اخبار محليةثقافة وسياحة

تريم..مدينة العبادة والتسبيح

تريم..مدينة العبادة والتسبيح

تريم..مدينة العبادة والتسبيح

عبدالرحمن مطهر  

سنوات العدوان على اليمن أعاقت للأسف الشديد زياراتي للعديد من المحافظات والمدن اليمنية خاصة المحافظات الجنوبية والشرقية، لأسباب عديدة أبرزها الوضع الأمني في هذه المحافظات.

ومن هذه المدن التي اشتقت إليها كثيرا بالتأكيد هي مدينة تريم بمحافظة حضرموت الوادي.

كيف لا وهي المدنية المتفردة في كل شيء ، بطيبة سكانها ، بمساجدها ، بقصورها ، بهوائها العليل ، وغيرها من المميزات التي جعلها في العام 2010 تتوج كعاصمة للمدن الإسلامية.

تريم الغناء مدينة رائعة بكل ما تحمل الكلمة من معنى تستحق الزيارة مرات ومرات عديدة ، مدينة كثيرة البساتين والأشجار،  هوائها عليل ، يفوح منها عبق التاريخ والعلم والثقافة ،مدينة مسالمة وأهلها في غاية النبل والكرم والأخلاق الرفيعة ،بها العديد من المعالم التاريخية والحضارية الإسلامية أهمها جامع المحضار بمنارته الطينية الشهيرة والتي تعتبر أطول مئذنة طينية في العالم ،إلى جانب قصورها ومنازلها الطينية البديعة ،كل ذلك يؤهلها لتكون عاصمة ثقافية وسياحية أبدية.

وكنت في كل زيارة أزور فيها الغناء تريم ألاحظ فيها العديد والعديد من المميزات التي تنفرد بها هذه المدينة التاريخية عن غيرها من مدن العالم العربي والإسلامي.

نعلم أن مدينة تريم التي اشتهرت منذ القدم بانتشار العلم والعلماء والثقافة العربية الإسلامية الواسعة ، حتى أصبحت قبلة لطلاب العلم من شتى أنحاء العالم الأمر الذي زاد من انتعاش كبير للحياة الدينية فيها.

 موقع المدينة

تقع تريم في الجزء الشرقي لمحافظة حضرموت وهي أقرب إلى منطقة وسط وادي حضرموت حيث يحدها من الشمال مديرية قف العوامر ومن الجنوب مديريتا ساه وغيل بن يمين ومن الغرب مديرية سيئون عاصمة حضرموت الوادي  ومن الشرق مديرية السوم ، وبمساحة إجمالية تقدر بـ 2894 كم2.

تاريخ المدنية

  يرجع تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث كانت عاصمة حضرموت القديمة ومقر ملوك كندة قبل ظهور الإسلام وتشتهر بكثرة مساجدها حيث يبلغ عدد المساجد نحو 360 مسجد وهو على عدد أيام السنة وكذا تشتهر بالعلم وعلماء الدين، واختيرت المدينة عاصمة الثقافة الإسلامية في عام 2010 م من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسسكو).

دورها في الحركة الإسلامية

كان لمدينة تريم “الغناء” دور ريادي في الحركة العلمية داخل اليمن وخارجها، وذلك من خلال معاهدها وأربطتها العلمية التي تخرج فيها العلماء من أنحاء العالم المتباعدة، وساهم أهلها بنشر الدين الإسلامي في العالم وخصوصًا جنوب شرق آسيا والهند وشرق أفريقيا، خاصة اندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورا وغيرها من دول العالم ،  وذلك من خلال هجرتهم للتجارة مع تلك البلدان؛ لذلك يأتي إليها مواطنون من شرق آسيا ودول أخرى لطلب العلوم الإسلامية في معاهدها مثل: دار المصطفى للدراسات الإسلامية، ورباط تريم، ودار الزهراء للطالبات.

سبب التسمية

سميت تريم بهذا الاسم حسب ما جاء في كتاب «معجم البلدان» لياقوت الحموي، أن تريم إحدى مدينتي حضرموت. لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها ومدينتيها شبام وتريم هما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما. وقال مرتضى الزبيدي في كتابه «تاج العروس» أن تريم سميت باسم بانيها «تريم بن حضرموت» ويؤكد المؤرخون العرب أن مدينة تريم كان اختطاطها في القرن الرابع قبل الميلاد، وجاء في «معالم تاريخ الجزيرة العربية» للأستاذ سعيد عوض باوزير أن تريم كان تأسيسها في عهد الحكم السبئي لحضرموت وأنها سميت باسم أحد أولاد سبأ الأصغر أو باسم القبيلة التي من تريم هذا.  

 وكذلك تسمى الغناء بتشديد الغين ، وذلك لكثرة بساتينها وأشجارها وطيورها .

 حزمة الدولارات والطفل الصغير

فأثناء تجوالك في الغناء تريم يرجع بك التاريخ إلى عصر الخلافة الإسلامية حيث تشاهد أن الإسلام والقرآن الكريم يمشيان على الأرض،وذلك من خلال الأخلاق الإسلامية والقيم والمبادئ الرفيعة التي يتحلى بها سكان هذه المدينة العتيقة ،وهو لا شك الأمر الذي مكنهم من نشر الدعوة الإسلامية بعيدا عن لغة القوة أو لغة السلاح ،وفي ذلك يقول الشيخ العلامة الحبيب عمر بن حفيظ عميد دار المصطفى إن دكتوراً يابانياً جاء في زيارة لمدينة تريم وذهب إلى أحد أولاد المدينة الذي لا يتجاوز عمره الثانية عشرة وذلك لشراء بعض الأشياء من هذا الولد وخلال ذلك سقطت منه حزمة من الدولارات فتبعه الولد ليرد إليه ماله ،حينها سأل هذا الدكتور الياباني الولد لماذا لم يأخذها لها ،فرد عليه قائلا بأن ديننا الإسلامي يحرم علينا ذلك رغم أن الطفل من أسرة بسيطة وفقيرة ،حينها حدث هذا الشخص الياباني نفسه قائلا دين هكذا هي مبادئه يجب أن ادخل فيه وفعلا أتى إلي “أي إلى الحبيب عمر بن حفيظ” وأشهر إسلامه .

قصر السلام الآثري (اندبندنت عربية).jpg
قصر السلام الأثري بتريم

مدينة العلم والعلماء

 لهذا نرى أن مدينة تريم لا تمتاز بقصورها وجمال مبانيها الطينية البديعة فحسب وإنما تمتاز كذلك برقي وسمو الأخلاق الإسلامية الرفيعة لسكان هذه المدينة،والتي تمتاز كذلك بكثرة مشايخها من العلماء ،لذلك اقترنت هذه المدينة بعلم واسع قامت عليه ركائز الثقافة ،وفي هذا الإطار يقول أيضا الشيخ العلامة بن حفيظ: لا نستطيع أن نمر على كتب الحديث دون أن نمر على أسماء كثيرة من أسماء الرجال كما نقرأه في لسان الميزان وتهذيب التهذيب لعلماء من هذه المدينة ومن حولها حتى إن بن حليقان يذكر في تاريخه أن أول من تولى أمور القضاء في مصر الكنانة بعد دخولها في دين الله كان من هذه البلاد ،وكذلك يذكر الشيخ أبو بكر بن عبدالله باجري عن الفقيه عبدالله بن علي سلم أنه قال أدركت في تريم أكثر من ثلاثمائة فقية برتبة مفت في وقت وزمن واحد ، كما يذكر الشيخ علي بن سلم أنه كان يجتمع على دكة جامع أبي حاتم المجاور لمسجد المحضار الشهير حوالي أربعين فقيهاً وصلوا إلى رتبة الإفتاء وجميعهم من بني حاتم أيضا في وقت واحد .

 دروس الفقه وسط السوق

هذه هي تريم كما تحدثنا كتب التاريخ الإسلامي والتي تذكر كذلك أن البائعون ومنهم السماسرة والدلالين كانوا يجتمعون أحيانا وسط السوق لعقد درس في الفقه ويفتحون كتاب الإمام النووي المنهاج ويجلس أحدهم مقررا ويقول هذه المسألة حكمها كذا على الحكم الأصح على المذهب الشافعي ويقابله كذا في كذا وكذا .كان العلم ممزوج عندهم بحقيقة الخشية من الله وكلما ازدادوا علما ازدادوا خشية من الله وازدادوا تواضعا ونبلا .

مدينة المحبة والتسامح :

لهذا نجد أن العلم أدى إلى خشية الناس من الله، فزاد أهلها تواضعا ورفعة وتهذيبا ، وقد استطاعوا كسر حواجز التفرقة والاستبداد والتعالي والعنصرية والمناطقية ،وعمل في المقابل على نشر مفاهيم الاعتدال والوسطية والتسامح والاستقامة المنبثقة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ،وهذا هو ما مكن أهل تريم بصورة خاصة وأهل حضرموت واليمن بصورة عامة من نشر الدين الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها وذلك من خلال ترجمة و إبراز جمال ديننا الإسلامي في تلك المعاملات الصادقة مع الغير ومع النفوس التي تحمل المحبة والخير لكل البشر ،ويقول الحبيب عمر بن حفيظ أنه تمر بعض الأيام والسنون ولا تجد خصام بين أثنين من أهل هذه المدينة كما ينقل بعض المؤرخين أن قاضيا مكث في تريم اثني عشر عاما ولم يدخل إليه اثنان متخاصمان، وعندما سأل لماذا لم يم يدخل أليه أحد: رد قائلا القوم قد أصلح القرآن بينهم فمن عفا وأصلح فأجرة على الله.

 معالم تريم السياحية

وبحسب الباحث في التاريخ علي عبدالله العلوي، تزخر تريم بالعديد من المعالم الأثرية والمواقع التي لها جذب سياحي كبير مستنداً إلى المسح العام الذي نفذته شركة MEMAR الإيطالية الاستشارية عام 2000، وشمل أهم المعالم التراثية بالمديرية، والذي بدوره صنّف جملة المعالم التراثية فيها شاملاً: المواقع الأثرية، المعالم الأثرية، منشآت الري التقليدية، السقايات، الحصون، الأسوار والأبراج والتحصينات وغيرها .

ويتطرق العلوي في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إلى جملة من أشهر المعالم الحضارية في تريم، منها منارة مسجد المحضار التي تعدّ من أهم المعالم الأثرية الإسلامية، التي بنيت من الطين عام 1222هــ الموافق 1801م حيث يصل ارتفاعها إلى 125 قدماً، وقد بنيت من قبل أبناء البلاد نفسها وبمواد محلية ثم تم طلاؤها بالجير(النورة) وتعد آية فريدة في البناء والفن المعماري الحضرمي الأصيل، وتقع في قلب مدينة تريم .

كما تزخر تريم بالعديد من الآثار السياحية والقصور الفاخرة والتي جمعت في بنائها بين طراز الفن المعماري الحضرمي الأصيل والبناء الآسيوي والملاوي، كما جمعت في ثنايا ذلك بعض اللمحات اليونانية الغريبة ومن أشهر هذه القصور(عشه، التواهي، دار السلام، حمطوط، قصر الكاف، القبه. الخ).

كما أن تريم مدينة مصنّفة ضمن مدن الحضارة والثقافة الإسلامية، وهذا ما تؤكده الشواهد والمعالم ذات الطابع الإسلامي، كالمشاهد والمزارات ودور العلم والزوايا، ويظل رباط تريم الذي بني وتم افتتاحه سنة (1304هــ) وقبة أبي مريم لتحفيظ القرآن الكريم وجامع المحضار بمنارته العالية وجامع تريم الذي عَمَّره الحسين بن سلامة في عهد ابن زياد ومسجد الوعل، الذي قيل إنه أول جامع في تريم ومزار أحمد بن عبَّاد بن بشر، وقبب آل الشيخ بن سالم أبي بكر، من أهم المعالم الدينية المزارة في مديرية تريم. وكذلك عشرات الزوايا العلمية الموجودة منذ عهود قديمة وقد كانت منارة للعلم قبل افتتاح الرباط علم 1304هــ .

أقرأيضا: بغداد اليمن..المدينة المتشبثة بالحياة

ووفقاً لمدير عام مكتب الثقافة في مديريات وادي حضرموت أحمد بن دويس، جاء اختيار تريم عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010 تنفيذاً لمشروع برنامج عواصم الثقافة الإسلامية لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم (الإيسيسكو) الذي أقرّ في المؤتمر الإسلامي الثالث لوزراء الثقافة المنعقد بالدوحة في ديسمبر (كانون الأول) 2001، ترشيح مدن إسلامية تختار الإيسيسكو منها ثلاث عواصم تمثل المناطق العربية والأسيوية والإفريقية، على أن تكون مكة المكرمة أول عاصمة للثقافة الإسلامية، وتنفيذاً لذلك أقر مؤتمر وزراء الثقافة للدول الإسلامية في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة في الخرطوم خلال الفترة من 25-27 يونيو (حزيران) اختيار ثلاثين مدينة من الثلاث المناطق العربية والأسيوية والإفريقية لتكون عواصم للثقافة الإسلامية لفترة عشر سنوات بدءاً من عام 2005 إلى عام 2014، وكان الهدف من ذلك هو نشر الثقافة الإسلامية وتجديد مضامينها وإنعاش رسالتها وتخليد الأمجاد الثقافية والحضارية لهذه العواصم ومراعاة للدور الذي قامت به في خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف الإسلامية عبر مسيرتها التاريخية  .

الترويج لتريم داخليا وعالميا

لذلك تستحق مدينة تريم، بان توصف بمدينة العبادة والتسبيح ، وتتربع على قائمة ابرز المدن الإسلامية، غير أن هذا الأمر بحاجة أولا إلى توافق سياسي لمعالجة قضية العدوان على اليمن وتوقيع الاتفاق على الحل السياسي الشامل ، وإنهاء حال الانقسام الحاصل اليوم ، ومن ثم الترويج لمدينة تريم داخليا وعالميا ، فكثير من المواطنين اليمنيين لا يعلمون عن تريم سوى القليل ، وكان تتويج مدينة تريم عروسا وعاصمة للثقافة الإسلامية للعام الجاري 2010م مناسبة عظيمة للترويج للمدنية ، غير ان اليمن دخلت في إشكاليات وازمات متعددة من منذ مطلع العام 2011 وحتى اليوم وهو ما افقد المدينة واليمن عموما فرصة تنشيط الحركة السياحية ، خاصة أن اليمن بشكل عام وتريم بشكل خاص تمتاز بالعديد من المميزات التي تؤهلها لتكون قبلة السياحة العالمية لما تمتاز به من ثقافة واسعة وبمميزات سياحية فريدة وكذلك بما يميز أهلها من كرم وطيبة ومحبة كمختلف المدن والمحافظات اليمنية بشكل عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى