عقوبات مجلس الأمن على اليمن… تجديد يعكس مأزق واشنطن وحلفائها

عقوبات مجلس الأمن على اليمن… تجديد يعكس مأزق واشنطن وحلفائها
تحليل للدكتور: عبدالرحمن المؤلف
الاثنين 17 نوفمبر 2025-
مدَّد مجلس الأمن قبل يومين نظام العقوبات المفروضة على اليمن بموجب القرار 2140 (2014)، وهو القرار الذي أنشأ لأول مرة لجنة عقوبات خاصة، وفريق خبراء، وفرض تدابير تشمل حظر السفر وتجميد الأصول على أفراد وكيانات تُتهم بعرقلة العملية السياسية أو تهديد السلم والأمن.
ورغم مرور أكثر من 11 عامًا على صدور القرار، إلا أنّ التمديد الأخير جاء في لحظة إقليمية شديدة الحساسية، ما جعله يُقرأ سياسيًا خارج إطار “العملية الانتقالية” التي صيغت من أجلها العقوبات.
عقوبات بلا أثر… لكنها أداة ضغط سياسي
منذ 2014 وحتى اليوم، لم تُسجّل تلك العقوبات أثرًا فعليًا على مسار الحرب أو موازين القوى.
لم تغيّر نتائج المعارك.
لم تُوقف الهجمات الجوية.
لم تعالج الانقسام السياسي.
ولم تمنع صعود القوى التي تعتبرها الولايات المتحدة وحلفاؤها “خصمًا”.
بل إنّ تداعيات العقوبات اقتصرت – كما يؤكد خبراء اقتصاديون وتقارير حقوقية – على تشديد القيود على المدنيين في السفر، وزيادة الصعوبات المالية، وتعطيل تدفقات الأعمال والتحويلات، دون أي انعكاس إيجابي على الاستقرار أو الأمن.
هذا الفشل الوظيفي للعقوبات يجعل تجديدها لا يُفهم سوى في سياق الصراع الدولي حول الممرات المائية والدور اليمني فيها خلال الحرب على غزة.
لماذا جرى تجديد العقوبات الآن؟
تقديرات مراقبين دوليين وإقليميين تشير إلى أن تجديد العقوبات لا ينفصل عن ثلاثة أهداف رئيسية:
1. معاقبة اليمن على دوره العسكري والبحري دعماً لغزة
منذ نوفمبر 2023 مثّلت القوات المسلحة اليمنية طرفًا إقليميًا مؤثرًا عبر:
تعطيل الملاحة للسفن المرتبطة بـ”إسرائيل”.
تقويض جزء من المصالح الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر.
تهديد منظومات الردع الإسرائيلية في البحر والجو.
وبالتالي، يُنظر إلى التمديد باعتباره ردًا سياسيًا وقانونيًا على النجاح العملياتي اليمني، لا خطوة متعلقة بعملية انتقالية انتهت فعليًا منذ سنوات.
2. محاولة إعادة فرض السيطرة الغربية على البحر الأحمر وباب المندب
بعد فشل العمليات الجوية الأمريكية ـ البريطانية في تحقيق ردع عملي، تبحث واشنطن ولندن عن:
مسوغات قانونية إضافية للوجود العسكري.
ممرّات ضغط دبلوماسية.
إعادة بناء تحالفات بحرية جديدة.
وتجديد العقوبات يمنح الدول الغربية “إطارًا قانونيًا شكليًا” لتبرير استمرار تدخلها.
3. خدمة الأجندة السعودية–الإماراتية في المرحلة المقبلة
الدولتان تعتبران:
أنّ أي استقلال قرار يمني يشكّل خطرًا على أمنهما الإقليمي.
وأن استمرار الضغط الدولي على صنعاء مفيد في مفاوضات ما بعد الحرب.
لذلك يأتي التمديد متوافقًا مع مصالحهما، خاصة مع التوترات المتصاعدة في السواحل اليمنية.
كيف سيواجه اليمن العقوبات والمخططات؟
أولًا: المسار السياسي
تحويل العقوبات إلى ورقة ضغط مضادة عبر مخاطبة الأمم المتحدة بأن القرار لم يعُد مرتبطًا بعملية انتقالية، وأن دوافعه سياسية عقابية.
الاستفادة من التناقضات الدولية عبر التقارب مع الأطراف الرافضة للهيمنة الغربية (روسيا، الصين، جنوب إفريقيا).
ثانيًا: المسار القانوني والدبلوماسي
تقديم مذكّرات رسمية إلى مجلس الأمن تؤكد أنّ العقوبات أثّرت على المدنيين خلافًا للفقرة التفسيرية في القرار.
طلب جلسة استماع رسمية لفريق الخبراء حول معايير إدراج الأسماء.
توثيق الانتهاكات البحرية التي مارستها القوات الأمريكية والبريطانية.
ثالثًا: المسار العسكري والأمني
تعزيز الوجود البحري من خلال الدوريات والإنذار المبكر.
استكمال بناء قدرات الردع البحري والصاروخي.
تشديد الإجراءات المضادة للتجسس، خصوصًا بعد كشف شبكات مرتبطة بالمخابرات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية داخل اليمن.
السيناريوهات المحتملة داخليًا
تُكتب رأسياً كما طلبت:
1. تشديد القبضة الأمنية وتقوية مؤسسات الدولة – احتمال مرتفع
2. استخدام العقوبات لتبرير سياسات تقشف وضبط داخلي – احتمال متوسط
3. توتر سياسي بين الأطراف اليمنية حول المسؤولية عن العقوبات – احتمال متوسط
4. استمرار الوضع القائم دون تغيّر جوهري – احتمال مرتفع
5. فرصة إصلاح مؤسساتي إذا استُغل الملف بوعي – احتمال منخفض
السيناريوهات المحتملة خارجيًا
أيضًا رأسياً:
1. تصعيد أمريكي–بريطاني محدود في البحر الأحمر – احتمال متوسط
2. ضغوط دبلوماسية أوسع لحشد حلفاء إقليميين – احتمال مرتفع
3. بناء تحالفات جديدة مضادة بقيادة الصين وروسيا – احتمال متوسط
4. خطوات تطبيع سعودية–إسرائيلية بغطاء أمريكي لتشكيل جبهة بحرية – احتمال متوسط
5. تحسن تدريجي للعلاقات الإقليمية إذا فشلت واشنطن في فرض معادلتها – احتمال منخفض إلى متوسط
ما الذي تسعى إليه واشنطن وحلفاؤها؟
1. تحقيق مكاسب سياسية:
عزل اليمن دوليًا عبر استمرار وصمه بـ”تهديد السلم”.
استخدام العقوبات لمنع أي اعتراف دولي بالدور اليمني في البحر.
2. مكاسب عسكرية:
حماية خطوط الملاحة المرتبطة بـ”إسرائيل”.
إضعاف القدرات البحرية اليمنية قبل أي مفاوضات.
3. مكاسب اقتصادية:
الاحتفاظ بيدٍ عليا على مضيق باب المندب الذي تمرّ منه 6–8% من تجارة العالم.
4. مكاسب اجتماعية وإعلامية:
خلق رواية دولية تصوّر صنعاء كـ”معطِّل للسلم”، وبذلك تبرير أي تدخل مستقبلي.
خلاصة
تمديد العقوبات لا يعكس “قوة تأثير” بقدر ما يعكس مأزقًا دوليًا تُواجهه واشنطن وحلفاؤها أمام واقع جديد في البحر الأحمر واليمن.
لم تعد أدوات الضغط الكلاسيكية – قرارات أممية وعقوبات – قادرة على تغيير ميزان القوى، لكنها تبقى محاولة لعرقلة تحولات إستراتيجية لا ترغب القوى الغربية والخليجية برؤيتها تكتمل.
ومع ذلك، فإنّ قدرة اليمن على استثمار التوازنات الدولية، وتعزيز الردع البحري، وبناء مؤسسات مضادة للاختراق الاستخباري ستكون العامل الحاسم في تحديد الاتجاه القادم.
المراجع والمصادر
وثيقة مجلس الأمن رقم S/RES/2140 (2014) – الأمم المتحدة.
تقارير فريق الخبراء المعني باليمن – الأمم المتحدة (2020–2024).
تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية والبريطانية حول الأمن البحري.
تقارير معهد ستيمسون ومعهد واشنطن لدراسة الحرب حول البحر الأحمر.
تحليلات مراكز أبحاث يمنية حول دور القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر.
اقرأ أيضا: مجلس النواب يندّد بسياسة مجلس الأمن



