حضرموت بين صراع القوى الإقليمية وحسابات إسرائيل

حضرموت بين صراع القوى الإقليمية وحسابات إسرائيل
الجمعة 5 ديسمبر 2025-
تشهد محافظة حضرموت في الآونة الأخيرة تصاعداً في التوترات السياسية والعسكرية، وسط تنافس إقليمي ودولي على النفوذ في واحدة من أكثر المناطق اليمنية أهمية جغرافياً واقتصادياً. هذه التطورات، وإن بدت محلية الطابع، تحمل انعكاسات أوسع تصل إلى البحر الأحمر والخليج العربي، بل وتمس الحسابات الأمنية لإسرائيل.
وحتى لا تخرج الأمور عن سيطرتها سارعت الرياض بإرسال وفد عسكري إلى حضرموت للتهدئة وتم عقد اتفاق برعاية هذه الوساطة اليت تسعة في الأساس لاستمرار هذه الفوضى.
ومن خلال الاتفاق الذي اُبرم الليلة قبل الماضية بين المحافظ الخنبشي التابع لسلطة المرتزقة التابعة للسعودية والشيخ بن حبريش، كان الأساس هو تجنب حقول النفط أي مواجهات عسكرية، ولم يتطرق إلى حماية المواطنين في حضرموت وحماية ممتالكاتهم.
وفي هذا الصدد يقول السياسي الجنوبي صلاح السقلدي والمتابع لما يجري في حضرموت بان الاتفاق ولم يتطرق للوضع في سيئون، ـأو عن أي حديث لخروج اي قوات من حضرموت فالأمر تم حسمه على الأرض، ولو انه تحدث بأحد بنوده عن منع دخول اي قوة بالمستقبل.
وقال في منشور على صفحته بالفيس بوك بأن الاتفاق الذي ضمنته السعودية يتحدث عن تفاهمات ببن المحافظة وبن حبريش حول حماية بترومسيلة ومن هي الجهات التي تقوم بالمهمة ودمج بعضها.
أطراف الاتفاق:
الطرف الأول: السلطة المحلية بمحافظة حضرموت ممثلة في محافظ المحافظة الأستاذ/ سالم أحمد الخنبشي.
الطرف الثاني: الشيخ عمرو بن علي بن حبريش العليي، وكيل أول محافظة حضرموت، رئيس مؤتمر حضرموت الجامع، ورئيس حلف قبائل حضرموت.
بنود الاتفاق:
أولاً: الوقف الفوري للتصعيد العسكري والأمني والإعلامي والتحريضي.
ثانياً: استمرار الهدنة بين الطرفين إلى أن تنتهي لجنة الوساطة من أعمالها والوصول إلى اتفاق كامل بين الطرفين.
ثالثاً: انسحاب قوات الحلف (قوات حماية حضرموت التابعة للشيخ عمرو بن حبريش) إلى المحيط الخارجي للشركة بمسافة لا تقل عن (1) كيلومتر، وعدم اعتراض الدخول والخروج من وإلى الشركات للمعنيين المربوطين بأعمال مدنية وعسكرية داخل الشركات، يبدأ تنفيذ الانسحاب الساعة الثامنة صباح يوم الخميس الموافق 2025/12/4م.
رابعاً: إعادة تموضع قوات حماية الشركات إلى مواقعها السابقة لتأمين الشركات.
خامساً: عودة موظفي الشركة المسؤولة عن تشغيل وإنتاج النفط في “بترو مسيلة” ومزاولة أعمالهم.
سادساً: يتم انسحاب قوات النخبة المساندة إلى مسافة لا تقل عن (3) كيلومتر من مواقعها الحالية وعودتها إلى مواقعها الأصلية عند التوصل إلى اتفاق كامل، يبدأ التنفيذ الساعة الثامنة صباحاً يوم الخميس 2025/12/4م.
سابعاً: عدم تعزيز الجانبين بأي قوات معززة بعد الانسحاب وأثناء سير تنفيذ الحلول.
ثامناً: عقد لقاء بين الخنبشي وبن حبريش في منطقة “العليب” بعد الانسحابات الموضحة أعلاه وفي أسرع وقت ممكن.
تاسعاً: ضمان موقف موحد من المحافظ والنخبة وقوات الحلف في حال أي تدخل أو تقدم من أي قوات من خارج المحافظة إلى مواقع الشركات بالمسيلة.
عاشراً: انخراط أفراد وضباط قوات حماية حضرموت التابعة للحلف إلى قوات حماية الشركات النفطية بحسب كشوفات الرفع من قيادة قوات حماية حضرموت (قوات الحلف)، بحيث من هو ينتمي إلى الأمن أو الجيش يعود إلى عمله.
إحدى عشر: يتولى العميد/ أحمد عمر المعاري قيادة القوة كاملة، ويكون أركانها من ضباط (قوات حماية حضرموت/ قوات الحلف)، وتكون هذه القوة ثابتة في مواقع حماية الشركات النفطية وعدم تعزيزها بأي قوة من خارج حضرموت.
اثني عشر: يبقى الشيخ عمرو بن حبريش في موقعه بالـكامب الخاص به مع حراسته ومرافقيه وتسهيل متطلباته واحتياجاته، مع عدم تواجد أي مظاهر مدنية مسلحة في هذا الموقع.
الثالث عشر: يُلزم الطرفان بتنفيذ ما عليهما من التزام واتفاق، وتتم الخطوات بحضور ممثلين من الوساطة والطرفين.
والمتابع لما يجري حسب العديد من المتابعين يرى ان السعودية والإمارات تعملان على تعزيز حضورهما العسكري والسياسي في المحافظة، عبر دعم تشكيلات محلية وإدارة الموانئ والمطارات.
أما الولايات المتحدة فتراقب المشهد عن كثب، باعتبار حضرموت بوابة استراتيجية على بحر العرب وخطوط الملاحة الدولية.
القوى المحلية: تتوزع بين سلطات المجلس الانتقالي التابع للأمارات وقوات تابعة للمجلس الثماني الذي شكلته السعودية ويعمل لصالحها، قبائل، وتيارات سياسية أبرزها حزب الإصلاح، ما يجعل المحافظة ساحة مفتوحة للتجاذبات.
ومنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023- ، برز اليمن كجبهة جديدة ضد إسرائيل، بعد أن كثّفت القوات المسلحة اليمنية بصنعاء هجماتها بالطائرات المسيّرة والصواريخ البعيدة المدى، ضد إسرائيل دعما واسنادا لغزة.
هذا التطور دفع تل أبيب إلى النظر بجدية إلى المشهد اليمني، حيث نفذت ضربات عسكرية ضد مواقع في صنعاء ومناطق أخرى، في إطار ما تسميه “الذراع الطويلة”.
ما مصلحة إسرائيل مما يجري؟
ويرون أن نشر الفوضى في حضرموت وفي اليمن بشكل عام يصب لمصلحة الكيان الصهيوني في المقام الأول، وذلك من خلال اشغال اليمن بنفسه وإضعاف قدرة صنعاء على التنسيق والردع.
كذلك تعزيز نفوذ الإمارات والسعودية: وهما شريكان لإسرائيل في مسار التطبيع والتنسيق الأمني، وبالتالي السيطرة على الموانئ والبحر العربي، ما يتيح لإسرائيل من مراقبة طرق الملاحة الحيوية، بما فيها باب المندب وخليج عدن.
وتشتيت جهود القوات المسلحة اليمينة التباعة للحكومة الوطنية بصنعاء في جبهات داخلية، لتقليل التركيز إسرائيل.
بالإضافة إلى نشر خلايا الموساد الإسرائيلي في اليمن خاصة في المحافظات الجنوبية، لرصد كل ما يجري في اليمن، وأيضا لتأجيج الوضع أكثر مما هو حاص اليوم.
أما بالنسبة للسعودية فتسعى من خلال نشر الفوضى في اليمن وفي المحافظات الجنوبية والشرقية كحضرموت جعل هذه المحافظات في قبضة قوات موالية لها تماما لعمل حاجز أمني ضد صنعاء، وترى حضرموت كمنطقة عازلة تبعد خطر الحوثيين عن حدودها الجنوبية.
إلى جانب التحكم في الموانئ والطرق البحرية، وتأمين خطوط الملاحة عبر بحر العرب وباب المندب، وهو أمر حيوي لتجارة النفط بالنسبة لها.
كما ترى السعودية أن نشر الفوضى في اليمن يخفف من احتمالية قيام دولة يمنية قوية قد تعيد طرح مطالب تاريخية ضد الرياض.
أيضا إبقاء حضرموت في حالة عدم استقرار يمنحها أوراق ضغط في أي تسوية سياسية شاملة.
اما الامارات والتي تعتبر الوكيل الرئيسي لإسرائيل فتعمل من أجمل تمدد نفوذها البحري، لذلك يلاحظ انها تركز على الموانئ والسواحل اليمنية، وحضرموت تمنحها منفذاً استراتيجياً على بحر العرب، مكملاً لسيطرتها في عدن وسقطرى.
إلى جانب إضعاف خصومها من حزب الإصلاح، فالفوضى تساعد على تقليص نفوذ حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن).
وتعزيز دورها كقوة إقليمية، عبر السيطرة على الموانئ والطرق البحرية، لذلك تلعب دورا أكبر من حجمها، مستغلة امكانياتها المالية الكبيرة وتحالفاتها العسكرية مع الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية، فتقدم نفسها كحارس للملاحة الدولية.
كما أن توسيع شبكة نفوذها في حضرموت يتيح لها تقديم نفسها كحليف أمني موثوق لإسرائيل في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
لذا المتابع لما يجري يلاحظ بجلاء التباين بين اهداف الرياض وأبوظبي ، فرغم تحالفهما، هناك تنافس خفي بينهما، فالرياض تريد حضرموت تحت نفوذها المباشر، بينما أبوظبي تسعى لمد نفوذها البحري المستقل.
النتيجة: الفوضى تخدم الطرفين بقدر ما تمنع قيام سلطة يمنية موحدة، لكنها قد تتحول إلى صراع نفوذ بينهما إذا خرجت الأمور عن السيطرة.

