لماذا تلعب الإمارات دورًا تخريبيًا في المنطقة العربية؟

لماذا تلعب الإمارات دورًا تخريبيًا في المنطقة العربية؟
لماذا تلعب الإمارات دورًا تخريبيًا في المنطقة العربية؟
- عبدالرحمن مطهر
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025-
منذ اندلاع ما عُرف بالربيع العربي مطلع عام 2011، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كلاعب إقليمي نشط يتجاوز حجمها الجغرافي والديمغرافي. هذا النشاط لم يكن محل ترحيب واسع، بل كثيرًا ما وُصف بأنه تخريبي، سواء في اليمن أو ليبيا أو السودان، حيث اتُهمت أبوظبي بدعم الانقسامات الداخلية ورعاية ميليشيات محلية والتدخل في مسارات سياسية معقدة. السؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا تقوم هذه الدولة الصغيرة بهذه الأدوار؟ ومن المستفيد منها؟ وهل يمكن القول إن إسرائيل، عبر شراكتها الجديدة مع أبوظبي، هي المستفيد الأكبر من إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية العربية؟
دور الإمارات في اليمن
في اليمن، دخلت الإمارات ضمن تحالف العدوان على الشعب اليمني بقيادة السعودية عام 2015 لدعم ما اسمته بـ “الشرعية” ضد من اسمتهم بـ “الحوثيين”، فقتلت ومعها السعودية عشرات الألاف من أبناء الشعب اليمني، ودمرت مقدراته وقامت حتى بقصف الألوية العسكرية التابعة لمن تسمى بالشرعية في منطقة العلم بعدن وفي غيرها من المناطق.
ولم تكتف بذلك بل سرعان ما غيّرت مسارها نحو هندسة تقزيم اليمن وتجزئته إلى كنتونات صغيرة ومتناحرة، عبر تأسيس ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي عام 2017. فسلّحت أعداد كبيرة من المرتزقة المحليين ودربتهم في بعض الدول الأفريقية كأرتيريا وغيرها، وأقامت قواعد عسكرية في عدن والمكلا، وسيطرت على جزيرة سقطرى، لتضمن وجود كيان جنوبي موالٍ لها بعيدًا عن تعقيدات الوحدة اليمنية.
ومن خلال تصريحات المسؤولين الاماراتيين كمستشار محمد بن زايد ، عبدالخالق عبدالله وأنور قرقاش وغيرهم يتضح أن الهدف من دخول الإمارات في تحالف العدوان على اليمن، ليس لدعم ما سمي الشرعية ولا غيرها ، وإنما لتجزئة اليمن إلى كنتونات صغيرة ومتناحرة عبر ادواتها المحلية، والسيطرة على الموانئ الحيوية في اليمن، وتبادل أدوار مع السعودية، مع فتح الباب أمام شراكات أمنية واقتصادية مع إسرائيل والغرب، وبعد كل هذه السنوات اتضح ان الإمارات قامت ولا تزال تقوم بهذا الدور خدمة للغرب بشكل عام، وللكيان الصهيوني بشكل خاص، وذلك لضمان أمن الملاحة في باب المندب، والقوى الغربية التي ترى في أبوظبي وكيلًا لمصالحها دون تكلفة مباشرة.
وللأسف بعض المواطنين الجنوبيين يتوهمون أنهم بإقامة دولة في جنوب الوطن سينعمون بالرخاء والرفاهية وأن عدن ستغدو دبي الثاني، غير ان الحقيقة المؤسفة أن الأمارات تعمل من اجل اشغال اليمنيين بأنفسهم وتركهم في حروب أهلية ليتسنى لها التفرغ لتنفيذ مشروع الكيان الصهيوني الإسرائيلي في السيطرة على باب المندب والموانئ اليمنية، خاصة انها تعلم ان من يسيطر على باب المندب سيسيطر على البحر الأحمر بشكل عام.
الدور التخريبي في ليبيا
في ليبيا، ساهمت الإمارات بشكل فاعل ومع بعض الدول الخليجية كقطر والسعودية في اسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي بالتعاون المباشر مع حلف الناتو، تحت عنوان القضاء على الديكتاتورية والاستبداد، حتى ينعم الشعب الليبي بالحرية والديمقراطية، الدول الغربية وبالتحديد الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وغيرها كان هدفهم السيطرة على ثروات ليبيا الكبيرة خاصة انه ليبيا كانت تمتلك احتياط كبير من الذهب، إلى جانب ثرواتها النفطية وغيرها وهذا ما تم لهم.
واستمرت الفوضى حتى عام 2014، وفي هذا العام قامت الإمارات بدعم اللواء خليفة حفتر، في حربه ضد حكومة الوفاق والقوى الإسلامية، وقدمت له السلاح والطائرات المسيّرة والدعم المالي. هذا التدخل لم يكن فقط لمواجهة الإسلام السياسي الذي تعتبره أبوظبي تهديدًا وجوديًا لها بالرغم انها بعيدة ك البعد عن كل الدول التي قامت بالتدخل فيها ولا تربطها مع هذه الدول أي حدود.
بل أيضًا لضمان نفوذ في الهلال النفطي الليبي وموازنة الدور التركي–القطري الداعم لحكومة الوفاق. النتيجة كانت إطالة أمد الصراع والدمار في البلد العربي، وتعطيل مسارات الحل السياسي، وهو ما يصب في مصلحة الإمارات التي تضمن نفوذًا في شمال إفريقيا، وإسرائيل التي ترى في إضعاف أي حكومة ليبية فرصة لتقليل التهديدات، والغرب الذي يستفيد من استمرار الفوضى لنهب الثروات النفطية الليبية، ولا يزال الوضع كما هو انقسام وفوضى ولا أفق للاستقرار حتى الآن.
السودان ومجازر الفاشر
أما في السودان، فقد قامت بداية بتحويل جزء كبير من الجيش السوداني كمرتزقة يعملون لحسابها في اليمن ، فاستقدمت وأيضا السعودية أعدادا كبيرة من الجييش السوداني إلى المين لتنفيذ أعمال تخريبة في العام 2015 ، وكان على رأس القوات السودانية التي لعبت دور تخريبا في اليمن لمصلحة الإمارات والسعودية قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ، وكذلك حميدتي دقلو ، المتصارعان حاليا.
وبعد سقوط نظام البشير في السودان عتام 2019لعبت الإمارات دورًا بارزًا ، في تدمير هذا البلد العربي المنكوب، حيث دعمت ما يسمى بالدعم السريع ضد الجيش السوداني ، وقدمت له الدعم المالي والسياسي والعسكري الغير محدود، وسعت إلى السيطرة على صادرات الذهب السوداني، إضافة إلى اهتمامها بميناء بورتسودان كجزء من مشروعها البحري. الهدف كان ضمان نفوذ اقتصادي عبر الذهب والموانئ، ومواجهة ما تعتبره الإسلاميين الذين كانوا جزءًا من نظام البشير، وإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر.
كما نفذ الدعم السريع المدعوم من أبوظبي في مدينة الفاشر في شمال دارفور لمجازر كبيرة ، فتحولت الفاشر خلال الأشهر الأخيرة إلى رمز لانهيار الدولة السودانية في الإقليم، بعد أن تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة عليها عقب حصار طويل دام أكثر من عام ونصف. الحصار كان مصحوبًا بتجويع السكان ومنع وصول الغذاء والدواء، ومع دخول القوات إلى المدينة بدأت سلسلة من الانتهاكات المروعة التي شملت القتل الجماعي والإعدامات الميدانية والعنف الجنسي والنهب الواسع، إضافة إلى تقارير عن مقابر جماعية وأكوام من الجثث في الشوارع. تقديرات محلية ودولية أشارت إلى مقتل الألاف من المدنيين خلال أيام قليلة ونزوح أكثر من مئة وخمسين ألف شخص إلى ضواحي المدينة ومناطق مجاورة، فيما تعرضت المستشفيات للقصف والاقتحام، بينها مستشفى التوليد الذي قُتل فيه أكثر من أربعمئة وستين شخصًا.
هذه الدولة الصغيرة تقوم اليوم بأدوار تخريبية وتدميرية كبيرة في أكثر من بلد عربي، مستخدمة أدوات غير تقليدية مثل المال والإعلام والميليشيات والموانئ وكل ما تقوم به من أعمال تخريبة مدعومة سياسيا من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية.
فتحاول الإمارات تقديم نفسها كقوة إقليمية ووكيل حصري للكيان الصهيوني في المنطقة، مقابل حماية النظام الإماراتي من السقوط، فتقوم بادوار أكبر من حجمها خدمة لإسرائيل.
وفي قراءة جيوسياسية أوسع، يمكن القول إن الإمارات ليست وحدها في هذه المعادلة، بل هي جزء من شبكة مصالح تشمل إسرائيل والغرب. المستفيد الأكبر هي إسرائيل، التي تحصل على أمن بحري ونفوذ غير مباشر وإضعاف للخصوم العرب، فيما يظل الغرب المستفيد الصامت، حيث تُدار مصالحه عبر أبوظبي دون تكلفة مباشرة. هذه السياسة الإماراتية، التي تقوم على إعادة تشكيل الدول بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، تعكس طموحًا إقليميًا يتجاوز حجم الدولة، لكنها تترك وراءها دولًا عربية ممزقة وضعيفة، وهو ما يطرح سؤالًا جوهريًا حول مستقبل المنطقة إذا استمرت هذه الأدوار دون مراجعة أو توازن.
اقرأ أيضا: إسرائيل تشيد بسيطرة الانتقالي على حضرموت


