اخبار محليةثقافة وسياحة

رحلة إلى جبل سيد بمحافظة حجة

رحلة إلى جبل سيد بمحافظة حجة

   بقلم/ عادل شلي

يعتبر جبل ومحل سيد آخر المحلات لعزلة هربة التي تمتد من أسفل قرن حديد المتصل بجبل هداد بالشراقي

حتى جبل وخراب القافعي مرورا بالجرف وبني علي ويمتد شمالا باتجاه محل الراكب الذي يفصل بينه وبين جبل سيد وادي مسحلة ويمتد من بني علي للأعلى بيت طمام وبيت السراحي وتتجه جنوبا لأسفل جبل هداد وتمتد لتتقابل مع بني مهدي بجبل مسور لتبدأ من سبلان جنوبا ثم القرنات ثم قلعة الأشرم، وتنتهي بجبل سيد غربا الذي يطل من جنوبه على وادي المنجل ومنطقة الرقة ومنطقة الشبكة ويطل غربا على سوق شرس القديم ويلتقي في قاعدته مع جبل القافعي في منطقة اللجم وهي أضيق منطقة بوادي الحشر.

هذا هو الوصف الجغرافي للجبل.

يعتبر جبل سيد وجبل القافعي الحارس الأمين للطريق إلى مدينة حجة والمدخل الشرقي لها وهذا سر أهمية عزلة هربه.

وسبب الآثار العظيمة للحصون الكبيرة التي لازالت اثارها ماثلة للعيان مثل حصن الخطام والقافعي.

وبسبب موقعها الاستراتيجي المطل على وادي شرس وسوقه القديم  وخصوبة أراضيها فقد امتهن أبنائها الزراعة والتجارة.

وبحكم علاقتهم القوية بالقبائل المجاورة فقد كانوا المتحكمين في المدخل الشرقي لمدينة حجة.

ولهذا تراجع دور ومكانة العزلة بعد شق الطريق الاسفلتي بعيدا عن سوق وادي شرس القديم وبعيدا عن المناطق التي يتحكم بها أبناء عزلة هربة.

وذلك من خلال إهمال طريق سلامة القديم الذي يصعد من سوق شرس والجبال التي تطل عليها عزلة شرس ثم الجبال التي تتحكم بها عزلة قدم وال القنازي تحديدا.

والاتجاه غربا إلى منطقة حلحال الذي تلتقي فيها جبال مدينة حجة بجبال مبين.

وربما بسبب المواقف والاختلافات القديمة بين أبناء عزلة هربة وشرس وحلفائهم وبين أبناء مدينة حجة ومبين وحلفائهم أو لأسباب أخرى ومهما كانت الأسباب  فقد أدى ذلك إلى تراجع دور العزلة ومكانتها وأهميتها بل وصل الأمر إلى حرمانها من التنمية والخدمات إلى عهد قريب وربما كان لتصلب مواقف بعض الأسر العريقة والكبيرة التي فقدت مكانتها وأهميتها بسبب تغيير طريق التجارة بعيدا عن حدودها وممتلكاتها فاتخذت موقفا عدميا رافضا لآي مساعي للتنمية في المنطقة ومهما كانت الأسباب فقد تأخر ربط العزلة بالطرق والخدمات رغم أن اغلب محلاتها تتبع مدينة حجة.

الأمر الذي دفع اغلب الأسر للهجرة إلى مدينة حجة أو إلى عمران وذلك لكي يتمكن أبنائها من الحصول على التعليم والخدمات الأخرى.

وبسبب الخلافات بين الأسر الارس في العزلة المتحكمة بجبل سيد والقافعي تم تشتت وتبعثر أبناء العزلة وتمترسهم ضد بعضهم وكل يتهم الآخر بأنه سبب ضعف وتراجع دور ومكانة وأهمية العزلة وتفرقها وتشتت أبنائها.

وبسبب التخلف والجهل تراجع دور ومكانة التجمعات والتي ازدهرت بسبب ازدهار سوق شرس من مسور مرورا بالشراقي جنوبا وهربة شمالا وقبائل وادي شرس وبني حميد وال القنازي ووالخ

وأهملت هذه التجمعات أهمية العلاقات والأواصر القديمة مع مثيلاتها من القبائل الأخرى على طول ذلك الخط فأهملت جميعا وأهمل وادي شرس وأشجاره ومحاصيله التي كانت سببا في ازدهار المنطقة برمتها وحلت الفرقة والقطيعة والخصام محل التقارب والتعاون الذي رسخته المنافع والمصالح المشتركة لعقود طويلة.

نعود إلى الرحلة حيث اتصل لي أولاد عمي علي بضرورة الخروج إليهم صباح يوم الجمعة وأرسلوا لي وسيلة نقل وهي دراجة نارية يسوقها احد الشباب من بني حميد وركبت عليها ومضى بنا باتجاه مغربة كوكبان واخبرني انه وأصحابه قد أصلحوا طريقا لدراجاتهم في طريق سلامة القديم والذي قام المهندس فريد مجور بشقها عندما كان محافظا لمحافظة حجة وقد شق أكثر من ثلثي المسافة وفي مدة لا تتجاوز 20 دقيقة وصلنا للطريق الرئيسية التي ساهم في شقها الأستاذ احمد محمد صوفان ليمر من خلالها أبناء المناطق المحيطة بالوادي ” شرس”  دون الاضطرار للمرور بالوادي الذي ينقطع طوال فترة الأمطار بسبب السيول.

ويمتد منه فرع ليصل محلات عزلة هربة ببعضها البعض وكان له الفضل في تطور وازدهار العزلة ويمر بمنطقة اللجم ووادي مسحلة ويصل بيت الحصن وبني علي وبقية محلات العزلة بخطوط فرعية سهلت على أبنائها الاتصال بمدينة حجة والمراكز الخدمية والأسواق.

وقد حرم  أبناء محل سيد من الاستفادة من مزايا هذا الخط الأمر الذي اضطر بعضهم لترك بيوتهم ومساكنهم والنزول الى منطقة القرع خاصة من لديهم أموال في وادي مسحلة أما غيرهم فقد هاجروا الى مدينة حجة او عمران وظلت عدد من الأسر في قمة جبل سيد تعاني من العزلة وانعدام مقومات الحياة حتى جاءت المبادرات المجتمعية فصمموا على شق طريق يصلهم بشريان الحياة وباعوا الغالي والرخيص وتم شق الطريق وقد تعاون معهم عدد من الخيرين وعلى رأسهم رجل التنمية الأول في عزلة هربة الشاب النبيل عبدالكريم العليي الذي سخر وقته وإمكانياته وعلاقاته وجهده وخبرته الطويلة. وروحه النبيلة وساعده في ذلك المسئول النبيل الأستاذ / إبراهيم زيد عامر الذي لولا مواقفه الثابتة وحبه لعمل الخير لما تحقق لأبناء محل سيد هذا الحلم الذي حرموا منه لعقود.

قادنا سائق الدراجة النارية الماهر من الطريق الرئيسة إلى الفرع الجديد إلى جبل سيد ووصلنا للمحل بمدة قياسية لم تتجاوز عشر دقائق ولولا أننا وقفنا للاستمتاع بجمال المنظر لما تجاوزت المدة خمس دقائق.

وذهبت إلى ملاعب الصبا والتمتع بجمال الطبيعة الخلاب والمدرجات الخضراء على جنوب وشمال الجبل والتي ازدهت بأبهى حلل الجمال والحسن.

وبدأت من بركة المحل هذه التحفة العمرانية البديعة والتي بنيت بطريقة هندسية عجيبة ونادرة.

ثم توجهت للمحل والتقيت بأولاد عمي علي واسترحنا قليلا ثم توجهنا مع عدد من أبناء المحل للمسجد الذين يشكلون في توادهم وتراحمهم وتعاونهم نسيج عجيب وكأنهم أبناء أسرة واحدة وفي الطريق هالني منظر تهدم عدد من البيوت العريقة التي تساقطت سقوفها بسبب الأمطار.

وتذكرت تلك الدور الشامخة بطوابقها المرتفعة والتي تصل لخمسة وستة وسبعة طوابق والنهاية التي تنتظرها إذا لم يحدث تدخل سريع وعاجل لإنقاذها.

وكم ضمت من الأسر وكم شهدت من الأحداث والمواقف.

ودخلنا للصلاة في مسجد المحل الصغير والذي يربوا عمره على أربعة عقود.

وبعد خطبة الجمعة والصلاة عدنا لتناول الغداء ثم المقيل وتركز حديثهم حول الأضرار الناتجة عن تساقط الأمطار وشاهدت مسحة الحزن في وجوههم والمرارة في أصواتهم وهم يتحدثون عن المصير المخيف لبيوت المحل العريقة خاصة تلك التي هجرها أصحابها وما تعرض له الطريق الجديد من انهيارات ..

فحاولت أن أحول تفكيرهم إلى مواضيع ايجابية مثل الثمرة التي باركها الله هذا العام.

فتشرق وجوههم ويطلبون من الله أن يتمها لأنها بحاجة لأكثر من مطرة .

ويعود الحديث للطريق ويقوم الحضور بسرد بطولاتهم فيها ويثنون على مثلث الانجاز والعطاء أبو رماح صالح محمد العبدي وأبو عماد منصور العصري وأبو هزاع ماجد شلي ويثني الجميع على. المسئول النبيل إبراهيم عامر الذي لايرد الحديث عن الطريق إلا ويتذكره أبناء محل سيد بكل إجلال واحترام.

رغم إشادتهم بموقف وزيارة رجل التنمية الأول في المحافظة اللواء هلال الصوفي الذي خرج بنفسه لافتتاح الطريق ووجه المسئولين بتوفير كافة احتياجات الطريق وكان لزيارته وقع عجيب في نفوسهم باعتباره أول محافظ يزور العزلة ومحل سيد تحديدا ورغم إشاداتهم الكثيرة به لكن علاقتهم بإبراهيم عامر مختلفة فهم لا ينظرون إليه كمسئول وقف معهم  بحكم مسئوليته وإنما يعتبرونه كواحد منهم وهذا من أعجب المواقف وأخلدها وكيف يستطيع المسئول بنبله وشهامته أن ينقش حبه واحترامه في قلوب الناس.

ـ لقد تذكرت عندما كنت أشاهد أبناء عمي علي وأبنائهم وطريقة تعاملهم فيما بينهم جلسات الوالد وعمي احمد وعمي علي وكيف كانت أخوتهم وتكاتفهم ووفائهم وصدقهم وووالخ

وكيف كان الوالد رحمة الله تغشاه يرسلنا للبلاد عند عمي علي طوال فترة العطلة الصيفية فكان يرعانا كأولاده ويوزع علينا العمل في موسم العمل الزراعي كل حسب إمكانياته وعمره ويشد الجميع وكيف كنا نزرع ونرعى ونظل في نشاط دائم من بعد الفجر إلى قرب المغرب وكنا ندخل حجة في بداية الدراسة وقد صار لون شعرنا اصهف ووجوهنا سمراء من شدة الشمس.

وتذكرت أخي صادق وابن عمي ماجد وكيف كان يعاملنا عمي علي بمعيار واحد من أحسن أثنى عليه ومن أساء وبخه ومن تمادى في التقصير وكسر القواعد ادبه بما يردعه عن تكراره لم نشكوا لأبي يوما من شدة عمي علي مع من يكسر القواعد ربما لأننا نثق بعدله أو لأننا نخشى من غضب الوالد وقيامه بضربنا اشد من عمي علي اذا قمنا بالشكوى والتذمر منه لأنه سيسأل عن السبب والخطأ الذي قمنا به ولا نستطيع أن نكذب وسنخبره بالحقيقة لهذا سيقوم بتأديبنا بما يظهر رحمة وتساهل عمي علي معنا.

تذكرت بعد وفاة الوالد كيف كنا نخرج لنقضي العيد عند عمي علي وكيف تغير 180 درجة بعد أن كبرنا فتحول من مقام الأب الشديد الصارم إلى مقام الأخ والصديق المخلص وكذلك الوالد وعمي احمد  مما جعلنا نكتشف أنهم كان واعين ومدركين لكل ما يقومون به ومدى تناسبه مع المراحل العمرية التي نمر بها رحمة الله تغشاهم وأسكنهم جنات النعيم.

كنا نستيقظ الفجر لنصلي في الجامع ثم نذهب لنطير العقب والطيور ثم نعود لتناول الفطور ونتوجه للحقول أو المراعي فنعمل الى وقت القهوة ثم نتقهوى ثم يكمل كل فرد منا عمله إلى أن تميل الشمس للغروب ويظهر ظل الجبال في الغروب إلى أن يساوي الجبل ظله ونعود للبيت ونتناول الغواث ثم ننزل الجامع نصلي العصر أما الظهر فنكون قد صليناه في العمل وبعدها ننزل الحايد والصغير يدوا له كبش او أكثر يعشيه والكبير يدوا له مفرس فيمرش ورع أو يقوم بالمساهمة في عمارة مثبر أو أي نشاط بدني ثم نروح مباشرة للمسجد او لنغير ثيابنا ونتوجه لصلاة المغرب والعشاء ثم نتعشى ونتجابر قليل وكل واحد يأخذ فراشه ويفرشه في المكان المحدد له وننام.

والكل يسير وفق هذا النظام ولا احد يظل في البيت إلا جدتي رحمة الله تغشاها ترعى الأطفال الصغار وتنتبه للبيت عند ذهاب الجميع لأعمالهم.

لقد شاهدت في الأيام الماضية مدى التزام الجميع بهذا النظام حتى من كانوا يأتون ليقيلوا معنا كانوا ينصرفون قبل العصر ويعودوا قبل المغرب وينخرط الجميع في نشاط وعمل دءوب طوال الموسم الزراعي وتتكثف الأعمال في موسم علان وجمع العلف وطرق عصره وتخزينه وفي موسم الصراب والحصاد.

أدركت في الأيام الماضية سر الترابط بين الأخوة لتقوية ساق وجذع الأسرة ولماذا يضيق المؤمنين بقدسية ترابط الأسرة بنمو الفروع الجديدة ويعتبرونها تهديدا لوحدة الأخوة والساق وان نمو الفروع طور لابد منه وانه لابد أن تتفرغ الفروع الجديدة لتنمية شجرتها وتجذير ساقها وأدركت لماذا ظلت بعض الأسر الكبيرة محافظة على الطور الأول ورفض الانتقال للطور الثاني.

وأدركت سر التقابل ومركزية سيد وبني علي في عزلة هربة وسر التنافس بينهما فسيد يمثل البوابة والحارس للعزلة وبني علي يمثل العمق الاستراتيجي والمعرفي للعزلة وسرحت بي الذاكرة للوراء عندما كان يقوم أبناء بني علي بدورهم الروحي والمعرفي لأبناء العزلة في التقسيم بين الورثة وعمل القواعد والبصائر وتحرير  عقود النكاح وووالخ

وكيف كان يقوم أبناء محل سيد بدورهم في الدفاع عن العزلة ومواجهة الدخلاء ووالخ وكيف تحول التنافس إلى خصام وجفاء وفرقة خاصة بعد ان فقدت العزلة أهميتها الإستراتيجية وقوتها الاقتصادية بعد تغيير الطريق والسوق وكيف تحولت من الصدر إلى الهامش هي وكل ما حولها من مناطق الشراقي وشرس ومسور وبيت قدم وبني عبوس وبني حميد وأهل وادي الحشر  حتى كوكبان وقدم وبيت المعافا والشبعاني ووالخ

وكيف تحولت في ظل هذا التغيير بوابة مدينة حجة وعاصمة المحافظة الى حديقة خلفية ومكب للنفايات.

وتذكرت الرؤية الإستراتيجية لدى ابراهيم عامر لاستصلاح وادي شرس وان استعادة المنطقة لمركزيتها ومكانتها يكمن في استصلاح وادي شرس وهذا السبب الذي دفعني للعمل في وادي شرس أنا وعبدالكريم العليي بشكل طوعي لأكثر من ستة شهور إلى أن تم تشكيل فريق فرسان التنمية وجمعية شرس الزراعية وسلمنا لهم المهمة والراية.

 وأدركت سبب اصرار عبدالكريم العليي على التخفيف من أضرار المقلب وأثره المدمر على الأراضي الزراعية بوادي الحشر والأضرار البيئية الأخرى ورؤيته الجمالية الطموحة في هذا المجال.

وأدركت سبب قيام الوالد وعدد من عقال محل سيد بالانتقال الى مديرية شرس والابتعاد عن عمق العزلة المرتبطة إداريا بمدينة حجة رغم انه لا يوجد لها أي تمثيل في مجلسها المحلي ولا في خارطة المشاريع والخدمات.

ولازلت ابحث عن سبب تهميشها وحرمانها من ابسط الخدمات وإجبارها على أن تعيش في الهامش رغم ما تملكه من المقومات

لقد استمتعت بهذه الزيارة وانتعشت روحي بجمال المناظر والهواء النقي والخضرة اللامتناهية وسبحت الله كثيرا وحمدته كثيرا ورممت وملئت الكثير من الفراغات وابتهجت كثيرا وفهمت الكثير من القضايا الاجتماعية وسبب الكثير من الانقسامات والصراعات العدمية وانصح كل قادر على زيارة الريف في هذه الأيام بأن يبادر ويغتنم الفرصة. 

اقرأ أيضا:رحلة إلى مدينة المحويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى