بين “سايكس بيكو” القديمة و”أجندة التقسيم” الجديدة: اليمن في عين العاصفة

بين “سايكس بيكو” القديمة و”أجندة التقسيم” الجديدة: اليمن في عين العاصفة
بقلم: د. حسن حسين الرصابي
الثلاثاء 23 ديسمبر 2025-
ليس ما يشهده اليمن اليوم من تشظٍّ سياسي وتمزيق للنسيج الاجتماعي وليد الصدفة، أو مجرد تداعيات عفوية لصراع داخلي؛ بل هو “هندسة جيوسياسية” دقيقة، حذرنا من إرهاصاتها في كتابنا “الشرق الأوسط الجديد بأجندة صهيونية”. إننا نعيش اليوم لحظة “تحديث” لخرائط التقسيم القديمة، ولكن بأدوات القرن الحادي والعشرين، حيث تُستبدل الجيوش الغازية بـ “وكلاء محليين” ينفذون أجندة تفكيك الدول القوية من الداخل.
الجغرافيا المسلوبة.. من سقطرى إلى باب المندب
عندما حللنا في مؤلفاتنا أهداف “الشرق الأوسط الجديد”، أشرنا بوضوح إلى أن السيطرة على الممرات المائية والمواقع الاستراتيجية هي قلب الصراع. وما يحدث اليوم في جزرنا وموانئنا، من محاولات عزل وتأجير طويل الأمد وتغيير لهوية الأرض، ليس إلا تطبيقاً عملياً لمخطط “خنق الممرات”. إن إضعاف السيادة اليمنية على باب المندب وسقطرى وموانئ عدن والمكلا، هو مصلحة استراتيجية عليا لتلك الأجندة التي تهدف لتأمين طرق التجارة الدولية بما يخدم المركزية الصهيونية في المنطقة، ويحول اليمن من “لاعب إقليمي” إلى “ساحة خدمات” منزوعة الإرادة.
التاريخ يعيد نفسه.. نخب “الوكالة” مقابل “الرسالة الوطنية”
في كتابنا “الرسالة الوطنية.. مضامينها وتوجهاتها”، أكدنا أن الحصن المنيع لأي أمة هو “الوعي الوطني الجامع”. واليوم، نرى محاولات ممنهجة لضرب هذا الوعي عبر تفتيت الهوية اليمنية إلى هويات قروية ومناطقية ومذهبية. إن ما يُسمى بـ “القوى الصاعدة” التي تستمد شرعيتها من عواصم الخارج لا من تراب الوطن، هي تكرار تاريخي لنماذج “الحكام المحليين” الذين نصبتهم القوى الاستعمارية قديماً لتسهيل عبورها. الفرق الوحيد هو أن “المندوب السامي” اليوم يرتدي بدلة إقليمية أو يدير المشهد عبر تطبيقات “الواتساب”.
الميليشيات.. أداة لإنهاء مفهوم “الدولة الضامنة”
إن استبدال مؤسسات الدولة بكيانات عسكرية موازية هو “لغم تاريخي” سيظل ينفجر في وجه الأجيال القادمة. هذا النمط من الإدارة يهدف إلى جعل اليمن “دولة فاشلة” بامتياز، لا تقوى على حماية حدودها أو اتخاذ قرار سيادي واحد. إنهم يحولون “الحق في السيادة” إلى “حق في الارتزاق”، وهو أخطر ما قد يواجه عقيدة الجندي اليمني الذي كان بالأمس حامي الحمى، واليوم يُراد له أن يكون حامي “المصالح العابرة”.
الخلاصة: الرهان على الوعي لا على الفنادق
إن التاريخ لا يرحم الذين يقرؤونه ولا يفهمونه، فكيف بمن يبيعون صفحاته؟ إن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يعتمد على تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، وجد في اليمن “ثغرة” نتيجة غياب الرؤية الوطنية المخلصة لدى بعض النخب. ولكن، وكما فصلنا في “سلسلة الحقوق والحريات في الإسلام”، فإن حق الشعوب في تقرير مصيرها وحفظ كرامتها هو حق إلهي وتاريخي لا يسقط بالتقادم، ولا يملكه نزيل في فندق أو قائد في معسكر ممول.
إن اليمن، بجغرافيته الصعبة وتاريخه الضارب في القدم، سيلفظ كل الأجسام الغريبة التي تحاول استيطانه أو رهن قراره. وما نكتبه اليوم ليس صرخة في واد، بل هو توثيق للتاريخ ليصحو الغافلون قبل أن تُطوى صفحة السيادة اليمنية بمداد الأجندات المشبوهة.
اقرأ أيضا: إمبريالية الحشيش والإرهاب والجاسوسية




