اخبار محليةكتابات فكرية

ملامح الصفقة بين بيت حانون وجنين والقصف اليمني

ملامح الصفقة بين بيت حانون وجنين والقصف اليمني

الاربعاء15ييناير2025

بعيداً من شعارات النصر والهزيمة، هل يمكن للإسرائيلي أن يتجاوز تبعات عبور السابع من أكتوبر وآثار دم الطفولة والبراءة على يديه المتوحشتين؟

 ستة كيلومترات تفصل بيت حانون عن مستوطنة “سديروت”، وهي المسافة ذاتها بين جنين ومستوطنة العفولة، ولكنه الهدير اليمني يأتي من بعيد، يطوي المسافات ليغرق “تل أبيب” بالخوف وينزع النوم من عيون أربعة ملايين إسرائيلي منذ أسابيع متصلة، فيما تلوح تباشير صفقة الحرب والأسرى في غزة أو تكاد، لتلتقط بعض ما تبقى من الأنفاس، فيتسنى لها بعض وقت لتبكي خمسين ألفاً من الشهداء، ولكنها بيت حانون أول الهجوم وآخر الصمود.

بيت حانون تلخص قصة الطوفان في أول الغيث، كما هي مقبرة المعتدين، وهي في منطق الجغرافيا خاصرة غزة الرخوة، حتى احتسبها “الجيش” الذي قيل إنه لا يقهر منطقة عازلة حد الموات، لذا أراد أن يختتم فيها بطولاته وتحقيق أهداف حربه، فإذا بها تبعث اليأس في مفاصل خطة الجنرالات التي أرادت سحق شمال غزة وتهجير أهلها هرباً من الموت الإسرائيلي.

جرائم الحرب تكاد تضع أوزارها بقبضات رجال القسام والسرايا وصبر الناس الهائمين على الوجوه، هناك بين أطلال البيوت المدمرة في بيت حانون، وليس بعيداً من هناك تمر سحب دخان الصواريخ اليمنية صوب أهدافها إسناداً لغزة وجنين، ودفاعاً عن شعب اليمن الذي تقصف بنيته التحتية طائرات الكيان والغرب، ولكن الموقف سلاح في أدبيات جبال صعدة، وحلقات الوفاء القرآني على مائدة الحوثي وتلاميذ الإمام زيد بن علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب.

ملامح صفقة الخضوع الإسرائيلي، تبث بدايات فرح في كل الطيف الفلسطيني، طيف مظلومية مخيم جنين المزنر بالحصار والغارات وسيل الشهداء، وطيف لبنان المساند بدم سماحة السيد ورجال جبل عامل وأربعة آلاف شهيد على طريق القدس، هو طيف القبضات التي ضربت من العراق وإيران، وكل حنجرة هتفت ضد الإبادة في غزة من فنزويلا وكولومبيا حتى ساحة السبعين وملايين لم تغادر الميدان رغم التهديدات وجحيم الغارات.

كيف تتشكل نفسية الفلسطيني وخاصة ذلك المظلوم الغزاوي على أعتاب وقف الحرب ولو إلى حين؟ وأين تصل آثار الطوفان بعد كل هذا العذاب الكربلائي البارد؟ وهل يمكن استعادة الحياة على أطلال غزة الذبيحة من الوريد إلى الوريد؟

 وبعيداً من شعارات النصر والهزيمة، هل يمكن للإسرائيلي أن يتجاوز تبعات عبور السابع من أكتوبر وآثار دم الطفولة والبراءة على يديه المتوحشتين؟

ملامح الصفقة كما هي ملامح نفسية تتشكل لآلاف الأسرى الفلسطينيين وعوائلهم وجمهور محبيهم، بعد أربعة عشر شهراً وزيادة من التنكيل والتعذيب، على يد زبانية بن غفير المنتشي طرباً على أوجاعهم في معسكر سدي تيمان وكتسيعوت وجلبوع، ولكنه على أعتاب تنفيذ الصفقة يجد نفسه خارج السياق، أو لعل صديقه في التوحش سموتريتش يقنعه بالثبات خلف نتنياهو طمعاً بالجائزة هنا في الضفة، حيث ما زالت جنين في عز صمودها في مواجهة الفتنة والغارة، وحيث تضرب الاستيطان في مستنقعه الآسن هناك في قدوميم وحومش وحرميش.

ليس الطوفان آخر حروب الفلسطيني، سواء هدأت أمواجه أم ظلت تقذف هديرها، سواء مضى نتنياهو مع الصفقة أم تراجع وتلكأ، أو سقط على حياض مرحلتها الأولى أو الثانية، فالتراجيديا الفلسطينية في فصلها الراهن مع أطلال غزة الشاهدة الشهيدة، تبث نزيفها في كل أحوالها وهي تجترح فصلاً جديداً من فصول مظلوميتها تحت الاحتلال والحصار والقهر والخذلان.

ليست هذه الصفقة أول صرخة حرية ولا هي آخر عجينة للدم مع الطين والدمع، مضت الصفقة في مراحلها أم انفرط عقدها أو أخذت تتلوى، هي محطات اللجوء والأسر والجوع ذاتها ليس فيها نصر أو هزيمة، فالشهيد ارتحل والبيت تلاشى وسط الحريق، وزيتونة الأجداد أحالها المقاوم عقدة كمين هناك في بيت حانون وهنا في جنين، وصفارات الإنذار الإسرائيلية مع القصف اليمني توقظ فجر الفلسطيني لتوقد في ذاكرته حنيناً لأصل العروبة وحروف الحكمة وحقيقة الإيمان، هناك في صنعاء والحديدة وقرية تسكن فوق الغيم تطل على حطام الواقع العربي من الخليج إلى السويس.

جاءت معركة بيت حانون المتجددة على ضفاف صفقة وقف الحرب، أو استدامة وقف النار وتبادل الأسرى، لتمضي بالمنطقة كلها نحو نسيج نفسي فكري شعوري جديد، ليس ثمة شيء يمكن أن يبقى على حاله بعد الطوفان أو في محطة تشكله الجديدة، فالنفسية العربية كما النفسية الإسرائيلية عالم جديد يتشكل، ولكنها السياسة ومؤامرات الساسة تبذل وسعها لضبط إيقاع هذا التشكّل، ليظل وفق سياقات المشاريع الإجرامية الكبرى للغرب، ولهذا الغرب تجاربه الطويلة في حروب كبيرة أكلت أخضر أوروبا ويابسها، ليحصد الأميركي ثمارها، وهنا يندفع الأميركي بل يتفرغ لغزة والمنطقة كأنه ليس لترامب وبايدن عمل في العالم سوى غزة؛ ذلك الشريط الرملي الضيق بمساحته الصغيرة التي تضيع في أدنى بقعة من حرائق كاليفورنيا ولوس أنجلوس، ولكنه صمود غزة وكمائن بيت حانون من يصنع الفرق، وهو وحده من يسكب بذرة الحياة في نفوس اكتوت بالموت ألف مرة ومرات.

يخرج الفلسطيني من حرب، هذا إن خرج، ليسكن في حروب فهو في رباط إلى يوم القيامة، رباط الدين والدم والجهاد، يخرج من الأسر فوج ليعود فوج آخر، وتستمر الحياة محن تترى، فكيف لنفسية ما بين الحروب والسجون أن تكون؟

المصدر الميادين

اقرأ أيضا:مشروع قناة بن غـوريون ما بعد طـوفان الأقـصى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى