اخبار محليةاقتصاد محليثقافة وسياحة

الصناعات الحرفية في اليمن ..موروث تاريخي واقتصادي مهدد بالاندثار

  الصناعات الحرفية في اليمن ..موروث تاريخي واقتصادي مهدد بالاندثار

  • عبدالرحمن مطهر

الأثنين10فبراير2025_  اشتهرت اليمن على مدى التاريخ بالصناعة المختلفة ،خاصة الصناعات الحرفية كصناعة الحلي والفضيات وغيرها ، حتى أن المرخون يرجعون سبب تسمية العاصمة صنعاء بهذا الاسم لكثرة الصناعات الحرفية فيها ،خاصة صناعة الأسلحة كالسيوف والخناجر والسهام وغيرها، الأمر الذي يؤكد مدى إبداع الإنسان اليمني الذي أتقن فن الصناعات المختلفة منذ القدم.

وتمثل الصناعات الحرفية عصب الحياة وشريانها الاقتصادي، خاصة في الوضع الحالي التي تعيشه اليمن منذ عشر سنوات بسبب الحرب  ، وانقطاع رواتب الموظفين الحكوميين.

وتعدَّ الصناعات الحرفية من الموروثات الحضارية التاريخية العريقة التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل ، وتزخر اليمن بعدد كبير من الصناعات التقليدية التي أبدع فيها الإنسان اليمني منذ القدم، وتنوعت باختلاف المناطق الجغرافية وطبيعة كل منطقة،وهذا ما يميز اليمن حيث تحتوي كل منطقة أو محافظة يمنية على صناعات حرفية تتميز بها هي دون غيرها ، وتعكس هذه الحرف الطابع التراثي والثقافي،لكل محافظة من المحافظات اليمنية ،كما تظهر عدداً من الملامح التراثية والدينية التي ميزت اليمن عن باقي بلدان جنوب الجزيرة العربية.

استخراج الحديد والنحاس والرصاص

 يقول إبراهيم الهادي وكيل هيئة الآثار بصنعاء ،اليمنيون يستخرجون معادن الحديد والنحاس والرصاص الأسود حيث عرف الحديد والرصاص في منطقة نهم، وعرف أيضاً في جبل نقم وكان الحميريون يصنعون من الحديد السيوف الحميرية وكذلك عرف الحديد في بلاد برط بمحافظة الجوف.

أما النحاس والفضة فقد عرف في ذمار خاصة في بلاد آنس.. وبالنسبة للنحاس الأحمر فقد عرف في البيضاء، وكذلك وجدت العديد من المعادن في الكثير من المناطق اليمنية، مما يعني أن الإنسان اليمني  عرف قديماً مختلف المعادن واستخدمها في الكثير من الصناعات الضرورية،وقد ذكرت كتب اليونان والرومان عما يملكه السبئيون في بلاد اليمن من أثاث وحلي مصنوعة من الذهب والفضة يصعب وصفها، ولعل ذلك ما جعل الرومان يشنون حملتهم العسكرية الفاشلة على اليمن خاصة على مملكة معين .

وتابع إبراهيم الهادي كلامه قائلا :ولعل ما ذكره المؤرخ أبو الحسن الهمداني في كتابه الجوهرتين العتيقتين عن منجم «الرضراض» في منطقة نهم ونتائج الدراسة الأثرية على الكربون 14 المشع والتي أكدت أن المنجم استخدم ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، الأمر الذي يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن اليمنيين هم أول من استخرج الفضة، مما يعني أنهم أيضاً أول من استخدمها وطوعها لخدمة الإنسان.

كما أن موقع اليمن الجغرافي المتميز والمطل على طريق التجارة الدولية في ذلك الوقت، جعل منها سوقاً رئيسياً لتصدير الفضة والأحجار الكريمة وغيرها من المشغولات اليدوية إلى أوروبا وغيرها من أصقاع العالم مما زاد من الإقبال على المصنوعات والمنتجات اليمنية الراقية، كما أن الكتابات الرومانية التي يرجع تاريخها إلى القرن السابع عشر الميلادي تتحدث عن مناجم الفضة في اليمن التي ذكرتها، كذلك النصوص الآشورية التي اعتبرت الفضة مصدراً للقوة يمكن أن تحل العديد من المشاكل والأزمات الطارئة وخصوصاً عند النساء اللاتي  كن يكتنزن الذهب والفضة لارتدائها في المناسبات حتى أصبحت وسيلة هامة لاجتذاب اهتمام الرجال والتفاخر فيما بينهن.

لهذا اشتهرت معظم المناطق والمدن اليمنية بالصناعات المختلفة كل حسب المواد المتوفرة في كل منطقة، ومن أبرز المدن اليمنية التي عرفت واشتهرت بالصناعة مدينة صنعاء التي عرفت على مدى التاريخ بأنها مدينة الصناعة حتى إنها سميت بهذا الاسم لكثرة الأعمال الصناعية والحرفية التي يحترفها سكانها.

صناعة الفضة في صنعاء القديمة

ومن أشهر الصناعات الفضية في أسواق صنعاء القديمة  هي الصناعات الفضية المرصعة بالعقيق كصناعة الحلي بمختلف أشكاله والذي يلقى رواجا في أوساط المواطنين والسياح الأجانب وكذلك  صناعة الصناديق الخشبية المرصعة بالعقيق والفضة ،  وأيضا الفوانيس والأباريق والمرشات والمباخر ذات الأشكال المختلفة وأيضا الجنابي المرصعة بالفضة أو المرجان .

وللقصة العديد من الأنواع حسب الجودة حيث تأتي في المقدمة الفضة البوسانية بعدها الفضة البديحية أما في المرتبة الثالثة فتحتلها المنصورية والرابعة الأكوعية.

يقول حسين الحرازي ،وهو حرفي في صناعة الحلي النسائية خاصة المتعلقة بالعرائس ،  وقد سميت الأكوعية بهذا الاسم نسبة إلى أسرة بيت الأكوع والتي اشتهرت بصناعة هذا النوع من الفضة منذ سنوات عديدة ، خاصة في صناعة أغمده الجنابي «العسوب»  غمد الخنجر اليمني، ومن ثم الفضة الزيدية نسبة لمدينة الزيدية في محافظة الحديدة وتتميز باعتمادها على الزخارف النباتية بشكل أساسي في صياغتها. كما اشتهرت هذه المدينة الساحلية بصناعة السيوف وصناعة العصي المزينة بزخارف نباتية وحيوانية من الفضة وهناك أنواع أخرى غير أنها أقل جودة.

كما أبدع الحرفي اليمني في هذه الصناعات من خلال دقة الصنع وكذلك صناعته للعديد من التحف الفضية والقلائد والختم التي تستخدم كزينة في الصدر وقد سميت بهذا الاسم؛ لأنه يكون بداخلها القرآن الكريم بخط صغير جداً ويعلق على الصدر كحرز، أيضاً هناك المكاحل والعصب التي تزين بها العروس وسميت بهذا العصب لأنه يربط بها الرأس وكذلك الأساور الفضية وأيضاً الخلال والخواتم ،وهذا النوع تحديدا يتميز في صناعتها حسين الحرازي .

ويقول حسين الحرازي أيضا : بأنه يحاول تلبية كل ما تطلبه العروس ،خاصة أن أسرته تمتلك محل كوافير نسائية بالقرب من محله لذلك يحاول تلبية كل ما تطلبه العروس من زينة حسب لبسها من فساتين مرصعة بالفضة أو بالخيوط الذهبية وأيضا حسب تسريحة شعرها .

 ويتابع قائلا :أيضاً هناك قلائد كبيرة تعلق على الصدر تسمى «لبَّة» كذلك كانت ومازالت تلبس العروس بعض الأزياء النسائية المطرزة بالفضة وبالعقيق أو عقود من المرجان المزينة بالفضة والتي عليها أحراز تعلق على صدر المرأة النفاس غالباً.

زينة البيت الصنعاني

أيضا كانت هناك المباخر والمزاهر والمواقد الفضية من أساسيات البيت الصنعاني إلى ما قبل سنوات قليلة، قبل أن تغزوها المنتجات المستوردة خاصة الصينية ، ومما زاد من جمال الصناعات الفضية هو إبداع الحرفي اليمني بتطعيم هذه الصناعات بالأحجار الكريمة والعقيق اليماني والذي مازال الأكثر شهرة وارتباطاً باليمن واليمنيين، حيث يحرص اليمنيون على التزين به كخواتم في أصابع اليدين للرجال والنساء كما يدل على مكانة الشخص الاجتماعية.

معتقدات وأساطير

كما ارتبط العقيق اليماني في أذهان اليمنيين بالكثير من المعتقدات والأساطير، حيث يوجد بعض فصوص العقيق الخاصة بوقف نزيف الدم وبعضها لتفريج الهموم والكرب، وهناك من يعتقد أنه يجلب الفرح والسرور على قلب صاحبه ويدفع الشر والسوء أيضاً، وهناك الكثير من الأساطير التي تدور حكاياها وقصصها حول العقيق وأنواعه وألوانه الزاهية المتعددة، وللأسف الشديد لا توجد حتى اليوم دراسات علمية حقيقية للتأكد من فائدة بعض أنواع الأحجار الكريمة وفوائدها الطبية، سواء كانت تلك الحكايات والأساطير حقيقية أو خيالية فإن المؤكد أنها استطاعت أن تسحر قلوب وعقول من يشاهدها لدقة صنعتها وجمال وروعة مظهرها وهو ما جعل العديد من السياح الزائرين لمدينة صنعاء القديمة لا يترددون أبداً في اقتنائها.

اقرأ أيضا:وزارة الثقافة والسياحة تدين التفريط والاستهتار بثروات اليمن وتراثه

وقبل حوالي عشرون عام كانت أسعار عقود المرجان التي تتزين بها المرأة اليمنية بسيطة حيث لا يتعدى العشرون ألف ريال للعقد الواحد تقريبا، أو حوالي 35 دولار فقط ، وحاليا قفز سعر العقد الواحد إلى أكثر من مليون ريال ، أو ما يساوي 2000 دولار ، ويرجع البعض سبب ارتفاع أسعار المرجان إلى استيراد الصين لكميات كبيرة منه لإدخاله في مستحضرات التجميل، وقد يدخل في صناعات أخرى .

أنواع العقيق

وللعقيق اليمني العديد من الأنواع والألوان خاصة أنه موجود في العديد من المناطق والمحافظات اليمنية، ولعل أشهرها العقيق الأحمر الصافي والذي يعتبر من أجمل وأروع أنواع العقيق؛ لذلك يكون ثمنه مرتفعاً ويلبسه الوجاهات الكبيرة في المجتمع، يأتي بعده في المكانة والجمال والثمن العقيق الرماني والذي عادة ما يميل إلى لون الرمان، ثم العقيق الغامق أو ما يسمى بالعقيق الكبدي.

رسومات غاية في الإبداع

من العوامل التي تزيد من قيمة وثمن وجمال العقيق، إضافة إلى لونه الرسومات الطبيعية جراء  الرسم على هذه الأحجار الكريمة والتي تكون على شكل يوحي أنه لفظ الجلالة أو اسم الرسول الكريم محمد «صلى الله عليه وآله وسلم» أو أشكال نباتية أو هندسية،أو صور لزعماء عرب ، وبعض فصوص العقيق أو بالأصح معظمها تكون خالية من أي رسوم أو أشكال كتابية أو هندسية أو نباتية.

وفي هذه الحالة يتدخل الحرفي بخبرته الواسعة في هذا المجال لرسم هذه الفصوص مع مايناسبها من أشكال حسب حجمها ولونها أيضاً وببراعة فائقة توحي لمن يشاهدها وكأن ما عليها من رسوم وأشكال هي طبيعية .

صناعة الأواني الحجرية

كذلك هناك صناعة الأواني الحجرية  ، أما ما تسمى بالهجة العامية في اليمن بـ “المقالي” والتي تستخدم خاصة في تحضير الكثير من الوجبات كاللحوم وغيرها ، غير أن وجبة “السلتة” الشهيرة في عموم المحافظات اليمنية خاصة في المحافظات الشمالية.

حول ذلك يقول حسين الرازحي صاحب محل لصناعة “المقالي”لـ خيوط  بأن هذه الأواني مصنوعة من الأحجار وليس كل الأحجار ممكن تعمل منها هذا النوع من الأواني ، فهي أحجار معينة يتم إحضارها من محافظة صعدة شمال اليمن .

ويضيف لـ خيوط بأنه يعمل في هذه الحرفة منذ نعومة أضافره وهو اليوم يبلغ من العمر تقريبا 55 عام، وقد اكتسب هذه الحرفة من والده، ويتابع قائلا بأن العمل في هذه الحرفة لم يعد صعبا كما كان سابقا ، وذلك لتوفر العديد من الآلات الكهربائية الحديثة والتي ساعدت كثيرا في عمل المشتغلين بهذه الحرفة  إلى جانب الأدوات التقليدية التي أيضا لا يتم الاستغناء عنها.

  مهددة بالاندثار

غير أن الصناعات والحرف اليمنية التقليدية التي اشتهرت بها اليمن منذ الأزل باتت اليوم مهددة  بالانقراض وذلك بسبب تشويه صورتها وجودتها بسبب إغراق السوق اليمنية بشكل عام وأسواق صنعاء القديمة بشكل خاص بالمنتجات والسلع الفضية الأجنبية والتي تقلد الصناعات اليمنية تماماً ورخيصة الثمن مقارنة بالصناعات اليمنية، ولكنها رديئة جداً، حتى الأواني الحجرية “المقالي” يتم استيراد شبيها لها من الصين ومن مواد غير حجرية وإنما بلاستكية ومخلوطة ببعض المواد الأخرى كما يقول حسين الرازحي ولا يعرف حتى الآن مدى خطورتها خاصة مع تعرضها للنار بشكل كبير ومستمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى