صراع الحق والباطل وحتمية الاختيار

صراع الحق والباطل وحتمية الاختيار
صراع الحق والباطل وحتمية الاختيار
- لطف لطف قشاشة
السبت12يوليو2025_
صراع الحق والباطل صراع أزلي في هذا الوجود بمعنى انه سيرافق الجنس البشري حتى قيام الساعة ولن تمر حقبة من الزمان إلا وتنشب الصراعات ونشهد معها خسائر تلحق بطرفي الصراع واشد هذه الخسائر هي سفك الدم وإزهاق الأرواح التي لا يمكن بعدها أن تعوض ..
السؤال الذي يطرح دائما هو لماذا تنشب الصراعات وهل حتمية نشوبها يعود لشيء قدره الله في هذه الحياة كنوع من الابتلاءات التي ترافق مسيرة العيش في هذه المعمورة، ثم هل الصراع له ديمومة متواصلة لا تنقطع،أم هي حالات تظهر هنا وهناك وتأخذ دورتها الزمنية ثم تتوقف لظروف تعود لمآلات تلك الأحداث أو إلى تقديرات الأطراف المتصارعة التي تصل إلى قناعات تدفع إلى إيقاف الاشتباك المعلن مع بقاء مسببات نشوبه داخل النفوس وربما لحين تسنح الفرصة مجددا لاستئناف الصراع أو يتم توريث الأسباب للأجيال المتعاقبة وهكذا ..
باختصار شديد فإن صراع الحق والباطل منشأوه الطبيعة البشرية، التي وضع الخالق فيها حق الاختيار والتصرف دون قيود قاهرة من الخالق إلا من قيود الردع المادي والأخلاقي، لذلك رأينا في أول جريمة قتل حدثت كيف أن إقدام ابن آدم على بسط يديه لقتل أخيه كان تحت مبرر ضياع المصلحة والشعور بالغبن وضياع المراد وفواته وذهابه إلى الضحية ( المقتول ) ما دفع القاتل لارتكاب فعلته المشينة ..
فوات المصلحة مع حرية الاختيار وغياب الرادع المادي والأخلاقي هو من يدفع إلى تكرار الصراعات وبالتأكيد فان الحق فيها يكون مع طرف دون الآخر لان من المستحيل أن يكون الحق مع طرفي الصراع في آن واحد وهذا من البديهيات لذلك جاء حكم البغي في القرآن حين يحدث القتال، والقتال اشد أنواع الصراعات لكن ولافتراض شبهة الحق مع الطرفين جاء الأمر بالتدخل ابتداء للصلح وهو جمع الطرفين للاحتكام إلى العقل والمنطق والإذعان لما من شأنه أن يفض النزاع ويحفظ لكل طرف حقه وماء وجهه بعدها يأتي التمييز بين الطرفين وهو الذي عبر عنه ( فإن بغت إحداهما على الأخرى ) هنا فقط تتضح صورة الواقع فيتميز المحق من المبطل بالبغي ،وهو تجاوز الحد والحق فيلزم بعد التمييز الدخول في الصراع لردع الباغي، وهذا من حتميات الصراع ولوازم الردع حتى لا تتفاقم المشكلة وتصبح مستعصية على الحل ويتمادى المبطل بدون رادع ..
الله سبحانه وتعالى وضع قواعد للتمييز بين المحق والمبطل وشرع أحكام تحد من تمادي المبطلون في طغيانهم وأعلى هذه الأحكام أن شرع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعل الجهاد أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذا جعل من قواعد المدافعة نوع من أنواع الردع حفظ الفضيلة والشرايع وكبح جماح تمادي المفسدين واستقوائهم وبسط نفوذهم وهيمنتهم ..
بالعودة وللتوضيح في موضوع المدافعة وتحت قاعدة أن الحق لا يكون إلا مع احد طرفي الصراع وفي المدافعة قد يكون الصراع قائما بين مبطلين ولكنهما يتصارعان على نفوذ أو مصالح مادية بحته لا تتعلق بحق شرعي أو أخلاقي فمن هو المحق هنا ؟
الحقيقة أنهما مبطلين في صراعهما لان صراعهما ليس قائم على إقامة شريعة أو دفع مفسدة ولكنه صراع يصب في صالح الفئة الثالثة المحقة تأمن شر المتربص بها وتمضي في إقامة شعائر الحق والفضيلة ..
نعود لحتمية وديمومة الصراع ،فمن المؤكد أن كل صراع يخلف ورائه خسائر فهل يدعو ذلك إلى اختيار الجانب السلبي وعدم تحمل مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة الخسائر أو للبحث عن السلامة حتى ولو ضاعت حقوق لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا.
تأتي مشيئة الله هنا وتجعل من أساسيات الاستخلاف في الأرض هي إقامة العبودية المطلقة لله، ومن تمام العبودية إلا يتعرض أهل الحق والمستضعفين للهوان وإلا يمنع الدين من الانتشار لذلك فقد وجب الجهاد حتى تكتمل العبودية لله في الأرض ويتحقق الاستخلاف الذي أراده الله وفي ذلك كله تتحقق الحياة الكريمة للبشرية جمعا ..
كل إنسان يبحث عن المخرج والعيش في سعادة لهذا فالقليل عرفوا من حقيقة وجودهم ومن تعاليم دينهم أن حكمة تعاليمه هي التي تغطي السعادة الكاملة فذهبوا إلى المتاجرة مع الله ببيع أنفسهم لله فربحت بيعتهم وتحقق معنى وجودهم وكرامتهم وانتهت فصول حياتهم بتجارة رابحة ومغنم وفير وفي المقابل من آثر الدعة والسكوت خسر رضوان الله وأقحم نفسه في معيشة ضنكا لا كرامة ولا عز فيها لذلك فخسارة عن خسارة تفرق بالطبع وهذا مبحث يطول شرحه واكتفينا بالإشارة إلى عناوينه العريضة.
بالطبع الكل يخسر في الصراع ويتألم لكن هناك خسارة وألم محمود وهناك خسارة وألم مذموم فمن قال أن الألم مع العزة والكرامة والشرف يتساوى مع ألم الذل والمهانة والوضاعة، ومن قال أن الحق كالباطل لذلك فالباطل دائما كان وسيظل زهوقا وفي نهاية المطاف لا يكون إلا ما أراده الله وتبناه الأحرار والشرفاء ..
الحديث عن تفاصيل الصراع بين الحق والباطل متشعب وكلما تشعبنا دخلنا في أكثر من شعب ولكن خلاصته ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) وما دام الإنسان مخيرا ليس مسير فعليه أن يبحث عن مصلحته التي هي مراد الله ومقصده، حتى لو كانت في ذهاب ماله ونفسه طالما وقد تحققت مصلحته ودخل في حزب الله الذين هم المفلحون والغالبون .. والله من وراء القصد.
اقرأ أيضا : طـريق_القـــدس .. نظام القـتل الأمريكي الرجيم في غـــزة
