كتابات فكرية

علوان الشيباني الإنسان .. ومها شمسان

علوان الشيباني الإنسان .. ومها شمسان

قادري أحمد حيدر

الخميس 23 أكتوبر 2025-

لك التحية والسلام، أيها الفارس النبيل علوان بن سعيد الشيباني.

شكرًا لك، يا علوان ، لأنك حضورٌ أبديّ حتى في الرحيل، وشكرًا لأنك تذكّرنا دائمًا بمعناك العميق في حياتنا، وتؤكد لنا أن ثمة أشياء لا تكتمل إلا بحضورك.

فأنت في كل الأحوال حاضر وفاعل، كذكرى وذاكرة، تحملان في جوفهما أجمل معاني الإنسانية.

أيها العلوان المربي والإنسان، وأيتها المها شمسان النبيلة،

هل حقًا صرتما معًا في الجنان؟

آه يا مها، كيف رحلتِ قبل الأوان!

لقد صاد الموت “عيون المها”.

يا علوان…

حين سمعت بخبر رحيل الأستاذة مها شمسان، عادت بي الذاكرة إلى يومٍ قدّمتها لي فيه، متباهياً ومفتخرًا، قائلاً:

هذه مها شمسان يا قادري، هذه الفتاة اليمنية العصامية التي بنت نفسها من الصفر.”

فتدخّلت الراحلة مها، بكل تواضع وأدب جمّ، قائلة:

لولا دعمك ومساندتك المعنوية والمادية والأبوية، يا عم علوان، لما كنتُ هنا، ولا في هذا المكان.”

فجاء ردك، يا علوان، سريعًا كعادتك في طلاقة البديهة:

أنتِ يا ابنتي مها من صنعتِ اسمك ومكانتك، فإرادتك واستعدادك وتفانيك ومبادرتك هي ما أهّلك وجعلَكِ تصلين إلى موقعك هذا. كثيرون تلقّوا الدعم والعون من جهات متعددة، لكنهم لم يصنعوا تفاصيل حياتهم كما فعلتِ أنتِ.”

يا لروعتك يا علوان، ويا لروحك الأبوية والإنسانية التي شملت الجميع، صغيرًا كان أو كبيرًا.

لذلك، كنتَ وستظلّ حضورًا دائمًا في ذاكرة كل من عرفك، ولو من بعيد.

حقًا، يا علوان، أنت ذاكرة وذكرى، وعلى روحك الطيبة وإنسانيتك السلام.

كل أيامنا هي احتفاء بك، حتى لحظات الحزن عليك تتحوّل إلى مناسبات فرحٍ وامتنانٍ لما زرعت فينا من أثر جميل.

هل تذكر، يا علوان، حين سألتني مرةً مازحًا:

لماذا تأخرت في الزواج حتى بلغت الأربعين؟”

فأجبتك ممازحًا:

هي سنّ الوحي يا علوان، لا تنزل على الجميع.”

فضحكتَ، ثم عدت تسأل بجدية:

قل لي الأسباب الحقيقية، بعيدًا عن السياسة والسجن.”

فقلت لك:

كنت أبحث عن جمال الروح، لا جمال الشكل ولا المال. فما أكثر الأشكال الفارغة من المعنى، وما أقبح المال حين يكون بلا قيم.”

فقلت لي بابتسامتك الحكيمة:

أنت تبحث عن المستحيل، أما أنا يا صديقي فقد وجدت المستحيل. قبضت عليه بعيون القلب في إسبانيا، التي أعادت إليّ الروح بعدما خفت بريقها وسط همومنا اليمنية الثقيلة وذكرياتنا الكالحة.”

شكرًا لك، يا علوان، لأنك عرّفتني بتلك الروح الجميلة، مها شمسان، التي ظللت أتواصل معها حتى أيامها الأخيرة، كما كنت أنت تفعل مع الجميع بمحبة ووفاء.

رحلت مها بهمومها وتعبها، لكنها ظلت تذكرك بالدعاء دائمًا، وكأنها فقدت برحيلك الأب الذي كان يمدّها بالقوة على مقاومة الألم.

أتذكر أنها قالت لي يومًا في عملها قبل رحيلها بأشهر:

الجميع في العالمية صاروا عالمي الصغير، وعوني الدائم.”

كانت تخفي وجعها عن الجميع، تصبر وتبتسم رغم المعاناة، لا تشكو ولا تبوح إلا بالرضا.

في الخامس من أكتوبر، قبل رحيلها بأيام قليلة، سألتها عن حالها، فقالت في رسالة قصيرة:

 الحمد لله، بنعمة من الله.”

فعرفت حينها أن مقاومتها اقتربت من نهايتها.

ومع ذلك، بقيت صامدة، معتصة بالصبر، لا تزعج من حولها بهمٍّ ولا بألم.

بعد عودتها من رحلة علاجها الأولى في الأردن، زرتُ علوان فأخبرني بعودتها، واقترح أن نراها قبل خروجنا إلى زيارة الدكتور عبدالعزيز المقالح.

خرجنا من مكتبه لزيارتها، كما كان دأب علوان دائمًا مع موظفيه وأصدقائه — لا يترك أحدًا دون أن يحيطه برعايته ومحبته.

أتذكر أيضًا حين قال لي مرة:

 صديقي سلطان علي راوح الشيباني مريض، وسأسافر لزيارته.”

هكذا كان علوان، لا يعرف البعد حين يتعلق الأمر بالوفاء.

وفي لقاءاتنا التشاورية الأخيرة حول طباعة وإخراج موسوعة “بحث الهجرة” بأجزائها المختلفة، كنا نجتمع في مكتب الراحلة مها.

قالت لي ذات يوم، والدمعة تختلط بالابتسامة:

أنا في قمة الحزن والفرح معًا؛ حزني لأن الأستاذ علوان رحل قبل أن يرى منجزه، وفرحي لأن جهده الطويل الذي استمر أكثر من سنة ونصف اكتمل كما أراد، بالصورة التي تليق به وبالمؤسسة.”

لقد كان لعلوان في كل تفصيل من تفاصيل العمل بصمة لا تُمحى.

كان حضوره في الفرح واضحًا، وفي الحزن أكثر سطوعًا.

سلام عليك، يا علوان، أيها الصديق المفعم بالمحبة والسلام.

ورحمة واسعة على روحك النبيلة، وروح الفاضلة مها شمسان،

ولكما الخلود في رحاب الصديقين والصالحين.

اقرأ أيضا: في وداع الشهيد القائد الغماري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى