أخبار عربي ودولياخبار محلية

تمدد مليشيات الانتقالي: اختبار بكين الحقيقي للتقارب السعودي–الإيراني

تمدد مليشيات الانتقالي: اختبار بكين الحقيقي للتقارب السعودي–الإيراني

الثلاثاء 9 ديسمبر 2025-

  لم يكن الاجتماع الثالث والذي عقد اليوم بطهران، للجنة الثلاثية السعودية–الإيرانية–الصينية مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر. لقد بدا وكأنه لحظة مفصلية في مسار اتفاق بكين، حيث اجتمع ممثلو الدول الثلاث لمناقشة ملفات تتجاوز إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، لتدخل مباشرة في قلب الأزمة اليمنية. هذا الاجتماع، بما حمله من رسائل، يضع اليمن ــ وتحديدًا حضرموت والمهرة ــ في موقع الاختبار الأكبر لجدية التقارب السعودي–الإيراني، ويكشف حدود النفوذ الإماراتي في الجنوب.

بكين: الضامن الذي يفضّل الاستقرار على الشعارات

الصين، التي رعت اتفاق بكين، لا تنظر إلى اليمن من زاوية إنسانية أو سياسية، بل من منظور استراتيجي أوسع: استقرار الممرات البحرية كاستراتيجية مهمة بالنسبة لها إلى جانب حماية الاستثمارات، وضمان بيئة آمنة لمبادرة “الحزام والطريق”. لذلك فهي تضغط باتجاه تسوية سياسية شاملة، وتلعب دور الضامن الذي يفضل الاستقرار الهيكلي على الخطابات المتناقضة. بكين تدرك أن أي انفجار جديد في اليمن سيهدد مصالحها التجارية في بحر العرب وخليج عدن، وباب المندب وهو ما يجعلها حريصة على أن يظل الاتفاق السعودي–الإيراني إطارًا جامعًا لا يتصدع أمام تناقضات الحلفاء الخليجيين.

إيران: إدخال اليمن في معادلة التفاوض

إيران، من جانبها، لا تفصل بين ملف العلاقات مع السعودية وملف اليمن. فهي ترى أن أي تقارب مع الرياض يجب أن يمر عبر تسوية تحفظ مصالحها وتحالفها مع صنعاء. إدخال الملف اليمني في معادلة التفاوض ليس مجرد ورقة ضغط، بل محاولة لتكريس دورها كطرف لا يمكن تجاوزه في أي حل سياسي. بهذا المعنى، فإن حضور إيران في اللجنة الثلاثية يعكس رغبتها في أن تكون جزءًا من صياغة مستقبل اليمن للحفاظ على التحالف الوثيق مع محور المقاومة، لا مجرد متفرج على تفاهمات سعودية–صينية.

السعودية: بين صورة الراعي ومعضلة الانتقالي

السعودية، التي تبحث عن تسوية تحفظ صورتها كراعٍ للحلول، تواجه معضلة مزدوجة: من جهة، تريد أن تظهر نفسها كوسيط لا كقائد للعدوان، كما تطالب صنعاء. ومن جهة أخرى، تجد نفسها أمام تمدد المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي في حضرموت والمهرة، وهو تمدد يهدد بتفتيت اليمن ويضع الرياض أمام خيارين أحلاهما مر: إما القبول بنفوذ إماراتي مستقل يعيد تعريف التحالف الخليجي، أو بناء توازن يمنحها أوراق تفاوضية مع صنعاء وطهران.

حضرموت والمهرة: الميدان الذي يكشف الحقيقة

حضرموت والمهرة ليستا مجرد هامش جغرافي؛ بل نصف مساحة اليمن تقريبًا، وفيهما النفط والموانئ والحدود والممرات البحرية، والسيطرة عليهما تعني امتلاك مفاتيح التأثير في أي تسوية سياسية. تمدد الانتقالي هناك يضع السعودية أمام مفترق طرق: إما أن تقبل بواقع جديد تصوغه أبوظبي، أو أن تتحرك لفرض توازن يمنحها قدرة تفاوضية أكبر.

 هذه الساحة تكشف ما إذا كان التحالف الخليجي قادرًا على إدارة اختلاف المصالح دون تفجير الشراكة، وما إذا كانت الرياض قادرة على تحويل خطابها السياسي إلى أدوات عملية.

أدوات الضغط السعودية

رغم تردد الرياض في مواجهة مباشرة مع أبوظبي، إلا أن لديها أدوات ضغط متعددة:

غطاء دولي يرفض الإجراءات الأحادية للانتقالي.

الربط المالي–الاقتصادي للدعم بامتثال الأطراف لخطوط التسوية.

مسارات الوساطة الدولية مع واشنطن ولندن والأمم المتحدة لإنتاج التزامات معلنة.

خطاب إعلامي يُظهر الانتقالي كطرف يعرقل التسوية ويهدد وحدة الدولة، دون قطع الجسور نهائيًا.

هذه الأدوات، إذا ما فُعّلت بشكل متدرج، يمكن أن تقيّد حركة، لكنها تبقى جزئية ما لم تُدعَم بقدرة ميدانية واضحة.

السيناريو المتوقع

من المرجح أن تلجأ الرياض إلى ضغط سياسي–اقتصادي متصاعد على الانتقالي، عبر أدوات مالية ودبلوماسية وغطاء دولي، دون مواجهة مباشرة، مع إبقاء باب الوساطات مفتوحًا. هذا المسار قد يكون فعّالًا جزئيًا لكنه لا يغيّر قواعد القوة إذا لم يُدعَم ميدانيًا. وفي المقابل، قد تعمل الرياض على التقارب مع صنعاء، وهو ما يجعل اجتماع طهران رسالة ضمنية إلى أبوظبي بأن الرياض تمضي في تسوية مع صنعاء حتى لو تعارض ذلك مع مشروع الإمارات في الجنوب.

 ختاما.. الاجتماع الثلاثي في طهران ليس مجرد لقاء دبلوماسي؛ بل اختبار حقيقي لصلابة اتفاق بكين أمام تعقيدات اليمن. حضرموت والمهرة، بما تحمله من ثقل جغرافي واقتصادي، أصبحتا ساحة تكشف حدود التحالفات الخليجية، وتضع الرياض أمام معادلة صعبة: إما أن تتحول إلى راعي فعلي للتسوية مع تحمل تباعات عدوانها على اليمن، أو أن تبقى أسيرة نفوذ إماراتي يعيد رسم الجغرافيا السياسية للجنوب. في كل الأحوال، اليمن لم يعد مجرد ملف جانبي، بل أصبح الميدان الذي يحدد مستقبل التقارب السعودي–الإيراني، ويكشف ما إذا كانت الصين قادرة على تحويل اتفاق بكين إلى رافعة استقرار إقليمي حقيقي.

اقرأ أيضا:لماذا تلعب الإمارات دورًا تخريبيًا في المنطقة العربية؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى