كتابات فكرية

حسن الدولة: ليس للرباعية ولا مجلس الأمن أو دول الجوار أو أي طرف خارجي حق تقرير مصير الدولة اليمنية

 حسن الدولة: ليس للرباعية ولا مجلس الأمن أو دول الجوار أو أي طرف خارجي حق تقرير مصير الدولة اليمنية

قراءة لمقال الأستاذ عبد الناصر المودع بشأن سيادة الجمهورية اليمنية

قراءة: حسن الدولة

السبت 13 ديسمبر 2025-

تلقيت من الصديق الأستاذ جلال محمد الحلالي نصا مهما للأستاذ عبد الناصر المودع، في توقيت بالغ الحساسية، لما يتضمنه من وضوح قانوني وحسم مفاهيمي تجاه واحدة من أخطر القضايا المطروحة على الساحة اليمنية اليوم، وهي مسألة السيادة ووحدة الدولة، وما يثار حولهما من تأويلات مغلوطة أو توظيف سياسي مريب للأحداث بما يخدم أجندات دول الجوار وبالأخص التوسعية الكبرى وربيبتها الأمارات ولأهمية ما كتبه الأستاذ عبدالناصر اورد نصه فيما يلي:

(من الضروري توضيح بعض النقاط في هذه المرحلة الحساسة:

الجمهورية اليمنية دولة مستقلة وذات سيادة كاملة، ووحدة أراضيها وسيادتها حق مكفول لا يملك أي طرف المساس به أو انتهاكه. وانطلاقاً من هذا المبدأ فإن اليمن ليست دولة تحت الوصاية، والحديث عن أنها دولة منقوصة السيادة بسبب خضوعها للبند السابع هو حديث فارغ لا قيمة قانونية له. فقرارات العقوبات الصادرة تحت البند السابع لا تمس سيادة الدولة، بل تستهدف فقط معرقلي التسوية السياسية.

كما أنه ليس للرباعية، ولا لمجلس الأمن، ولا لدول الجوار، ولا لأي طرف خارجي—أياً كان—حق تقرير مصير الدولة اليمنية. هذا الحق حصري للشعب اليمني، ولا يُمارس إلا عبر الاستفتاء الشعبي العام. ودستور الجمهورية اليمنية هو المرجعية القانونية والشرعية العليا، وهذا الدستور يجرّم تقسيم البلاد بشكل صريح.

ولا يوجد في القانون الدولي أو الدستور اليمني ما يمنح أي جزء من الشعب اليمني “حق تقرير المصير” بالمعنى الانفصالي. وحتى لو صوّت 100% من سكان المحافظات الجنوبية لصالح الانفصال، فإن هذا التصويت لا يملك أي قيمة قانونية ولا يرتّب أي أثر ملزم، لأن حق تقرير مصير الدولة لا يُجزَّأ.

صحيح أن الدولة اليمنية في المناطق الواقعة خارج سيطرة حكومة صنعاء تخضع لسيطرة فعلية من قوى خارجية، لكن هذه السيطرة لا تمنح تلك القوى أي حق في المساس بوحدة اليمن. وإذا ترتب على هذا النفوذ أي دعم مباشر أو غير مباشر لمشاريع تقسيم اليمن أو الانتقاص من سيادته، فإن ذلك يُعد عملاً من أعمال العدوان، وتتحمل الجهات الضالعة فيه كامل المسؤولية القانونية، بما في ذلك الالتزام بدفع التعويضات، وهذه المسؤوليات لا تسقط بالتقادم.

الخلاصة: على اليمنيين أن يدركوا أن وحدة دولتهم وسلامتها الإقليمية حق حصري لهم وحدهم، ولا تلغي هذا الحق أي قوة أمر واقع، ولا تسقطه أي ظروف طارئة أو مراحل ضعف عابرة. الدولة تبقى دولة، وحقها في الوحدة والسيادة لا يملكه غير شعبها.) انتهي.

ومن الجلي أن هذا النص ينطلق من مسلّمة دستورية وقانونية لا تقبل الجدل، مفادها أن الجمهورية اليمنية كيان سياسي مكتمل الأركان، يتمتع بشخصية قانونية دولية، وأن وحدتها وسيادتها ليستا نتاج توازنات مؤقتة أو اعترافات مشروطة، بل حق أصيل ثابت لا يملك أحد مصادرته. أهمية النص لا تكمن فقط في وضوح موقفه، بل في استناده إلى مرجعيتين متلازمتين: الدستور اليمني والقانون الدولي.

فالدستور اليمني، في مادته الأولى، ينص صراحة على أن الجمهورية اليمنية دولة مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها. وهذه المادة تُعد قاعدة آمرة في النظام الدستوري، لا يجوز تعطيلها أو تجاوزها تحت أي ذريعة، بما في ذلك ذريعة الاستفتاء الجزئي أو الأمر الواقع. كما تؤكد المادة الرابعة أن الشعب مالك السلطة ومصدرها، والمقصود هنا هو الشعب اليمني بوصفه وحدة سياسية واحدة، لا مجموع أقاليم أو جماعات متفرقة.

أما القانون الدولي، الذي يُستدعى غالباً خارج سياقه، فإنه يقف بوضوح إلى جانب سلامة أراضي الدول القائمة. فميثاق الأمم المتحدة، في المادة الثانية الفقرة الرابعة، يحظر استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة. كما أن مبدأ تقرير المصير، الوارد في المادة الأولى من الميثاق، قد استقر تفسيره في فقه القانون الدولي على أنه حق تحرري موجّه أساساً للشعوب الخاضعة للاستعمار أو الاحتلال الأجنبي، وليس أداة لتفكيك الدول المستقلة.

ويؤكد الفقيه الدولي إيان براونلي أن تقرير المصير بعد الاستقلال يتحول إلى ممارسة داخلية عبر المشاركة السياسية وضمان الحقوق، ولا يرقى إلى حق قانوني بالانفصال. ويذهب أنطونيو كاسيسي إلى أن سلامة الأراضي تشكل الحد القانوني الذي يمنع إساءة استخدام تقرير المصير كذريعة لتدمير الدولة.

أما وضع اليمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فلا يعني بأي حال من الأحوال انتقاص سيادته أو وضعه تحت وصاية دولية. فالفصل السابع يجيز لمجلس الأمن اتخاذ تدابير استثنائية لحفظ السلم والأمن الدوليين، دون أن يمس الشخصية القانونية للدولة أو ينقل حق تقرير مصيرها إلى أي جهة خارجية. وقد أكدت قرارات مجلس الأمن المتعلقة باليمن، في أكثر من موضع، التزام المجتمع الدولي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه.

وفي هذا السياق، فإن أي نفوذ خارجي أو سيطرة فعلية في بعض المناطق اليمنية، مهما كان شكلها أو مبرراتها، لا تنتج حقاً قانونياً ولا تُنشئ شرعية سياسية للمساس بوحدة الدولة. بل إن دعم أو تشجيع مشاريع التقسيم يُعد، وفق تعريف العدوان الوارد في قرار الجمعية العامة رقم 3314 لعام 1974، انتهاكاً صريحاً لسلامة أراضي دولة ذات سيادة، ويُرتب مسؤولية دولية كاملة، بما في ذلك جبر الضرر والتعويض، وهي مسؤولية لا تسقط بالتقادم.

وعليه، فإن قراءة مقال الأستاذ عبد الناصر المودع تكشف عن نص يتجاوز السجال السياسي الآني، ليؤكد حقيقة قانونية راسخة: أن السيادة ليست امتيازاً مؤقتاً، ولا تُسقطها موازين القوة المختلة، وأن وحدة اليمن ليست خياراً قابلاً للتفاوض أو التصويت الجزئي، بل هي شرط وجود الدولة ذاته. فالدول قد تُنهكها الحروب، وقد تُخترق سيادتها مؤقتاً، لكنها لا تفقد حقها الأصيل في الوحدة والاستقلال، واليمن، بوصفه دولة واحدة، سيظل كذلك بإرادة شعبه ودستوره وقواعد القانون الدولي.

اقرأ أيضا: لماذا تلعب الإمارات دورًا تخريبيًا في المنطقة العربية؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى