النار تحت الرماد.. انفجار وشيك في الضفة الغربية

النار تحت الرماد.. انفجار وشيك في الضفة الغربية
السبت 27 ديسمبر 2025- صوت الشورى- تقرير خاص
الأرض تهتز تحت الأقدام في قرى الضفة الغربية، ليس بفعل الزلازل، بل بفعل جرافات تستعد منذ الفجر لاقتلاع صخور وأشجار عمرها مئات السنين، ولرصف طرق جديدة تحمل أسماء عبرية. الهواء ثقيل برائحة الغبار والغضب المكبوت. في بيوت من الحجر، تجلس عائلات تسمع وقع أقدام الجنود في الشوارع الضيقة، وهم يحملون أوامر عسكرية بخطوط عبرية وحجج أمنية، لتسليم الغرف التي ولد فيها أجدادهم، وإخلاء ساحات لعبت فيها طفولتهم. العملية بطيئة ومنهجية: توسيع مستوطنة هنا، مصادرة أرض زراعية هناك، إغلاق طريق رعي حيوي، ثم اقتحام بيت بين الحين والآخر في منتصف الليل لإخافة السكان وإجبارهم على الفرار. كل هذا يحدث تحت سمع وبصر العالم، الذي يبدو منشغلاً بأزماته الأخرى، أو ربما قد اعتاد المشهد حتى لم يعد يرى فيه أكثر من “توترات محلية”.
ثم يأتي يوم مثل يوم عملية “قباطية”، حيث ينفجر الصمت بدهس يصدم الإعلام الصهيوني. يصفونه “بعملية إرهابية”، بينما يرى كثيرون في الشارع الفلسطيني أنها شرارة من بحر من اليأس، رد فعل فردي على منظومة قمع منهجي لا يجد لها صوتًا في المحافل الدولية. العملية الفردية تلك تصبح ناقوس خطر: إنها إشارة على أن الاحتمال الذي يتحدث عنه الجميع بصوت خافت أصبح أكثر واقعية: انفجار واسع النطاق.
المشهد لا ينفصل عن ذكرى الدمار في غزة. هناك، كما يعتقد مراقبون، حاولت آلة الحرب فرض واقع جديد عبر الرعب، هدفه طرد السكان أو إخضاعهم. وبعد أن ظهر أن تحقيق ذلك في غزة أكثر تعقيدًا مما تخيلت الأطراف المتشددة، تحولت الأنظار نحو الضفة الغربية بتركيز أشد. الخطة، كما يبدو من توسع الاستيطان وتسارع وتيرة المصادرات وتهويد الأحياء في القدس المحتلة، هي خلق واقع جغرافي وديموغرافي لا رجعة عنه: جيوب فلسطينية معزولة وسط بحر استيطاني متصل، بحيث يصبح البقاء صعبًا والخيار الوحيد للمقاوم هو الرحيل، وهو الهدف القديم الجديد.
لكن سكان هذه الجيوب ليسوا أرقامًا على خرائط. ذاكرتهم منقوشة في حجارة بيوتهم، وصبرهم الذي اعتبروه فضيلة بدأ ينفد. الصمت المطبق من المجتمع الدولي، الذي يكتفي أحيانًا ببيانات “قلقة” أو “تدين” من جهة دون أخرى، يضيف وقودًا لشعورهم بالتخلي. إنه صمت يفسر في الشارع على أنه إذنٌ ضمني للقوة الصهيونية بالمضي قدمًا.
الضفة الغربية اليوم هي برميل بارود، والشرارة قد تأتي من أي مكان: من منزل مهدم في الخليل، أو من شاب فقد أرضه في الأغوار، أو من حاجز عسكري يمنع طفلًا من الوصول لمدرسته. الانفجار ليس حتميًا، لكن رياحه بدأت تهب. والسؤال الذي يلوح في الأفق ليس “هل” ستنفجر الجبهة، بل “متى” وكيف سيكون شكل الانفجار، وما الذي ستبدو عليه المنطقة بعد أن تهدأ نيرانه. العالم ينظر، والصمت الدولي يغطي على صوت تصدع الأرض تحت أقدام من يريدون البقاء في أرضهم.
اقرأ أيضا: بوتين يدعو إلى تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب

