اخبار محلية

الدكتور الدرويش يتحدث عن خيارات صنعاء إزاء التصعيد السعودي الإماراتي في حضرموت والمهرة

الدكتور الدرويش يتحدث عن خيارات صنعاء إزاء التصعيد السعودي الإماراتي في حضرموت والمهرة

الأربعاء 17 ديسمبر 2025

تحدث الدكتور نبيل أحمد الدرويش خيارات حكومة صنعاء إزاء التصعيد السعودي الإماراتي في حضرموت والمهرة، وذلك في ورقة تحديد موقف قدمها لمركز آفاق اليمن للدراسات والأبحاث.

تشهد محافظتا حضرموت والمهرة تصعيدًا بين وكلاء السعودية والإمارات في سباق نفوذ يسبق أي اتفاق سياسي محتمل. الانتقالي المدعوم إماراتيًا يوسع سيطرته على مواقع استراتيجية، بينما تحاول السعودية الحفاظ على توازن نسبي عن طريق قوات ما يسمى “درع الوطن” والتحالفات المحلية، القبائل تعمل بوصفها عاملًا موازنًا لحماية مواردها ونفوذها، مما يجعل الوضع معقدًا، ويحتاج إلى تدبر دقيق من حكومة صنعاء، مع وجود فرص لتعزيز النفوذ المحلي وحماية الموارد، مقابل مخاطر فقدان السيطرة على المنشآت الحيوية وتأثير الموقف التفاوضي.

وتواجه حكومة صنعاء خيارات عسكرية وسياسية متعددة، تتراوح بين تعزيز التحالفات المحلية، وإعادة الانتشار المحدود للسيطرة على الموارد الحيوية، أو الاستعداد لتعامل تكتيكي مع أي تصعيد شامل. السيناريو المرجح يشير إلى استمرار توازن القوى مع اشتباكات تتراوح حدتها بين التصعيد المحدود والواسع أحيانًا، أما السيناريو المتفائل فيوفر فرصة لتعزيز النفوذ والاستقرار، في حين يحذر السيناريو المتشائم من توسع النفوذ الإماراتي وفقدان السيطرة شرق اليمن.

أولًا: توصيف الموقف الراهن:

منذ حوالي أسبوعين وأكثر تشهد محافظتا حضرموت والمهرة شرقي البلاد تصعيدًا عسكريًا وأمنيًا حادًا، بعد اندلاع مواجهات بين وحدات محلية مدعومة إماراتيًا من جهة، وتشكيلات قبلية وقوات قريبة من سلطنة عُمان والسعودية من جهة ثانية، وتركّزت المواجهات في مديريات سيئون والقطن وشبام؛ إذ حمَل «تحالف قبائل حضرموت» الإمارات مسؤولية قيام قوات موالية لها بتنفيذ «تسلل مسلح» وُصف بأنه «اعتداء خارجي مفاجئ» ([1]) يهدد التوازن المحلي القائم.  وقد تمكَّنت هذه القوات من السيطرة على مواقع استراتيجية داخل حضرموت والمهرة، شملت مدنًا ومواقع نفطية ([2]).

ووفقًا لتقارير محلية، سيطرت “القوات الجنوبية” المدعومة إماراتيا على مواقع حساسة في المهرة. وكانت قوات تابعة لذات الفصيل، قد انتشرت في وادي حضرموت، واستولت علـــى مقر اللواء 23 ميكانيكي فـــــي مديرية العبر (شمال غرب حضرموت) التابع لحكومـــة المنفى ([3]).

في مواجهة ذلك، أعلنت قوات “درع الوطن”، المدعومة من السعودية، عن توسع انتشارها في محافظات الشرق (حضرموت والمهرة) لتنفيذ ما وصفتها بـ«ثلاث خطوات ميدانية»؛ لتأمين مطار الغيظة الدولي في المهرة، وتأمين خطوط العَبَر/الخشعة والعَبَر/الوديعة في حضرموت، واستلام المواقع العسكرية التابعة للواء 23 ميكانيكي ([4]).

يرافق هذه التطورات تغيّر حقيقي في خريطة السيطرة: سيطرة شبه كاملة لقوات الانتقالي على مناطق واسعة في حضرموت والمهرة، بما فيها مواقع نفطية ومناطق استراتيجية؛ ما يفتح بابًا أمام متغيرات جديدة منتعلقة بالسيطرة على الموارد والنفوذ الإقليمي ([5]).

وخلاصة الموقف الراهن، أن المحافظات الشرقية تشهد إعادة تشكيل واسعة للنظام الأمني وسط سباق سعودي إماراتي لفرض وقائع ميدانية قبل أي تسوية سياسية، بينما تتحرك القوى القبلية فاعلًا مستقلًا داخل هذا المشهد المتغير. تبدو حضرموت والمهرة في حالة من عدم الاستقرار المفتعل في ظل تعدد الحسابات الإقليمية، خصوصًا مع حضور عُمان وتفاقم الفراغ داخل معسكر خصوم صنعاء، وبلغ التنافس ذروته مطلع ديسمبر 2025، متجاوزًا السيطرة العسكرية إلى اختبار القوة بهدف تحسين المواقع التفاوضية، ما يجعل التطورات الحالية ذات دلالات استراتيجية تتخطى حدود المحافظتين، وتمتد إلى مستقبل شكل اليمن وملفاته السيادية.

ثانيًا: الفاعـلين الأساسيين ودوافعهم

أ- المجلس الانتقالي الجنوبي / الإمارات:

1- دوافع عسكرية وسياسية: تتمثل في السيطرة على مواقع استراتيجية نفطية وموانئ المحافظات الشرقية ([6])، وإضعاف النفوذ القبلي فيها؛ لتعزيز النفوذ المباشر في هذه المناطق، وفرض واقع ميداني يخدم المشروع الانفصالي أو إدارة شبه ذاتية، بالاستفادة من الفراغ السياسي المحلي، وتراكم الإرهاق الشعبي من الحرب المستمرة.

2- دوافع اقتصادية: تتمثل في السيطرة على الموارد النفطية والموانئ؛ لتعزز القدرة على التمويل الذاتي لمشاريع محلية وتدعم شبكة مصالح إماراتية- انتقالية.

3- دوافع استراتيجية تفاوضية: خلق وضعيات ميدانية متقدمة لتقوية موقعهم في أي مفاوضات مستقبلية مع صنعاء أو أطراف إقليمية أخرى.

ب- السعودية وحكومة المنفى / قوات درع الوطن

1- الدوافع العسكرية: منع تفرد الإمارات بالسيطرة على الشرق عن طريق الانتقالي الموالي لها، وتثبيت تواجد «درع الوطن» الموالي للرياض على نقاط حيوية (مطار الغيظة- طرق استراتيجية- بعض المنشآت النفطية) ([7]).

2- الجانب السياسي: الحفاظ على وحدة ظاهرية للمناطق الجنوبية والشرقية ضمن إطار الحكومة المعترف بها دوليًا، وتوظيف استياء التحالفات القبلية والسياسية المحلية لمواجهة النفوذ الإماراتي.

3- الاستراتيجية التفاوضية: تعزيز القدرة على الضغط على الانتقالي في أي تسوية، وإبقاء فرص التفاوض مفتوحة لتقليص النفوذ الإماراتي.

ج- القوى القبلية والمحلية (تحالف قبائل حضرموت وغيرها):

1- الدوافع الدفاعية: الرد على التسلل المسلح لأدوات الإمارات والتغييرات التي أحدثتها في موازين القوة وتهديد الأمن المحلي والموارد، وتقويض النفوذ القبلي ([8]).

2- المصالح القبلية: الحفاظ على الهوية التقليدية، النفوذ المحلي، والسيطرة على الموارد دون تدخل خارجي.

3- السياسة الأمنية: رفض استخدام السلاح الخارجي لتصفية حسابات محلية أو تنفيذ مشاريع أجنبية على حساب الاستقرار وطبيعة التركيبة القبلية.

4- الدور الاستراتيجي: القوى المحلية تعمل عامل توازن، ووجودها ضروري؛ لتثبيت أي حل سياسي أو عسكري مستقبلي.

علما أن تحالف قبائل حضرموت يتلقى دعما مباشرا من السعودية.

ثالثًا: التداعيات المحتملة على حكومة صنعاء:

أ- في الجانب العسكري:

1- التهديد المباشر للأمن شرق البلاد: التمدد السريع لقوات المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيًا في حضرموت والمهرة يزيد من احتمالية وقوع اشتباكات مباشرة قرب حدود المناطق الحرة المدارة من حكومة صنعاء، مع مخاطر على خطوط الإمداد والطرق الحيوية.

2- تعدد المراكز الميدانية: دخول تحالفات محلية وقبائلية طرفًا فاعلًا يضاعف تعقيد الوضع الميداني، ويجعل من الصعب على حكومة صنعاء السيطرة على مسار الأحداث بالاعتماد على قوة عسكرية محدودة أو تحركات سريعة.

3- إمكانية التصعيد المفاجئ: مع إدخال تعزيزات متسارعة لأي من الطرفين تتضاعف احتمالات اشتباكات وتغيير سريع على الأرض ([9]).

ب- في الجانب السياسي والتفاوضي:

1- التمثيل والتفاوض الخارجي والداخلي: تحركات السعودية والإمارات لإنشاء وقائع ميدانية جديدة قبل أي اتفاق سياسي شامل تقلل من قدرة صنعاء على التأثير في مسار المفاوضات المستقبلية، لكن في المقابل أمام صنعاء فرصة لاستعادة دورها بوصفها حاميًا لوحدة الدولة.

2- ضغط على التحالفات الإقليمية: مع تدخل عُمان بشكل محدود للحفاظ على التوازن، تتحول حضرموت والمهرة إلى ساحة ضغط دبلوماسي إضافية على صنعاء، تتطلب إدارة حذرة للعلاقات الإقليمية ([10]).

ج- في الجانب الاقتصادي:

على رغم كل المساوئ، إلا أن هذا الوضع يمكن أن يتيح لصنعاء فرصًا لإعادة التفاوض على استغلال الموارد المحلية مع القوى القبلية، في حال جرى التعامل مع الملف بذكاء استراتيجي ([11]).

د- على مستوى شبكة التحالفات:

1- تحولات في الولاءات المحلية: القبائل والتحالفات المحلية، مثل تحالف قبائل حضرموت، باتت قوة وازنة يمكن دعمها واستثمارها في تفكيك أي مشروع إماراتي مستقل.

2- تعزيز النفوذ الإقليمي: تدخل السعودية والإمارات يضع حكومة صنعاء أمام تحدٍّ استراتيجي لتأمين تحالفات جديدة أو إعادة ترتيب التحالفات القائمة لضمان مصالحها ([12]).

رابعًا: الخيارات المتاحة أمام حكومة صنعاء:

أ- الخيارات السياسية والدبلوماسية:

1- استثمار التحولات الحالية: لاسيما اهتزاز الثقة الدولية بفاعلية التحالف وارتفاع كلفة الحرب- لدفع مسار توسّع دائرة التعامل السياسي، وفتح قنوات جديدة مع الفاعلين غير الغربيين (الصين، روسيا، جنوب إفريقيا، البرازيل)، ومع منظمات دولية أممية.

2- توظيف هوامش التباينات داخل التحالف السعودي الإماراتي: سواء عن طريق تعزيز الحوار غير المعلن مع السعودية، أو كشف الضغوط الإماراتية في الملفات الحساسة لإبقاء الرياض داخل معادلة التسوية بدل الانزلاق لمربعات أكثر تشددًا.

3- ترتيب البيت الداخلي لتحسين موقع التفاوض: إن تعزيز كفاءة المؤسسات، وتثبيت سياسة مالية منضبطة، وتحديث الهياكل الإدارية، كلها عناصر تزيد وزن صنعاء السياسي، وتُظهر قدرتها على الحكم والإدارة، بالتوازي مع وزنها العسكري الملحوظ.

4- كسر الجمود في مسار الاتصالات الإنسانية والاقتصادية: ورقة سياسية ناعمة يمكن استخدامها في فتح مطار صنعاء، وتوسيع الحركة التجارية، وتحسين تدفق المواد الإنسانية، دون تقديم تنازلات استراتيجية.

ب- الخيارات العسكرية والأمنية:

1- استمرار الضغط العسكري المنضبط منخفض الكلفة: سواء في البحر الأحمر أم جنوب المملكة، هذه التكتيكات أثبتت فاعليتها في فرض معادلات جديدة دون الانزلاق إلى حرب شاملة، هذا الخيار يظل قابلًا للتحكم بجرعته ووتيرته بحسب تغير السياق السياسي.

2- توسيع نطاق الردع البحري وفق قواعد اشتباك محسوبة: عن طريق مراقبة وتقييد حركة السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي أو الداعمة لها، ضمن إطار “الردع المرتبط بالعدوان على غزة” ما يزال يحقق مكاسب سياسية وإعلامية لصنعاء، وتوسيع هذا الخيار يظل ورقة ضغط فعّالة.

3- تعزيز الجاهزية الدفاعية داخل الجغرافيا المحلية: بتحصين الساحل الغربي، وإعادة التموضع في بعض الجبهات الداخلية، ورفع مستويات الدفاع الجوي، كلها إجراءات تمنح صنعاء قدرة على صد أي محاولات لفتح جبهات جديدة أو استغلال انشغالها الإقليمي.

خلاصة هذه الخيارات: أن الجمع بين الضغط العسكري المحدود والانفتاح السياسي المنضبط، يمنح صنعاء القدرة على وضع الآخرين أمام معادلة مفادها: “التسوية أقل كلفة من استمرار المواجهة”.

خامسًا: تقدير السيناريوهات المحتملة:

أ- استمرار التصعيد المحدود وتوازن القوى، وبقاء الوضع الحالي متأرجحًا بين الأطراف، مع استمرار وجود نقاط اشتباك منخفضة الحدة، وتدخل القبائل المحلية عاملًا موازنًا. وهذا السيناريو المرجح يمنح صنعاء مجالًا لإعادة ترتيب التحالفات المحلية واستغلال الفراغ السياسي النسبي لتعزيز حضورها في الشرق.

ب- تحجيم النفوذ الإماراتي وانسحاب قوات الانتقالي من مواقعها الجديدة بسبب الضغوط الميدانية أو الدبلوماسية، ما يساعد على تحسين الموقف التفاوضي لحكومة صنعاء مع أطراف الصراع.

ج- تصعيد شامل وسيطرة كلية للإمارات على مختلف المحافظات الجنوبية، مع رضوخ السعودية للأمر الواقع، ما يعني تراجع فرص حكومة صنعاء الميدانية والتفاوضية، وتعزيز سيناريو انفصال الجنوب، ضمن مخطط خارجي تتكشف ابعاده يوما بعد يوم.

([1]) Hadramowt Tribal Alliance Accuses UAE of Escalation and Invading the Governorate,

5 December 2025, yemen monitor, at: https://2u.pw/cZaNx1

([2]) UAE-backed STC captures major Hadhramaut, Al Bawaba 25, 5/12/2025, at: https://2u.pw/584RV1

([3]) القوات الجنوبية تسيطر على المهرة، وتنتشر في وادي حضرموت، صحيفة الأيام، 4 ديسمبر 2025، متاح على الرابط:

https://2u.pw/gOPIli

([4]) قوات درع الوطن توسع انتشارها في حضرموت والمهرة، موقع الجزيرة نت، 5 ديسمبر 2025، متاح على الرابط:

https://2u.pw/REdoA6

([5]) Seizure of South Yemen by UAE-backed forces could lead to independence claim, The Guardian, 8/12/2025, at: https://2u.pw/Ixoupi

([6]) UAE-backed separatists tighten grip over southern Yemen, and airspace is briefly closed, AP News, 8/12/2025, https://2u.pw/SkMm53

([7]) العزب، فخر: انفصاليو جنوب اليمن يتمددون: حضرموت والمهرة تحت سيطرة “الانتقالي”، موقع العربي الجديد، 5 ديسمبر 2025، متاح على الرابط: https://2u.pw/gXFDVC

([8]) Saudi Arabia’s Efforts to Contain the Advance of UAE-Backed Forces in Yemen, AVA Press, 7 December 2025, at: https://2u.pw/2JTifs

([9]) قوات درع الوطن توسع انتشارها في حضرموت والمهرة، موقع الجزيرة نت، 5 ديسمبر 2025، متاح على الرابط:

https://2u.pw/REdoA6

([10]) UAE-backed STC captures major Hadhramaut, Op. Cit.

([11]) القوات الجنوبية تسيطر على المهرة، وتنتشر في وادي حضرموت، مرجع سابق.

* د: نبيل أحمد الدرويش – سياسي وباحث أكاديمي

اقرأ أيضا: جنوب اليمن بين الاستعمار المباشر والاستعمار بالوكالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى