لماذا لا يتم تسليم الأحكام القضائية فور صدورها؟

لماذا لا يتم تسليم الأحكام القضائية فور صدورها؟
بقلم/ عبدالرحمن علي علي الزبيب
الجمعة20يونيو2025_
أكثر الظواهر السلبية في القضاء الذي يعاني منها المواطن هو التطويل في إجراءات التقاضي الذي يضعف ثقة المجتمع في القضاء ويجعل اللجوء إليه خيار صعب لا يلجأ إليه إلا من فقد أي خيارات أخرى للوصول إلى الحقوق المشروعة وحتى بعد اللجوء للقضاء،الجميع يشكو من التباطؤ والتطويل في إجراءات التقاضي ومن أهم أسباب تطويل إجراءات التقاضي واختلالاتها هو عدم تسليم الأحكام القضائية فور صدورها حيث يتم النطق بالحكم ثم تبدأ إجراءات أطراف القضية في متابعة تحرير و طباعة الحكم القضائي واستلامه والتي قد تمتد فترة المتابعة لأشهر و قد تصل إلى أكثر من سنة دون الحصول على الحكم القضائي الشامل لمحصل الحكم وحيثيات وأسباب الحكم ومنطوقه.
وبناء على ذلك تمتد أيضا فترة الطعن في الأحكام لأنه يتم احتسابها في معظم القضايا من تاريخ استلام الحكم وليس من تاريخ النطق به وتتعطل القضايا بعد صدور الحكم حتى استلامه فلاتستطيع تنفيذ الأحكام إلا بعد استلام الأطراف للحكم ولا تستطيع الطعن فيها إلا بعد استلام الحكم ماعدا القضايا الجنائية الذي تحتسب فترة الطعن من تاريخ النطق بالحكم إذا كان حاضر الأطراف جلسة النطق بالحكم وحتى في القضايا الجنائية فقط مطلوب قيد الطعن في الأحكام فيها خلال فترة الطعن وليس إعداد عريضة الطعن وتسليمها والتي يمتد فترة تسليم عريضة الطعن إلى ما بعد استلام الحكم الذي قد يمتد فترة استلام الحكم بعد النطق به لعدة أشهر أو ربما يمتد لأكثر من سنة والحكم مقيد الطعن فيه ومعطل الحكم بسبب عدم الحصول على الحكم فور النطق به وفي نفس جلسة النطق بالحكم وإشكاليات الشهادة السلبية في عدم استلام الحكم وإذا ما تم معالجة ذلك وتسليم الحكم في نفس جلسة النطق به سيسارع ذلك في الإجراءات في جميع القضايا مدني وجنائي وغيرها من القضايا.
وبما أن ثمرة الأحكام القضائية تنفيذها فكذلك لتنفيذ الأحكام القضائية يستلزم استلام تلك الأحكام للمطالبة بتنفيذها أو حتى الطعن فيها يستلزم استلامها لمعرفة محتواها ومحصلها وحيثيات وأسباب الحكم ومنطوقها ليتم بناء على ذلك المطالبة بتنفيذها أو الطعن فيها.
غالبا يكون أطراف القضية متواجدين عند صدور الحكم القضائي والنطق به ولكن ؟
عدم تسليم الحكم القضائي فور النطق به يثقل كاهل أطراف الخصومة بمتابعة المحكمة من قضاة وموظفين وكذلك يثقل كاهل القضاة وموظفي المحكمة في إشغالهم بملفات قضايا سبق وصدرت أحكام فيها ولكن لم يتم تسليمها وسنتناول هذا الموضوع في قسمين رئيسيين سنخصص القسم الأول منه لتوضيح آثار وإشكاليات عدم تسليم الحكم فور النطق به والقسم الثاني سنخصصه لمقترح آلية إيجابية لتسليم الحكم القضائي فور النطق به كالتالي :
القسم الأول : آثار وإشكاليات عدم تسليم الحكم فور النطق به
يتسبب تأخير تسليم الحكم القضائي عن جلسة النطق به في تباطؤ إجراءات التقاضي التالية للحكم سواء تنفيذ أو طعن أو غيرها ونوجزها في البنود التالية :
1-. ملاحقة القاضي أو الشعبة المصدرة للحكم :
غالبا يتم النطق بالحكم ثم بعد ذلك تبدأ الإجراءات لمتابعة تجهيز الحكم القضائي فبعض القضاة والشعب ينطقوا بالحكم قبل تحرير وتوقيع مسودة الحكم التي تتضمن حيثيات وأسباب الحكم والذي تعتبر أهم عناصر الحكم الذي استند لها منطوق الحكم و يستوجب أن لا يتم النطق بالحكم إلا ومسودة الحكم جاهزة ومحررة وموقعه من القاضي مصدر الحكم إذا كان قاضي فرد في محكمة ابتدائية وموقعه من ثلاثة قضاة إذا كان حكم صادر من شعبة استئنافية وفي الواقع أن بعض القضاة وبعض الشعب ينطقوا بالحكم قبل إعداد مسودة الحكم ويتم بعد النطق بالحكم إعداد المسودة وقد يتم تعديل المسودة عدة مرات لتتوافق وتبرر منطوق الحكم هذا التأخير في إعداد مسودة الحكم قد يعود سببه إلى ازدحام القضايا وتراكمها وقد يكون هناك أسباب أخرى وهذا يشكل ضغط كبير على القاضي والشعبة وانشغالهم بقضايا سبق وصدرت أحكامها .
لذلك فان تسليم الحكم القضائي للأطراف فور النطق به سيستوجب على القاضي او الشعب المصدرة للحكم استكمال إعداد مسودة الحكم قبل النطق بالحكم وتجهيز الحكم بشكل كامل وتسليم الحكم فور صدوره وفي نفس جلسة النطق بالحكم وهذا سيسارع ويختصر الإجراءات والفترة الزمنية لذلك ويختصر الكثير من الإشكاليات والاختلالات المترتبة على عدم تسليم الحكم فور النطق به.
2-. ملاحقة أمناء السر وموظفي المحكمة
لا يتوقف متابعة الحصول على الحكم القضائي للقضاة أو القاضي مصدر الحكم بل أيضا موظفي وأمناء السر المختصين بتحرير وطباعة الحكم القضائي والذي تتراكم لديهم الأحكام المطلوب تجهيز محصلها وإدراج حيثيات ومنطوق الحكم والذي قد تستمر المتابعة لعدة أشهر دون الحصول عليه وهذا البند مرتبط أيضا بالبند السابق فأمين السر يتابع القاضي أو الشعبة مصدرة الحكم للحصول على مسودة الحكم لتجهيز وطباعة الحكم والذي قد يتأخر إعداد المسودة إلى ما بعد النطق بالحكم بعدة أيام أو أشهر بسبب تراكم القضايا وارتفاع عددها لديهم .
لذلك فتسليم الحكم القضائي فور النطق به سيختصر الكثير من الإجراءات ويسارع فيها بشكل إيجابي ويخفف العبء على القاضي او الشعبة مصدرة الحكم حيث انه فور النطق بالحكم سيتم تسليم الحكم ويخفف ذلك العبء على القاضي او الشعبة مصدرة الحكم وكذلك على موظفي وأمناء السر ويغلق بوابة واسعة من الملاحقة والمتابعة والقلق بقضايا سبق إصدار الأحكام فيها ومازالت قيد التجهيز والطباعة ويؤثر هذا سلبا على المحكمة وعلى أطراف الخصومة القضائية وإشغالهم بقضايا تم حسمها والفصل فيها وإصدار أحكام فيها وفي نفس الوقت إذا تم معالجة ذلك وتسليم الحكم لأطراف الخصومة القضائية فور النطق به وفي نفس جلسة النطق سيطوي ذلك ملف القضية والحكم فيها ويفرغ القضاة وموظفي المحاكم للقضايا الجديدة المنظورة أما القضايا التي صدر فيها أحكام فتنتهي إجراءاتها فور النطق بالحكم فيها وتسليم الأطراف الحكم في نفس جلسة النطق به.
3- تأخير إجراءات إعلان الأطراف بالأحكام القضائية
بسبب عدم تسليم الحكم القضائي في نفس جلسة النطق به تتأخر كافة الإجراءات المترتبة على الحكم والذي يستوجب إعلان أطراف الخصومة به والذي تستمر فترة طويلة والذي يكون غالبا أطراف الخصومة القضائية حاضرين جلسة النطق بالحكم ولو تم تطبيق تسليم الحكم القضائي فور النطق به وفي نفس جلسة النطق به سيختصر إجراءات الإعلان بالحكم ومتابعة الأطراف به وحتى من لم يحضر جلسة النطق بالحكم سيتم إعلانه فور صدور الحكم وبإجراءات أسرع وأسهل .
القسم الثاني : الية تسليم الحكم القضائي فور النطق به
البعض يطرح صعوبة تجهيز و تسليم الحكم القضائي في نفس جلسة النطق به ولكن بمراجعة الإجراءات يتضح لنا إمكانية تحقيق ذلك وإعداد الحكم القضائي قبل جلسة النطق به وتسليمه في نفس جلسة النطق بالحكم إذا تم انجاز كل شيء أولاً بأول دون تأخير كالتالي :
1-. إعداد محصل الحكم القضائي من أول جلسة محاكمة
ليتم تسليم الحكم في جلسة النطق به يستوجب إعداد محصل الحكم من أول جلسة المحاكمة وعدم الانتظار والتأجيل إلى نهاية إجراءات القضية ويستلزم ذلك تمكين أطراف الخصومة القضائية من صورة محاضر الجلسات في نفس يوم الجلسة واثبات ما تم في الجلسة في محصل الحكم أولا بأول وأيضا إثبات عرائض الدعاوى والردود والدفوع وغيرها في محصل الحكم فور تسليمها.
2-. – إلزام أطراف الدعاوى بتسليم نسخة ورقية ونسخة الكترونية من الدعاوى والردود والدفوع وغيرها.
لتسريع إجراءات إعداد محصل الحكم القضائي وضمان تسليم الحكم كامل بمحصله وحيثياته ومنطوقه في نفس جلسة النطق بالحكم يستلزم إلزام أطراف الخصومة القضائية بتسليم نسخة الكترونية من جميع عرائض الدعاوى والردود والتعقيبات والدفوع والتقارير وغيرها وبصيغة قابلة للنسخ والنقل ( صيغة وورد ) ليتم فور تسليمها نسخها وضمها في محصل الحكم الكترونيا أولاً بأول دون تأجيل ذلك إلى نهاية إجراءات التقاضي وهذا يستلزم رفد المحاكم بأجهزة كمبيوتر وقارئ وناسخ للعرايض المقدمة في جلسات المحاكمة .
3-. استكمال تجهيز الحكم القضائي من محصل وحيثيات عقب الجلسة السابقة لجلسة النطق بالحكم
يستلزم تجميع محصل الحكم الذي تم بناؤه وإعداده منذ أول جلسات المحاكمة وتجميعه بشكل كامل في الجلسة السابقة لجلسة النطق بالحكم وتتضمن كل ما تم في الجلسات الماضية وما حوتها محاضر جلسات المحاكمة وتقارير النزول وغيرها من التقارير والمستلم نسخة الكترونية منها في صيغة قابلة للنسخ والنقل ويتم أيضا تضمين حيثيات وأسباب الحكم ويتبقى فقط إدراج منظوق الحكم
4-. استكمال تجهيز الحكم من محصل وحيثيات ومنطوق قبل يوم واحد على الأقل من جلسة النطق به
يستلزم تجهيز الحكم كامل مع منطوق الحكم قبل جلسة النطق بالحكم بيوم واحد على الأقل ويتم استخراجه وتوقيعه من القاضي او الشعبة مصدرة الحكم ويتم وختمه بختم المحكمة وقيده في سجلات الأحكام ليتم يوم جلسة النطق بالحكم تسليم الأطراف الحكم فور النطق به.
5- تسليم الحكم فور النطق به
عندما يكون الحكم جاهز حسب بنود الالية الموضحة أعلاه يأتي يوم جلسة النطق بالحكم ليتم مباشرة تسليم الأطراف صورة من الحكم ويكون جاهز نسخ بعدد أطراف القضية وتسليم كل طرف نسخة من الحكم فور النطق به وإذا لم يكن حاضر احد الأطراف جلسة النطق بالحكم يتم إحالة النسخة الخاصة به إلى مكتب الإعلانات بالمحكمة ليتم في نفس اليوم إعداد إعلان بالحكم لذلك الطر ف غير الحاضر وإلزام الحاضر الجلسة باستلام الإعلان واستلام نسخة من الحكم وإعلان الطرف الاخر بالحكم وتسليمه النسخة الخاصة به وفي نفس الوقت يتم التواصل عبر مكتب إعلانات المحكمة بجميع الأطراف في القضية الذي صدر فيها الحكم بإرسال رسالة نصيه إلى جولاتهم وإبلاغهم بصدور الحكم وإبلاغهم بالحضور لاستلام نسخه من الحكم .
6- تجهيز مكتب معلومات و إدخال إلى ( كمبيوترات ) مع موظفين مهمتهم محصورة في إدخال كافة مستجدات القضايا فور حصولها في قالب محصل الحكم في نفس يوم الجلسة ويتم منع افشاء أي معلومات عنها وترميز أسماء أطراف القضايا ولا تظهر إلا لمدير المحكمة ورئيس المحكمة فقط عند صدور وطبع وتوقيع الحكم قبل جلسة النطق بالحكم بيوم .
7- تنفيذ الآلية المذكورة أعلاه بشكل متدرج ابتداءً في محاكم محددة ويتم دراستها ودراسة المشاكل المعيقة لها والناتجة منها وتطويرها لتجاوزها وصولاً الى الوصول الى النموذج النهائي الذي يتم بعدها تعميمه وإنفاذه في جميع المحاكم وبما يضمن تسليم الحكم القضائي فور صدوره في جميع المحاكم دون تأخير ولا تباطؤ .
وخلال فترة التجربة يتم استكمال تجهيز البنية التحتية للمحاكم من كمبيوترات وأجهزة نسخ الكتروني وغيرها من التجهيزات والأنظمة والبرامج الخاصة بتنفيذ ذلك وموظفين وغيرها من الاحتياجات .
8- إعداد وتجهيز حماية الكترونية لمكاتب الإدخال وأجهزة الكمبيوتر لضمان عدم التعطيل أو الاختراق .
أهم محاذير استخدام التقنية والتطبيقات الالكترونية هو الاختراق لها والذي يستلزم اتخاذ إجراءات الحماية الالكترونية لها ومنع ربطها بالانترنت بحيث يكون الترابط بين أجهزة الكمبيوتر داخل كل محكمة ضمن شبكة مغلقة لضمان عدم الاختراق وان يتم إدخال أي بيانات أو وثائق عبر الموظفين المختصين وبعد فحصها والتأكد من خلوها من أي فيروسات أو برامج ضاره بالنظام ويتم تحديث الحماية بشكل مستمر لضمان العمل بها دون اختراق ولا تعطيل .
وفي الأخير :
نؤكد على أهمية إيلاء القضاء أولوية في الإمكانيات والاحتياجات لتفعيل دور القضاء في تحقيق عدالة ناجزة كون العدل أساس الحكم وأهمية استعادة ثقة المجتمع في القضاء والذي يضعف تلك الثقة التطويل في إجراءات التقاضي للوصول إلى الحقوق المشروعة و يستوجب الاهتمام بتسريع الإجراءات واختصارها لاستعادة ثقة المجتمع في القضاء بتحقيق العدالة الناجزة والاستفادة الإيجابية من التقنيات والتطبيقات الالكترونية في تسريع إجراءات التقاضي وأهم تلك الإجراءات التي أوضحناها في دراستنا الموجزة هذه المتمثلة في إعداد وتسليم الحكم القضائي لأطراف الخصومة القضائية فور النطق به وفي جلسة النطق به دون تأخير ولا تأجيل ولا تباطؤ لتسريع إجراءات التنفيذ له أو الطعن فيه وعدم التباطؤ بسبب عدم تسليم الحكم فور صدوره والذي سيعالج ذلك كثير من الاختلالات التي تسبب في تباطؤ الإجراءات وأهمية توفير حماية الكترونية لأجهزة وأنظمة الكمبيوتر في المحاكم واتخاذ إجراءات حماية مستمرة وتطوير وتحديث تلك الحماية بشكل مستمر لضمان عدم التعطيل ونؤكد بأن تسليم الأحكام القضائية فور صدورها يسارع الإجراءات ويعالج الاختلالات.
عبدالرحمن علي علي الزبيب
صحفي مستقل ومستشار قانوني
