ماذا تريد الولايات المتحدة من حضرموت؟
ماذا تريد الولايات المتحدة من حضرموت؟
الأحد18ديسمبر2022 للمرة الثالثة خلال ستة شهور التقى السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاغن محافظ محافظة حضرموت (شرق) واللقاء الثالث كان الأربعاء الماضي، وتم الإعلان عنه فقط في صفحة السفارة الأمريكية في اليمن على «تويتر» الأربعاء، فيما لم تعلن عنه محافظة حضرموت أو وكالة الأنباء الحكومية «سبأ». منذ تعيينه سفيرا في اليمن في حزيران/يونيو، زار السفير حضرموت عدة مرات، الأولى كانت عقب تعيينه، والثانية في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر، وها هو بتاريخ 14 كانون الأول/ديسمبر يلتقي محافظ المحافظة. إلا أن المنشور لم يوضح أين تم اللقاء؟ هل كان في حضرموت ضمن زيارة قام بها السفير للمحافظة، أم أن المحافظ التقى السفير في عدن؟ وهذا التعتيم وعدم الإعلان عن التفاصيل يعزز من أهمية السؤال: في أي سياق نفهم اهتمام السفير الأمريكي بمحافظة حضرموت؟ ولماذا لم يتم إعلان مكان اللقاء؟ لاسيما وأن الزيارات السابقة أثارت ردود فعل تساءل أصحابها نفس السؤال: في أي سياق نفهم اهتمام السفير الأمريكي بحضرموت؟ من غير المنطقي أن يتحرك سفير داخل البلد المضيف بكل هذه الحرية إلا في ظل ضعف كبير تعانيه الحكومة، ويستغل فيه السفير واقعًا متشظيًا يتصارع فيه عدد من المشاريع الصغيرة، الأمر الذي يجعله يزور محافظة ويلتقي محافظها بمعزل عن مسؤولين من الخارجية اليمنية، علاوة على تكرار الزيارة لمحافظة بعينها بما فيها زيارات ولقاءات غير معلنة. يعرف الأمريكيون بعناية ماذا يريدون، وكيف يستغلون واقع البلدان، وبالذات البلد الذي يشهد حالة تنازع مسلح، ما يجعلها حريصة على استمرار ضعف ذلك الواقع ما دام لن يضر بمصالحها، وفي ذات الوقت تحرص على استغلال ذلك الواقع بما يخدم مصالحها، وهو دأب أمريكا وشهدناه في عدة بلدان، وما زال واقع العراق شاهد عيان على سياستها. بلا شك أن الولايات المتحدة هي المتحكمة الأولى بملف اليمن وتليها بريطانيا ومن ثم يأتي الإقليم، بل إن مناقشات مجلس الشيوخ الأمريكي نهاية الأسبوع الماضي بشأن تدخلات أمريكا في حرب اليمن لم تستطع التوصل إلى قرار يقضي بوقف الدعم الأمريكي لهذه الحرب، بما في ذلك إيقاف تصدير السلاح للتحالف السعودي الإماراتي، فذلك القرار لو تم فهو سيلقي بمسؤولية الحرب على كاهل أمريكا، بل إن مصادر تحدثت عن تهديد تلقاه مجلس الشيوخ من البيت الأبيض باتخاذ الفيتو ضد قرار المجلس، ولهذا اضطر المجلس إلى تأجيل اتخاذ القرار إلى جلسة لاحقة، وهو ما لم تم حتى كتابة هذا التقرير. تدرك الولايات المتحدة الأهمية الاقتصادية القصوى لمحافظة حضرموت الغنية نفطيا، وبقدر ما يتوفر فيها من استقرار سياسي تنتعش في المحافظة نزعة ثقافية انفصالية مختلفة عن تلك النزعة التي تزدهر في محافظات عدن ولجج وأبين والضالع، إذ تطمح حضرموت في حال تم الانفصال بين شمال وجنوب اليمن أن يكون لها دولتها المستقلة؛ وهي الدولة التي تستند إلى إرث كانت ترعاه بريطانيا الاستعمارية في النصف الأول من القرن العشرين على هامش احتلالها لمدينة عدن. إذ كانت تتوفر في حضرموت سلطتان (القعيطية والكثيرية) وكان لكل منهما علمًا وحدودا تحت بيرق اتحاد محميات الجنوب العربي؛ وهي التسمية التي أطلقها الاستعمار البريطاني حينها، الذي اكتفى بإدارة مدينة عدن، ووضع حمايته على بقية مناطق الجنوب اليمني. يبدو أن الحزب الاشتراكي اليمني وقبله الجبهة القومية قد فشلا في تجاوز النزعات الثقافية الانفصالية في بعض مناطق الجنوب، على الرغم من أنه ألغى 23 سلطنة ومشيخة وإمارة ووحد الجنوب اليمني في دولة واحدة قامت عام 1967 باسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، وهي التي تغير اسمها لاحقًا إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. واستمر الحزب حاكمًا لبلد موحد الثقافة حتى تم إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990 وهي الوحدة التي ظلت قائمة حتى قبل الحرب الراهنة في عام 2015 فيما ما زالت حاليًا قائمة صوريًا، في ظل وجود نزعات انفصالية متعددة جنوبًا أبرزها مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحظى بدعم إماراتي كبير، بينما في الواقع توجد مشاريع جنوبية مختلفة بعضها ما زال مؤمنا بالوحدة القائمة، والبعض الآخر يتفق مع ما توصل إليه مؤتمر الحوار الوطني قبل الحرب (تقسيم اليمن إلى خمسة أقاليم) ومنهم من يؤمن بالعودة إلى ما قبل الوحدة لكن بمشروع انفصالي يرفض يمنيته في تعارض واضح مع ثقافة واقع متجذر وهوية قائمة عبر تاريخ ممتد، في الوقت الذي تظهر نزعات مناطقية صغيرة مدعومة من الخارج، كالنزعة التي ما زالت تظهر على استحياء في حضرموت بهدف تعزيز فكرة قيام دولة حضرمية مستقلة تشمل محافظتي حضرموت وشبوة، وهو مشروع تقول مصادر أنه يلقى دعمًا سعوديًا. بينما واقع الحال يقول إنه في حال تقسيم اليمن وتفتيته، فإن المتضرر الأول هو الإقليم. تدرك أمريكا جيدًا تفاصيل هذه النزعات، وتشتغل عليها في خطابات في ظاهرها تعلن فيها التزامها بوحدة واستقلال وأمن واستقرار اليمن، وفي الواقع تشتغل على مشاريع أخرى داخل الجنوب اليمني، وفي مقدمة هذه النزعات النزعة الحضرمية انطلاقًا من أهمية المكان استراتيجيا واقتصاديًا. تكرار هذه الزيارات واللقاءات يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ثمة مشروعا أمريكيا في حضرموت تريد من خلاله تعزيز حضورها هناك من خلال دعم السلطة المحلية، التي تلتقي بقيادتها، وكأنها سلطات مستقلة سياسيًا مخولة بمقابلة سفراء بدون حضور ممثلين عن الخارجية اليمنية. استهداف حكومة الإنقاذ بصنعاء لموانئ نفطية في حضرموت خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر بهدف إيقاف نهب النفط كما تقول صنعاء ،مثل عنوانا لهذه اللقاءات الأخيرة، ولا يستبعد أن الولايات المتحدة تعمل أيضًا من أجل الوصول إلى اتفاقية تتولى بموجبها حماية المنشآت النفطية هناك. لكن هذه الاتفاقية لا يوقعها المحافظ بل السلطة المركزية، ولابد من اعتماد الاتفاقية من البرلمان اليمني. لكن هناك قوات أمريكية موجودة في مطار الريان بجانب قوات إماراتية حوّلت المطار إلى قاعدة عسكرية، مما يجعل من توالي زيارات ولقاءات السفير الأمريكي بمحافظ حضرموت تأتي في سياق تعزيز الحضور بما يكفل للولايات المتحدة السبق في واقع تخطط له ليكون لها فيه حضورا في المستقبل.
ماذا تريد الولايات المتحدة من حضرموت؟ يبقى سؤالا كبيرًا وإجابته ما زالت تتشكل لكنها ليست بعيدة عن مشروع تقسيم اليمن.
*أحمد الأغبري مراسل القدس العربي بصنعاء