اليمن: صراع تحالف العدوان الخفي وغياب المندوب السامي

اليمن: صراع تحالف العدوان الخفي وغياب المندوب السامي
الثلاثاء 16 ديسمبر 2025-
يتجلى صراع مزمن بين السعودية والإمارات في عدن وجنوب اليمن منذ بداية تحالف العدوان على اليمن. فبينما ظهر جزء منه للعلن، بقي الجزء الأعظم كجبل جليد عائم في الخفاء. وصل هذا الصراع الأسبوع الماضي إلى مرحلة قطع الأعناق، وكشف الستار عن مواجهة حاسمة بين الرياض وأبو ظبي على أرض اليمن. السؤال الملح الآن: من المنتصر ومن المهزوم؟
يبدأ المشهد بقصة الشيخ طحنون بن زايد في الإعلام الأمريكي، حيث سلط فريد زكريا من سي إن إن والواشنطن بوست الضوء على استثماره بملياري دولار في شركة مرتبطة بابن الرئيس ترامب، والحفاوة الاستثنائية التي استقبله بها البيت الأبيض. لكن ما لم يذكره ذلك الإعلام هو أن طحنون ليس مجرد رجل استثمار، بل هو رأس المخابرات الإماراتية والمشرف على ملفاتها في ليبيا والسودان واليمن. لو طبقنا معايير هنري كيسنجر لنجاح رئيس المخابرات – وهي توفير المعلومات، وإدارة الأزمات، والقيام بالعمليات السرية – لوجدنا أن طحنون يجسد هذه المعايير بامتياز.
فمخابرات الإمارات، تحت قيادة طحنون، تمتلك ميزانية لا حدود لها وتعتمد على شراكات استراتيجية مع أقوى الأجهزة في العالم. فهي شريكة للمخابرات الأمريكية في ساحات متعددة، وترتبط بعلاقات عملياتية وثيقة مع الموساد الإسرائيلي، حتى قبل التطبيع الرسمي، خاصة في مجالات المراقبة والأمن السيبراني. طحنون، بصفته أخًا لحاكم الإمارات، ليس موظفًا عاديًا، بل هو صانع قرار وراسم سياسات. لقد أصبح عرّاب “الدبلوماسية الرمادية” للإمارات، مدفوعًا بموارد مالية هائلة ونفوذ سياسي مباشر في واشنطن، مما يوفر له غطاءً لتحركاته الجريئة.
هذه الجرأة تجلت بوضوح في المشهد اليمني خلال الأسبوع الماضي، والذي بدا ظاهريًا كصراع جنوبي–جنوبي، ولكنه في جوهره معركة سعودية–إماراتية تُدار بأدوات محلية. كان العرض العسكري الضخم الذي استعرضه عيدروس الزبيدي ودعمه طحنون بملايين الدولارات إهانة صريحة لرئيس مجلس المرتزقة المدعوم سعوديًا، رشاد العليمي، ولمنصبه ولمكانة السعودية نفسها. تلا ذلك سلسلة من التحركات الأحادية الجريئة: زحف قوات الزبيدي إلى حضرموت، والاستيلاء على منشآت بترو مسيلة النفطية، وطرد قوات منافسيه، ومنع اللواء السعودي القحطاني من دخول سيئون. كل هذه الخطوات كانت تحديات متتالية من طحنون عبر أداته عيدروس، توجهت مباشرة إلى نظيره السعودي وإلى القيادة في الرياض.
في المقابل، بدا الرجلان السعوديان المسؤولان عن الملف، السفير محمد آل جابر واللواء المخابراتي محمد القحطاني، عاجزين عن مجاراة هذه الديناميكية. فبينما يتمتع آل جابر بعلوم اليمنيين ونفوذ كـ”مندوب سام”، فإن ضربات طحنون الاستراتيجية أضعفت موقفه على الأرض. أما القحطاني، الذي يُنظر إليه كرجل لطيف وكريم، فقد فشل – بحسب معايير كيسنجر – في توفير المعلومات الكافية، أو تقديم خيارات سريعة لإدارة الأزمة، أو شن عمليات سرية لمواجهة تحركات الخصم.
يكمن الفارق الجوهري في أن الإمارات تخوض هذه المعركة بوحدة قيادة تحت إمرة “رجل قرار واحد” هو طحنون، يسعى لبناء نفوذ بحري واستراتيجي ممتد. بينما تبدو السعودية، رغم توفر النوايا، تعاني من تعدد المراكز والرؤى، وتخوض في المقام الأول حربًا دفاعية لـ”منع النفوذ الإماراتي” بدلًا من إعادة بناء الدولة. النتيجة التي تكشفت هي انتصار تكتيكي واضح لطحنون والإمارات، وتراجع سعودي واضح، بينما تحول رئيس مجلس المرتزقة إلى مجرد أداة ضغط ثانوية في لعبة كبرى يهيمن عليها الإماراتي.

