تحليق

تحليق
د: عائشة عبدالله المزيجي
الأربعاء 31 ديسمبر 2025-
أعلى جبل قرية كركر بيت دافئ بطواف الحاج عامر على بناته الأربع، ريحانة، شذا، زهره، وردة، في أسمارهن تخترق حواراتهن الساخنة سمعه الواهن مع كبر سنه، يضيق صدره بنيران ترشها ألسنتهن، تدخل كل دار، تتركها ومن فيها رمادا، نيران تلفح روحه، تنال من سيرته الناصعة في أسلوب تربيته، يستدعي – مضطرا – ما اختزن عمره من أنوار الحكمة.
ذات نهار، أقبل عليهن، ترسم تعرجات وجهه اختمار تجارب الحياة، بدا يحمل بين يديه عرضا مغريا، ميتة ثور حديث العهد موته، سقط من أعلى مراعي قرية كركر.
بين يديه ميتة نيئة، طازجة السلخ، تأكل منه بناته نصف شبعة، ولهن قبل الإرث نصف ما يكنز من الذهب والفضة، تؤمن كل واحدة مستقبلها وأولادها إن كتب لهن الزواج.
خروج أصغرهن من المجلس هو قرار رفض جازم لعرض أبيها، بينما تجحظ أعين البقية، صراع بين ما عرض عليهن، وبين تقيؤ أنفسهن عند رؤية تجلط الدم في قطع الميتة، تراود كل واحدة نفسها بالرجوع أو التقدم، وقد اصفرت بشرتها، أغمضت عينيها، اقتربت من الوليمة، ارتجفت أسنانها، احتكت مرغمة بأطراف ميتة، تفرض رائحتها الإغماء، يتعرقن، تغرق وجوههن بالدموع، مع تكرار المحاولة، يصرح انهيار اجسادهن بفشل المحاولة، تتلقفهن أجنحة المستشفى ومركز العناية أياما!
استرداد عافية أجسادهن ونفسيتهن حدث بطيء، تثبت فيه عبرة رسمتها خطا حكمة الحاج عامر، رحمات منه مبطنة بالقسوة. يستقبل بعدها رجوعهن أجسادا ناحلة غابت بين أثوابهن، ومسحة ذهول تغلف وجوههن.
حكمة أب ذقن بها ويلات جيفة ميتة، هزة جسدية ونفسية مقصودة، استرجعن استدعين بها مساءات، اجتهدن في ادخار أسوأ عاقبة لهن، أوقات من السمر تخللت أسنانهن فيها بدماء، لا تقاوم جيفتها، يمضغن لحوم عشرات النساء القريبات والبعيدات، ينسجن حكايا غيبة باتت تساليهن، لبانا يرطبن بها ألسنتهن، أنغاما يرقصن بها على بسط حياة وسيرة كل غافلة، يملأن أوقاتهن باختراع تفاصيل معدومة، وإتمام بدايات يجهلنها، يسلخن أجساد كل بريئة، يقصفن أخلاق كل صغيرة وكبيرة، يكشفن عورات سترها الله، يلصقن – افتراء – أفعالا، وأقوالا لألسنة غائبة ونوايا بيضاء.
اقرأ أيضا للكاتبة: من رحم الفاكهة
الصورة رمزية لقرية يمنية





