اخبار محليةثقافة وسياحة

المتحف الوطني بصنعاء:بوابة اليمن الحضارية  للعالم

المتحف الوطني بصنعاء:بوابة اليمن الحضارية  للعالم

المتحف الوطني بصنعاء:بوابة اليمن الحضارية  للعالم

  هو ثاني متحف تم افتتاحه في اليمن، كان ذلك عام 1971 بينما كانت عدن قد شهدت افتتاح أول متحف عام 1937. ويمثل المتحف الوطني بصنعاء أهم وأكبر متاحف البلاد، إذ يضم مجموعات فريدة من ذخائر آثار اليمن ونقوشه، بعضها يعود للقرن العاشر قبل الميلاد، ويضم في مخازنه، نحو 150 ألف قطعة، ما تم توثيقه منها يصل إلى 40 ألف قطعة، فيما المعروض لا يتجاوز 1600 قطعة.

اُعيد افتتاحه في 28 أبريل الماضي من قبل الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء، احتفاءً باليوم العالمي للمتاحف 18 مايو، واليوم العالمي للتراث 18 أبريل، بعد سنوات إغلاق طويلة، جراء الحرب في اليمن، والتي تسببت بإغلاق 23 متحفًا حكوميًا؛ بينما ما زال الكثير مغلقًا، والبعض منها تضرر كثيرًا، بما فيها متاحف تعرضت لغارات جوية من التحالف كمتحف ذمار الإقليمي الذي دمر تمامًا.

ويمثل الإغلاق تحديًا كبيرًا لمتاحف اليمن؛ باعتبارها تفتقر لإمكانات الحفظ والعناية، بدءًا من عدم توفر مباني مؤهلة للعمل المتحفي، بما تضمه من مخازن مؤهلة بإمكانات حفظ، علاوة على افتقادها لإمكانات التوثيق والترميم، وقبل ذلك إمكانات العرض وقدرات الحراسة الكافية؛ ما يجعل مخزونها عرضة سهلة للسرقة. لقد تعرضت متاحف اليمن، بما فيها المتحف الوطني بصنعاء، لعدد من عمليات السرقة، آخرها سرقة سبعة سيوف تاريخية عام 2013 وتم استعادتها لكن بعد أن تم تقطيعها.

من أبرز وأهم ما يحتويه المتحف الوطني بصنعاء مجموعة القطع الأثرية والنقشية من مواقع الجوف، والتي تعود في بعضها إلى الألف الأول قبل الميلاد، وتمثل ذخرًا حقيقيا للدراسات الأثرية والتاريخية للحضارة اليمنية، على الرغم من أن هذه المجموعة لم يتم العثور على معظمها في مواقع أثرية خلال تنقيبات، وإنما من خلال الحصول عليها من مواطنين.

من أقدم القطع الأثرية التي يضمها المتحف الوطني، على سبيل المثال، تمثال معد كرب، الذي يعود لما بين القرنين الخامس والسادس قبل الميلاد.

يقول وكيل الهيئة العامة للآثار والمتاحف- القائم بأعمال مدير المتحف الوطني، إبراهيم الهادي، إن المتحف الوطني بصنعاء يمثل أهم مخزون متحفي على مستوى اليمن؛ وقد شهد مشاريع عديدة في الترميم والتوثيق وإعادة تأهيله بما يتناسب مع وضعه ومكانته، لكنها لم تكن كافية، وبعضها لم يكتمل.

وأضاف لـ«القدس العربي»: لقد ظل المتحف مغلقًا لسنوات جراء الحرب، إلا أن قيادة الهيئة حرصت على إعادة فتح المتحف في سياق اهتمامها بالعمل المتحفي؛ فكان العمل الدؤوب الذي كُلل بإعادة افتتاحه في 28 أبريل، ومعه متحف الموروث الشعبي الواقع بجواره أمام الزوار.

فيما أشار نائب مدير المتحف، عبدالله إسحاق، إلى حاجة المتاحف اليمنية والمتحف الوطني على وجه الخصوص لمشاريع تستكمل توفير احتياجات العمل المتحفي بما يجعله قادرًا على أداء مهمته على أكمل وجه، لاسيما وأن المتحف معني بذاكرة البلد وتراثه الحضاري؛ وهو ما يستدعي تضافر الجهود الحكومية وغير الحكومية للاهتمام به بدءاً من كادره البشري.

المبنى

اُفتتح المتحف الوطني بصنعاء لأول مرة في مستهل السبعينيات في قصر دار الشكر المطل على ميدان التحرير. ومن ثم أُعيد افتتاحه في الثمانينيات في قصر دار السعادة المجاور لدار الشكر. ويمثل دار السعادة أحد المباني التي شيّدها العثمانيون في صنعاء، وهو المبنى الذي حوّله الإمام يحيى بن حميد الدين ملك المملكة المتوكلية اليمنية قصرًا له، واسماه دار السعادة. وفي العهد الجمهوري تم تحويله في الثمانينيات إلى متحف.

يقع المتحف الوطني في منطقة كان يطلق عليها بستان المتوكل، خارج سور مدينة صنعاء القديمة، ويعود تاريخ هذا الحي إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديدًا فترة حكم الوالي العثماني أحمد أيوب باشا، الذي كان مهتمًا ببناء القصور الأميرية في اليمن، ومن المباني المهمة هذا القصر الذي كان في الأصل مستشفى للجنود العثمانيين، وكان اسمه بيمارستان (المستشفى الصحي العثماني) والذي صار لاحقًا قصر دار السعادة.

يقول نائب مدير المتحف الوطني، عبدالله إسحاق، لـ«القدس العربي»: «كانت هذه المنطقة بالنسبة للوالي العثماني بمثابة منطقة نقاهة. وعقب صلح دعان تحول المبنى إلى مبنى خاص بالإمام يحيى حميد الدين، الذي أحدث تغييرات في المبنى نفسه، واسماه دار السعادة وتحولت المرافق المحيطة بالمبنى إلى وحدات إدارية كوزارات.

وفي العهد الجمهوري تم إعادة افتتاح المتحف الوطني في هذا المبنى المكوّن من خمسة طوابق، بالإضافة إلى عدد من المرافق، ما زال معظمها غير مُستغل؛ بما فيها مرافق كانت ضمن مشاريع ترميم تعثرت لاحقًا بسبب الحرب».

يتميز محيط المكان بفناء واسع تدلف إليه من شارع الشهيد علي عبدالمغني، من خلال بوابة خشبية عريضة وسميكة، تقودك إلى فناء يطل على بوابة أصغر، ما زال بعض آثارها قائما في وسط الفناء، ومنها يقودك الممر المرصوف بالأحجار إلى بوابة مبنى القصر.

تماثيل

بمجرد دخولك إلى بهو الطابق الأرضي ستجد في استقبالك تمثالين برونزيين ضخمين لملكين عظيمين من ملوك مملكة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم؛ وهما الملك ذمار علي يهبر، وابنه الملك ثاران يهنعم؛ ويعود تاريخهما للقرنين الثالث والرابع الميلادي، ويرجعان إلى فترة حكم مملكة حِميّر. بالإضافة إلى هاتين القطعتين يضم الطابق فترينة تحتضن تمثالا برونزيا لشخصية سبئية هامة هوثر عثث، هو تمثال شبه كامل لرجل سبئي يعود للقرن السادس قبل الميلاد، وتظهر لحيته القصيرة وابتسامته الخفيفة، وشعره الملفوف، ويعكس التمثال قدرات فنية تمثل ملمحًا هامًا من ملامح الحضارة اليمنية قبل الميلاد. ويجسد شخصية عاشت في مدينة نشق بمحافظة الجوف، هي هوثر عثث بن رضو إل، وهو رجل ارستقراطي من أسرة شللم.

ووفق باحثين يمثل تمثالا هوثر عثث ومعد كرب معجزة في فن صب القوالب البرونزية في العصر السبئي القديم. ويعد هذا التمثال ثاني أكبر تمثال برونزي بعد تمثال ذمار علي يهبر. وقد تم ترميم تمثال هوثر عام 2006 ومن ثم عرضه في متحف اللوفر في باريس خلال الفترة  مايو ـ أكتوبر عام 2007 قبل عودته وعرضه في المتحف الوطني بصنعاء.

من ضمن معروضات الطابق الأول بجانب التماثيل البشرية هناك تمثال برونزي لأسد في وضعية وقوف، تم ترميمه في متحف اللوفر في نفس فترة ترميم تمثال هوثر عثث، بالإضافة إلى إناء كبير الحجم يرجع للقرنين الخامس والسادس الميلادي في عصر مملكة قتبان في شبوة شرق.

ويعتبر هذا الإناء – حسب عبدالله إسحاق- من الأواني الخاصة بالمعابد، وكان يُستخدم في الطقوس الدينية.

كما يضم الطابق الأول فترينات عرض القطع الأصلية لتمثالي الملكين ذمار علي وثاران يهنعم، عند العثور عليهما عام 1937 في النخلة الحمراء في الحداء في فترة المملكة المتوكلية اليمنية، قبل إعادة صنع تمثالين بهيئتيهما الأصلية في ألمانيا عام 1970 في العهد الجمهوري.

اليمن القديم

في الطابق الثاني من المتحف يتم عرض قطع أثرية ونقوش من تاريخ ممالك اليمن القديم.

لكل مملكة من هذه الممالك جناح مستقل، ومنها سبأ، حمير، معين، حضرموت. وقبل ذلك هناك فترينات تتموضع في الصالة الرئيسية للطابق، وتضم قطعا أثرية من عصر ما قبل التاريخ، ويرجع تاريخ بعضها لما بين عشرة آلاف وستة آلاف سنة قبل الميلاد، أي أنها تعود لعصور الإنسان الحجرية القديمة والحديثة والعصر البرونزي، وفق نائب مدير المتحف.

معبد الآله نكرح

يقول عبدالله إسحاق: «من هذه القطع تبرز الأدوات الخاصة التي كان يستخدمها الإنسان في تلك العصور، منها الأدوات اليدوية، كالفؤوس والمقاشط، ورؤوس السهام، وقطع مختلفة من الأدوات، التي كان يستخدمها الإنسان في العصر الحجري.

في الجناح الشرقي للصالة الرئيسية للطابق الثاني المخصص للتاريخ القديم يتموضع مجسّم لمعبد نكرح؛ وهو معبد عُثر عليه في الجوف في منطقة براقش، ويُعدُّ من ضمن المجموعة الأثرية الهامة الخاصة بالمتحف».

اشتغلت في المعبد البعثة الايطالية في عام1984 وتلى البعثة الإيطالية عملية تنقيبات وحفريات علمية دقيقة، واطلق عليه اسم معبد الآله نكرح، كما اطلق عليه أسماء أخرى كمعبد بنات عاد ومعبد عثتر وغيره من الأسماء، وفق اسحاق.

يشار إلى أن الإله نكرح كان الوصي على مملكة معين في جنوب الجزيرة العربية، وتتفق بعض الدارسات على أنه كان الإله القومي للمملكة في القرن الثامن قبل الميلاد. ويعتبر من المعابد ذات الطراز المعماري المميز في مملكة معين. وتميزت المعابد المعينية بترف الزخارف النقشية، وخاصة على الأعمدة.

من ضمن القطع الموجودة في بهو الصالة الرئيسية شعار مملكة سبأ، ممثلًا في الصقر والثعابنين؛ والثعابنان دليل على وجود الأعداء من الأمام والخلف، واحتدام الصراع مع الدولة المركزية.

في جناح مملكة سبأ في الطابق الثاني، يستكمل إسحاق شرحه: «توجد قطع تعود لعصر مملكة سبأ، ومن ضمنها قرابين وأعمدة تماثيل نذرية مختلفة، وقطع تمثل أواني فخارية مع تماثيل دمى صغيرة، والتي تعتبر أثاثا جنائزيا، والتي تم اكتشافها في أحد المقابر الملكية».

وفي جناح مملكة حِميّر يضيف: توجد تماثيل نذرية من الحجر الكلسي وأوان فخارية وفترينات تحتوي على قطع برونزية منها مسارج، ومباخر، وتماثيل برونزية لحيوانات. وفي جناح مملكة حضرموت تضم الفترينات تماثيل حيوانية مختلفة كالثور والوعل وفترينات أخرى تحتوي على أوان مختلفة من الرخام والفخار والحرض. وفي جناح مملكة معين (يطلق عليها البعض الجوف) توجد فترينات لتماثيل حيوانية منها الجمل والثور والوعل. وجميع القطع الخاصة بهذه الممالك تعود للفترة بين القرن الثامن والقرن الرابع قبل الميلاد.

ضمن الطابق الثاني تتوفر غرفة مخصصة لعرض نقوش خط المسند، والتي تضم مجموعة من النقوش الحجرية الخاصة بالأحداث الرسمية كالانتصارات والنقوش الشعبية المكتوبة بخط الزبور على الأعواد الخشبية (الرسائل الخاصة).

العصر الإسلامي

كان يوجد في الطابقين الثالث والرابع من مبنى المتحف آثار من العصر الإسلامي وآثار من التراث الشعبي؛ إلا أنه تم نقل آثار العصر الإسلامي إلى جناح في أحد مرافق المتحف في فناء المبنى الرئيسي، كما تم نقل جزء من آثار التراث الشعبي إلى متحف الموروث الشعبي المجاور للمتحف الوطني.

وفي صالة العصر الإسلامي تتوزع الآثار على فترينات تعود محتوياتها للقرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر الميلادي، وتعود تحديدًا لعصور الدولتين الأيوبية والعثمانية في اليمن.

ومن أبرز القطع المعروضة في هذه الصالة مسدسات خاصة بشخصيات هامة، وهي مسدسات مدعمة بالمرجان والفضة، بالإضافة إلى قوالب الرصاص، ونماذج من الخوذ والسيوف، وبعض القطع الخاصة بالمحارب، كالتروس والدروع.

كما تضم مقتنيات مدنية كالفوانيس الضوئية القماشية، ومسارج الذبالة، ومرشات العطور، والأواني المزخرفة، وغيرها من المقتنيات التي تعكس بعض مظاهر العصر الإسلامي في تلك القرون الثلاثة باليمن.

كما يتوفر في الطابق الثاني من جناح العصر الإسلامي مجموعة من الصور التاريخية، التي تعبر عن الحياة الاجتماعية والسياسية في اليمن في القرن التاسع عشر، ومن ضمنها جناح خاص بصور الرحالة الألماني هيرمان بروشات، الذي زار اليمن عام 1900 وتنقل بين مناطق مختلفة، والتقط صورًا لبعض مظاهر الحياة حينها.

المومياء

كان المتحف الوطني يضم قسمًا خاصاً بالمومياء؛ إلا أن مضي فترة طويلة على إغلاق المتحف جراء الحرب الراهنة، وعدم صيانة المومياوات تسبب في تلفها.

ويقول نائب مدير المتحف: «تلفت المومياوات؛ لأنها كانت بحاجة للتهوية والصيانة، وهذا يتطلب امكانات ومواد لا تتوفر في اليمن في مرحلة كان يعيش فيها حربا وحصارا».

وفيما يتعلق بمشروع التوثيق أضاف: «وصل توثيق محتويات المتحف إلى عام 2005 وتوقف بعد أن تم توثيق 40 ألف قطعة، مع توقف الدعم الذي كان يأتي عبر الصندوق الاجتماعي للتنمية.

كما حظي المتحف الوطني بمشروع توسعة بدعم هولندي استهدف توسيع المتحف ليضم مجموعة من المتاحف باسم مجمع المتاحف. وتم إنجاز بعض مراحله لكنه توقف عام 2000. من ضمن ما تم إنجازه من المشروع هو ترميم بعض المباني، وإنشاء مخزن أرضي بتمويل يمني هولندي أمريكي، بارتفاع طابقين، وعمق عشرين مترا، ومجهز بأحدث الامكانات لحفظ القطع الأثرية باستثناء بعض القصور في قنوات التهوية؛ هو أمر ما زال يتطلب معالجة حتى الآن».

وشهد المتحف، مؤخرًا، مشروعا باسم «مشروع انقاذ المتحف الوطني» بإشراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو» وتمويل من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية، وتمثل في ترميم الطابق الثاني وغيره، وكان المشروع في مرحلتين، لكن المرحلة الثانية حسب عبدالله إسحاق لم تكتمل.

ويقول: «لقد تأثر المتحف كثيرا خلال فترة إغلاقه الناجمة عن تأثر المبنى بالغارات الجوية للعدوان (التحالف) في المناطق القريبة من المتحف، ما ترتب عليه إغلاق المتحف، ونتيجة الإغلاق تأثرت القطع الأثرية بلا شك؛ لأن القطع الأثرية تحتاج إلى صيانة، في الوقت الذي انقطع الكادر الوظيفي عن العمل مع الإغلاق وتوقف صرف الرواتب».

وفيما نوه باهتمام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بالعمل المتحفي إلا أنه أكد أهمية تضافر الجهود من قبل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في سبيل تعزيز فاعلية الجهد البشري في متاحف اليمن.

*أحمد الأغبري _ القدس العربي

اقرأ أيضا:رحلة إلى مدينة المحويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى