اليمن بين أسطورة التفكك وحقيقة الصلابة

اليمن بين أسطورة التفكك وحقيقة الصلابة
بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف
الاحد 14 ديسمبر 2025-
مقدمة: تفكيك الصورة النمطية عن اليمن
لطالما جرى تصوير اليمن، في الخطاب السياسي والإعلامي الغربي والإقليمي، بوصفه بلدًا «قابلًا للاشتعال»، محكومًا بالحروب الداخلية والتناحر القبلي، في مقابل جوارٍ يوصف بالاستقرار. غير أن هذه الصورة، عند إخضاعها للتحليل التاريخي والسياسي، تبدو أقرب إلى الاختزال الأيديولوجي منها إلى الوصف الموضوعي.
فاليمن، عبر تاريخه السياسي الحديث والمعاصر، لم يكن ساحة للفوضى بقدر ما كان مجتمعًا حيًا يمارس آليات التصحيح الذاتي. واليمني، بخلاف الصورة النمطية، لم يكن يومًا مستسلمًا لمسار خاطئ؛ بل كان من أوائل من تمرّد على الملكية حين تجاوزها الزمن، ومن أوائل من ثار على الجمهورية حين انحرفت عن أهدافها. هذه الديناميكية لا تعبّر عن «تخلّف»، بل عن وعي سياسي حاد وحساسية سيادية عالية تجاه الوصاية الخارجية.
من حلف بغداد إلى “الشرق الأوسط الجديد”: إعادة إنتاج المشروع نفسه
ما يتعرض له اليمن اليوم لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأشمل. فمنذ زرع الكيان الصهيوني في فلسطين، تشكّل مشروع استراتيجي غربي–صهيوني هدفه إعادة هندسة المنطقة بما يضمن أمن الكيان وتفوقه.
كان “حلف بغداد” (1955) أول تجلٍ واضح لهذا المشروع، بقيادة بريطانيا، وبمشاركة أنظمة تابعة آنذاك. وقد فشل الحلف فشلًا ذريعًا، ليس بسبب ضعف أدواته، بل بسبب حيوية المجتمعات المستهدفة، وهو ما أعاد إنتاج نفسه لاحقًا بصيغ جديدة: من “الشرق الأوسط الكبير” إلى “الشرق الأوسط الجديد”، وصولًا إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية”.
اليمن اليوم يقع في قلب هذا المشروع، ليس لأنه ضعيف، بل لأنه عقدة جيوسياسية: موقع استراتيجي، إشراف على أهم الممرات المائية العالمية، وامتلاك قرار سيادي مستقل في زمن التبعية.
مشروع تقسيم اليمن: الأهداف الحقيقية
تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، إلى تحقيق جملة أهداف عبر إعادة طرح سيناريو تقسيم اليمن:
1. تحييد اليمن الموحد بوصفه عائقًا أمام أمن “إسرائيل” ومشاريع التطبيع.
2. السيطرة على الممرات المائية (باب المندب، خليج عدن، بحر العرب).
3. الاستحواذ على ثروات الجنوب والشرق (النفط، الغاز، الموانئ).
4. إقامة كيانات وظيفية قابلة للتطبيع والحماية الأجنبية.
وقد جرى تسويق هذا المشروع سابقًا تحت لافتة “مظالم الوحدة”، ثم أُعيد إحياؤه بعد 2015 في ظل الحرب والحصار، وصولًا إلى استثماره اليوم في سياق ما بعد “طوفان الأقصى”.
طوفان الأقصى واليمن: لحظة انكشاف استراتيجي
أثبتت تطورات ما بعد 7 أكتوبر أن اليمن الموحّد يشكّل تهديدًا مباشرًا لمعادلات الردع الصهيونية. فقد تحوّل البحر الأحمر إلى ساحة اشتباك فعلي، وتوقفت حركة ميناء إيلات، وتعرّض العمق الإسرائيلي لاختراقات غير مسبوقة.
هذا الواقع دفع خصوم اليمن إلى القفز نحو خيار أكثر خطورة: تفكيك اليمن من الداخل بعد الفشل في كسره عسكريًا أو احتوائه سياسيًا.
المحافظات الشرقية وحضرموت: قلب الصراع القادم
تشهد المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت، حراكًا سياسيًا وأمنيًا مكثفًا، يمكن قراءته ضمن هذا السياق:
تعزيز الوجود العسكري الأجنبي غير المعلن.
دعم كيانات محلية ذات أجندات انفصالية أو جهوية.
محاولات فصل حضرموت اقتصاديًا وإداريًا عن المركز الوطني.
الترويج لخطاب “الخصوصية الحضرمية” كمدخل للتفكيك.
غير أن هذه المحاولات تصطدم بوعي متزايد داخل حضرموت نفسها، حيث يدرك كثير من الفاعلين أن التقسيم لن ينتج دولة مستقرة، بل كيانًا هشًا تابعًا.
الملكيون والجمهوريون: مفارقة الوطنية والخيانة
يقدّم التاريخ اليمني مفارقة لافتة:
ففي حين رفض بعض رموز النظام الملكي، رغم تحالفهم مع السعودية، التفريط بالأرض والسيادة (مواقف الإمام أحمد، الإمام البدر، والأمير محمد بن الحسين)، شهدت مراحل لاحقة من الحكم الجمهوري تنازلات سيادية جسيمة، أبرزها:
اتفاقية ترسيم الحدود 2000م، وما ترتب عليها من فقدان مساحات شاسعة غنية بالثروات.
تفكيك مؤسسات الجيش والأمن تحت مسمى “إعادة الهيكلة”.
القبول بالاحتلال المباشر وغير المباشر للجزر والموانئ اليمنية.
وهي وقائع موثقة في شهادات سياسية وإعلامية، ووثائق منشورة، ستظل حاضرة في كتابة التاريخ الوطني.
السيناريوهات المحتملة
داخليًا
1. تعزيز الدولة الوطنية الموحّدة – احتمال مرتفع جدًا.
2. إفشال مشاريع التفكيك في الشرق والجنوب – احتمال مرتفع.
3. تسارع الإصلاح المؤسسي والأمني – احتمال مرتفع.
خارجيًا
1. استمرار الضغط السياسي والعقوبات الدولية – احتمال مرتفع.
2. تصعيد إعلامي ودبلوماسي غربي – احتمال مرتفع.
3. فشل عسكري واستراتيجي لمحاولات الردع – احتمال متزايد.
خاتمة
اليمن اليوم ليس في موقع الدفاع التاريخي، بل في لحظة استعادة للذات الوطنية. وكلما تعاظمت الضغوط، ازداد الوعي الجمعي بأن وحدة اليمن لم تعد شعارًا سياسيًا، بل ضرورة وجودية في مواجهة مشاريع الهيمنة.
وكما علّم التاريخ:
اليمن قد يبدو بسيطًا في ظاهره، لكنه حين تُمس كرامته، يتحوّل إلى معادلة عصيّة على الكسر.
المصادر والمراجع
1. قرارات مجلس الأمن الخاصة باليمن (2140، 2216).
2. وثائق مؤتمر الحوار الوطني اليمني.
3. تقارير مركز كارنيغي، مجموعة الأزمات الدولية حول اليمن.
4. دراسات جيوسياسية عن باب المندب والبحر الأحمر.
5. شهادات ووثائق تاريخية منشورة حول معاهدة الطائف واتفاقية ترسيم الحدود 2000م.
* الدكتور: عبدالرحمن المؤلف_ محلل سياسي مختص بالشؤون اليمنية والإقليمية
اقرأ أيضا: الحريزي المناضل الصلب

