاكل التي تنشأ بين التجار والمزارعين والحرفيين الامر الذى ادى لبروز اسر تجارية مرموقة توارثت العمل التجاري لقرون طويلة.

وهو سبب انتشار تجار ثلا في كل أسواق اليمن.

واعتبارهم عمد الاسواق.

مررنا بالتقاسم الذي يصل بين محافظة المحويت وعمران وصنعاء والذي تنتهي اليه حدود مديرية ثلا.

وعبرنا مديرية شبام وشاهدنا متنزهات كوكبان والامتداد الكبير لجبل كوكبان وتذكرنا كلمات حسين شرف الدين التي تغنى بها فنان الملوك ومطرب الشعب محمد حمود الحارثي ينبوع السلا والبهجة في الطرب اليمني.

التي مطلعها

سلام ياساكن القلب الطروب

 ياذي تمكّن ونقَّش في الصميم

سلام ماجمَّعت فيك الطيوب

 شذاك روضه نديّه كالنسيم

سلام يامن تخلّى عن عيوب

 إلاَّ العيون تصرع اللب السليم

سلام والبيض تسجع لك سنوب

 تتذكر اللول في جيد الوسيم

من ذوَّب اللول وصاغك في الغيوب

 كأنَّك مَلَك قال من معدن كريم

من شاهدك قدّس الباري وجوب

 وسبَّح الله على الصنع الحكيم

يافتنة القلب إن شي لك رغوب

 تسمح بوصلك كزوره للنديم

نطالع الحسن وندَّارس غيوب

 واغنم هوى الوصل في صنعا النعيم

صنعا التي جوَّها يسبي القلوب

 لهو المسافر وما يهوى المقيم

واسمعني الحان صابون القلوب

 تجاوب القرط فيها والبريم

يامقلة الحسن في إب الغروب

 أو حقل الأهجر وفي وادي النعيم

….

 ثم توجهنا للاهجر فشاهدنا الابراج التي تحرس بوابة الاهجر ونزلنا سفح الاهجر الذي يشبه حجر الام وهي تحتضن وليدها والخضرة والأشجار الوارفة في كل مكان فنزلنا للأسفل ثم صعدنا للأعلى وقال الدكتور نبيل ان الروايات تقول ان غيول الاهجر بعدد أيام السنة.

ثم عبرنا باتجاه الطويلة والتي وصلناها ليلا فكانت الجبال العالية أشبه بإبطال الملاحم الأسطورية الذين تغرز قدامهم بباطن الأرض وتناطح هاماتهم عنان السماء.

ولو تم البحث والتقصي في الموروث الشعبي والحكايات الشعبية المتعلقة بجبال الطويلة لوجد إسرار عميقة مرتبطة بعلاقة الإسلاف بالأوتاد وعلاقتها بالأرض وقربها من السماء.

وتوجهنا الى سهل الرجم وشاهدنا انبساط السهل وامتداده من الشمال للجنوب.

وتوجهنا شمالا ثم غربا لنتجه الى زهرة المدن اليمنية مدينة المحويت.

وسكنا بفندق لؤلؤة المحويت.

ثاني اهم فندق في المدينة ونمنا ليلتنا فيه وارتفاعه حوالي ثلاثة طابق وغرفه صغيرة ونطافة غرفه هي السمة البارزة وتعرفت في اليوم التالي على فندق المحويت وهو الفندق الاول في المدينة ولاحظت صغر حجم الفندق من الخارج ولكن من خلال النظرة الفاحصة يتبين انه مميز واقتصار المدينة علي هاذين الفندقين رغم انها كانت ولازالت قبلة السياحة الداخلية والسياح الأجانب في الماضي يكشف انه لازال يوجد في المدينة عدد من المقاهي الشعبية التي لا يستطيع أن يصل إليها الوافد حديثا وإنما يحتاج إلى وقت.

ومناخ وطقس مدينة المحويت اقرب الى طقس مدينة حجة والاختلاف في التضاريس حيث تقع مدينة المحويت على سفح جبل المحويت الذي يمتد من الجنوب للشمال وينحدر تدريجيا من الشرق للغرب.

وتم بناء المدينة القديمة على حزام الصخور التي تقف بارزة على منحدر الجبل  ثم جاء التوسع العمراني ليتم البناء على الأحزمة الصخرية ليمتد العمران. للأسفل ومن الجنوب للشمال حسب تضاريس الجبل.

ويقبع بالأعلى كثكنة عسكرية مبنى المواصلات ويقع المجمع الحكومي في جهة الشمال ومنه اتجهنا لمنطقة الريادي وهي الريدة المطلة على نهاية الجبل حيث وجدنا مبنى كبير بجواره منتزه بكراسي حجرية ومسيج بسياج حديدي وأعمدة مبنية بالأحجار وذلك لتوفير السلامة والفرجة الآمنة للزوار.

ومن المشاهدة الأولية يتضح وكأنه تم تصميم المبنى ليكون الطابق الأول سوق تجاري والطابق الثاني والثالث استراحات.

وفي الأعلى تم تشييد عدد من الاستراحات الصغيرة

وعلمت أن من قام بذلك البناء الذي لم يكتمل والمنتزه والاستراحات هو مكتب التحسين فتمنيت أن يكون لدينا في مدينة حجة ذات همة وطموح صندوق التحسين في المحويت في استثمار المتنزهات.

 بينما مدينة حجة تم تشييد مباني تجمعاتها السكانية على رؤس الجبال والتباب المنتصبة مثل قلعة القاهرة ونعمان والقلعة وتم تشييد الجراف على سفح جبل الجراف وكذلك الظهرين تم تشييدها على التباب وسفح جبل الظهرين.

وتضاريس مدينة حجة تمكنها من التوسع من كل الاتجاهات بينما المحويت حددت تضاريسها وشكل توسعها من الجنوب للشمال بامتداد تضاريس جبل المحويت نزولا للأسفل باتجاه الغرب.

لاحظت اهتمام واضح في الحفاظ على البيوت القديمة بالمحويت وترميمها مع المحافظة على نمطها وخصوصيتها وتم تشييد المباني الحديثة بذات النمط العمراني للمدينة مع الاهتمام بإضافة المنظرة لأعلى المباني وبروز المنظرة والتفنن فيها بشكل ملفت للنظر في مدينة المحويت والرجم يظهر مدى تأثر الأولى بالاخيرة. وتأثر الأخيرة بالعاصمة صنعاء وهذا يظهر مدى تأثير الطبقة الناشئة بالرجم على مدينة المحويت وربما بسبب علاقة هذه الفئة بصنعاء ساهم في انتشار ذلك.

شاهدت على امتداد الطريق من المحويت للرجم المزارعين في الحقول وظهور الثمرة والعمل بتشريف الزوائد مما ظهر منها حسب إيضاح الدكتور نبيل الخبير بشئون الزراعة.

انتقلنا الى الرجم واستمتعنا بخضرة السهل المنبسط وسائني التوسع في العمران في الأراضي الزراعية الخصبة وتذكرت المحافظ عبدالعزيز البرطي الذي ظل طوال مدة عمله محافظا في حجة يمنع البناء في منطقة الغرابي الزراعية واجزم انه منع البناء ايضا في السهل الزراعي الخصيب بمديرية الرجم.

رغم انه لازال هناك تباب ومرتفعات بعيدة عن السهل صالحة للبناء.

مررنا بعقد حجري قديم يسمى عقد معكر نسبة الى ااوادي ومحل معكر الذي يقع للجنوب من العقد التابع لعزلة الذلواني مديرية الطويلة

ويعتبر الجسر أية عمرانية فريدة ونادرة وهو مخصص للمشاة والحيوانات وعرضه يتجاوز اكثر من 2 متر وطوله أكثر من 6 متر وارتفاعه حوالي 5 متر تقريبا

التقطنا بجواره عدد من الصور للذكرى،  وقد أعجبت أيما إعجاب بطريق المحويت وقنوات تصريف مياه السيول الواسعة والتي ساهمت إلى حد كبير في تصريف المياه والمحافظة على الطريق.

ويعتبر طريق المحويت تحفة هندسية بديعة

 و نموذج هندسي مميز يمكن تعميمه على الطرق الجبلية في العديد من المحافظات لضمان طرقات آمنة تدوم لأطول فترة زمنية.

توجهنا إلى الطويلة معقل الشموخ والأساطير ولم نتمكن بسبب الزحام من التقاط صور كافية للذكرى.

وتوجهنا منها باتجاه المدرجات الخضراء لدرع التي يغطيعها الشعير وشاهدنا حالة التقابل العجيب بين الطويلة ومسور وعلق الدكتور نبيل أن هذا التقابل العجيب لو كان في الصين لبنت جسرا بين مسور والجاهلي والطويلة يجعل المسافر ينتقل بينهما في مدة قصيرة.

عدنا من الطريق الشمالية لهذا لم نمر بالاهجر واختصرنا مسافة ووقت كبير وأول ماوصلنا طريق مسور قمنا بالمقارنة بين طريق المحويت ومسور ولم نجد أي وجه ممكن للمقارنة فحجم السواقي وقنوات تصريف مياه السيول صغير جدا وفي بعض المناطق لم يكلف نفسه المقاول حتى عمل قناة صغيرة لتصريف المياه.

ـ وصلنا إلى سوق بيت عذاقة فردد الدكتور نبيل زامل قبلي لتسليم حيد مسور من قبل نهم لحاشد

ورد الجحدري بلسان أبناء مسور عليه.

وتذكرت معلومة لا ادري مامصدرها أن الجمهورية استعانت بقبائل ال عواض العواضي لدخول مسور بعد ان استعصى على حاشد ولكن الزامل الذي ردده الدكتور نبيل يشير الى ان من دخلوا مسور هم قبائل نهم وليس قبائل ال عواض من البيضاء وسواء صح هذا أو ذاك أو كلاهما فإن التضاريس الجبلية المشابهة للبيضاء و نهم مع تضاريس مسور يوضح أهمية التضاريس واستحالة تسليم وخضوع الجبال المنيفة للقيعان والسهول .

تمنيت زيارة ضرع السماء وسفح جبل مسور المنتاب أكرم جبال اليمن واجزلها جودا وعطاء واللقاء بأخر الاقيال العظام العلامة الفهامة في العرف والسلف والتاريخ الشيخ محمد حزام الفقية رحمة الله تغشاه.

ولقاء ابنائه ومشاهدة السلسة الجبلية من سفح مسور المنتاب هذا الطائر الأسطوري الذي يحتضن بجناحيه محافظة حجة.

ومصدر خصوبة وشهرة اخصب وديان زراعة البن بمحافظة حجة.

وتمنيت لو يتم إعادة ترتيب وتنظيم سوق بيت عذاقة لتحسين جودة البن والاستعانة بالخبرات التجارية لأبناء مديرية ثلا لتحسين جودة البن وتصديره واستعادة أمجاد الأسلاف في زراعة البن وتحسين جودته وتصديره.

ـ كانت الرحلة الى مدينة المحويت من أجمل وافضل الرحلات التي قمت بها وأتمنى ان تتكرر لاتمكن من فهم وأدراك الوشائج والصلات القوية التي تربط بين محافظتي حجة والمحويت .

ـ وافر شكري وتقديري لرفيق وقائد الرحلة ومرشدها الدكتور نبيل عبدالله القدمي الذي تحولت الرحلة بفضله الى نزهة في حقول التاريخ ومروج الجغرافيا وبساتين الثقافة والأدب الشعبي.

   22مايو 2024م

اقرأ أيضا:رحلة إلى هجرة السنتين ” السنيني” بمديرية مبين محافظة حجة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى