قمة الدوحة بين مطرقة العدوان وسندان التواطؤ

قمة الدوحة بين مطرقة العدوان وسندان التواطؤ
بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف
الاحد 14 سببتمبر2025-
انطلقت اليوم في العاصمة القطرية الدوحة القمة العربية الإسلامية في ظرف استثنائي يشي بتصاعد التوتر الإقليمي والدولي، بعد أن تعرضت قطر لعدوان صهيوني مباشر، شمل قصف مواقع سيادية ومحاولة اغتيال قادة من حركة المقاومة الإسلامية “حماس” المقيمين في الدوحة. هذا التطور النوعي لم يأتِ بمعزل عن السياق الدولي؛ فالولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب اتخذت خطوات استباقية واضحة لحماية إسرائيل وتطويق أي رد عربي أو إسلامي محتمل.
لقاء نائب الرئيس الأمريكي بمسؤولين قطريين في نيويورك، وسفر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى تل أبيب ليعلن بوضوح أنّ العدوان على قطر لن يؤثر في “الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل”، يعكسان بجلاء أن واشنطن ليست مجرد راعٍ للعدوان، بل شريك أصيل فيه. الأخطر أن إدارة ترامب منحت الضوء الأخضر لمشاريع صهيونية خطيرة: تهجير سكان غزة قسراً، وضم مساحات واسعة من الضفة الغربية بذريعة مواجهة “الموجة العالمية للاعتراف بالدولة الفلسطينية” (انظر: تقارير واشنطن بوست، 2024؛ الجزيرة نت، 2024).
قطر أمام خيارات مرّة
ما الذي يمكن أن تفعله الدوحة اليوم؟
في ظل انقسام عربي عميق وغياب إرادة جماعية حقيقية، تقف قطر أمام أربعة سيناريوهات رئيسة:
1. الابتلاع الصامت: أن تكتفي قطر ببيان إدانة وتتحمل الضربة، مع الاحتفاظ بقيادات حماس تحت قيود مشددة. هذا الخيار يعني ببساطة إعطاء الضوء الأخضر لتكرار العدوان الإسرائيلي متى شاء.
2. الاستسلام المذل: ترحيل قيادات حماس مقابل “حماية أمريكية شكلية”، وهو ما يرقى إلى هزيمة أخلاقية وتاريخية، ويحوّل الدوحة من داعم للمقاومة إلى أداة ابتزاز بيد واشنطن وتل أبيب.
3. الرد العسكري المباشر: مستبعد بحكم ميزان القوى، إذ لا تستطيع دولة صغيرة مثل قطر خوض مواجهة مفتوحة مع كيان مدعوم أمريكياً.
4. الرد غير المباشر: دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية سرّاً وعلناً، أو اللجوء إلى خيارات استخباراتية تعيد الكيان الصهيوني إلى حالة استنزاف دائمة. غير أنّ هذا الطريق سيجعل قطر عرضة لعقوبات وضغوط أمريكية وخليجية، بما يقوّض استقرارها الداخلي.
القمة بين الشكلية والجوهر
المتوقع، كما تكشف تجارب القمم السابقة (قمة بيروت 2002، قمة الرياض 2007، قمة جدة 2023)، أن يخرج المجتمعون ببيان قوي لفظياً وضعيف عملياً: إدانة العدوان، رفض محاولات الاغتيال، تكرار العبارات الجوفاء عن “التضامن العربي”، وربما تشكيل لجان وزارية لن ترى النور.
محور الخليج (السعودية والإمارات والبحرين): سيدفع نحو صياغات لا تُغضب واشنطن ولا تل أبيب.
محور المقاومة (اليمن، إيران، العراق، سوريا، لبنان، الجزائر): سيحاول فرض قرارات أكثر عملية مثل تعليق التطبيع أو التلويح بسلاح النفط.
قطر: ستقف بينهما، مترددة بين الحفاظ على دور “الوسيط المقبول” وبين حماية سيادتها.
مأزق الخليج وانكشاف المؤامرة
الواقع أن ما تتعرض له الدوحة اليوم هو ارتداد طبيعي لسياسات خليجية سابقة قامت على الارتماء في الحضن الأمريكي والتطبيع مع العدو الصهيوني. فدول الخليج التي فتحت أراضيها لضرب العراق (2003)، وسوريا (2011)، وليبيا (2011)، واليمن (2015)، وساهمت في دعم تنظيمات متطرفة وتمويل انقلابات (انظر: بي بي سي، الجزيرة، واشنطن بوست)، تجد نفسها اليوم أمام حقيقة أن الوحش الذي رعته واشنطن قد انقلب على أحد “حلفائه”.
قطر التي شاركت يومًا في هذه المنظومة، تدفع اليوم ثمن ثقتها بالغرب وتماهيها مع مشاريع واشنطن في المنطقة. وكما يقول المثل: “من يربّي الأفعى في حجره، يلدغه سمّها أولاً”.
الخلاصة: القمة ليست الحل
الخيارات أمام القمة محدودة:
إما أن تتخذ موقفًا تاريخيًا غير مسبوق، بقطع العلاقات مع إسرائيل، ووقف التطبيع، واستخدام أدوات الضغط الاقتصادي (النفط والغاز)،
أو أن تظل مجرد مناسبة لتلميع صورة أنظمة فاشلة، تخشى شعوبها أكثر مما تخشى الاحتلال.
في الحالتين، المعركة الحقيقية ستبقى في الميدان: في غزة، في الضفة، في الجنوب اللبناني، وفي اليمن. أما قاعات القمم، فستظل مسرحًا للبيانات المعلّبة، حتى يقرر العرب أن سيادتهم لا تُسترد إلا بالفعل، لا بالكلام.
المراجع:
Washington Post, US support for Israeli annexation plans amid Gaza displacement (2024).
الجزيرة نت، العدوان الإسرائيلي على الدوحة ومحاولة اغتيال قادة حماس (2024).
BBC Arabic، تاريخ القمم العربية: بين القرارات والواقع (2023).
تقارير مركز الجزيرة للدراسات، العلاقات الخليجية-الأمريكية والتحولات الإقليمية (2022).
اقرأ أيضا:العدوان على صنعاء وصمة عار في جبين العالم والصمت انحيازٌ للقاتل
