كتابات فكرية

الحرب بين القدر الإلهي والخطيئة البشرية

الحرب بين القدر الإلهي والخطيئة البشرية

  • أمين الجبر

الجمعة 4يوليو2025_

تطرح الحرب في سياقها الإنساني والسياسي إشكالية جوهرية: هل هي قدر إلهي محتوم أم خطيئة بشرية نابعة من طبيعة الإنسان؟.

من منظور فلسفي، تُعد الحرب انعكاسًا لصراعات السلطة والطموحات البشرية التي تستند إلى نزعات عدوانية متجذرة، بينما يؤمن الموقف الديني الإسلامي بأن الحرب تقع بمشيئة الله ضمن نظام القدر، مع تحميل الإنسان مسؤولية أخلاقية كاملة عن أفعاله. هذا التوازن بين القدر والمسؤولية يشكل الإطار الأخلاقي والسياسي الذي يجب أن يُبنى عليه أي تصور، سواء للعدالة الانتقالية البشرية،  أو للعدالة الإلهية الحتمية.

فالحرب ليست ظاهرة عشوائية، بل هي نتاج تراكمات متشابكة من الأسباب السياسية، الاقتصادية، والهوية الأيديولوجية التي تتغذى على نزعات السيطرة والانتقام. تبدأ بالحوار وتتحول إلى صراع مسلح، حيث يشكل العنف أداة حاسمة في فرض الإرادات، ويظل المجتمع البشري يدفع ثمن هذه المعاناة عبر أجيال من التمزق والضعف المؤسسي.

في ظل هذا الواقع الدراماتيكي، تبرز العدالة الانتقالية كآلية سياسية حتمية لإعادة بناء الوطن على أسس متينة من السلام والعدل. العدالة الانتقالية ليست خيارًا بل ضرورة إستراتيجية لإعادة تأسيس الدولة، وتحقيق الاستقرار، ومنع الانزلاق إلى دوامات جديدة من العنف.

والتي ينبغي أن يكون  لها مرتكزات أساسية،  تتمثل في الآتي:

– اتفاق سلام شامل ومسار سياسي انتقالي يضمن مشاركة جميع الأطراف ويؤسس لمرحلة جديدة من الحكم الرشيد. 

– سلطة شرعية قوية قادرة على فرض القانون وتحقيق العدالة دون استثناء. 

– عملية تشاورية وطنية واسعة تشمل كل مكونات المجتمع المدني والسياسي لضمان شمولية الحلول وشرعيتها. 

وتتحدد  أهداف العدالة الانتقالية السياسية في:

– نقل المجتمع من حالة النزاع المسلح إلى دولة القانون والمؤسسات، حيث يسود السلام الدائم والاستقرار السياسي. 

– تضميد جراح المجتمع  عبر كشف الحقائق وإنصاف الضحايا، وإحقاق العدالة الجنائية. 

– استعادة الثقة بين المواطن والمؤسسات العامة، وتعزيز الوحدة الوطنية. 

– تنفيذ إصلاحات مؤسسية عميقة تضمن عدم تكرار الانهيار السياسي والاجتماعي. 

علاوة على ذلك ثمة خصائص للعدالة الانتقالية السياسية تتركز في:

– محكومة بمبادئ حقوق الإنسان واحترام كرامته، أيا كان معتقده وتوجهه. 

– مرحلية ومؤقتة لكنها ذات تأثير طويل الأمد على بناء الدولة. 

– تشاركية وشاملة تعكس التنوع السياسي والاجتماعي في المجتمع. 

– انتقائية في معالجة القضايا الأساسية التي تهدد السلم الأهلي. 

– تسعى إلى المصالحة الوطنية  كهدف استراتيجي بعيد المدى. 

وإذا كان ما سبق يتعلق بالعدالة الانتقالية،  وهو ما تحتاجه البشرية في حل قضايا النزاع المسلح دنيويا،  فإن العدالة الإلهية  تبقى شأن إلهي  ميتافيزيقي محض قد لا يستطيع أحد مهما أوتي من حكمة ونفاذ بصيرة من التنبؤ بكيفياتها أو التحكم في مآلاتها.

وعلى اية حال،  وانسحابا على حالة الحرب في اليمن، وما تشهده  من حالة اللاحرب واللاسلم، أو افتراض ما بعد الحرب: يا ترى قد حان التقاط الفرصة التاريخية للانطلاق نحو الدولة المدنية، حيث الحرب في اليمن، رغم خصوصياتها، لا تختلف عن نزاعات مسلحة في مناطق أخرى، لكنها تضع أمامنا تحديًا وطنيًا تاريخيًا يتمثل في ضرورة الاستجابة العاجلة للعدالة الانتقالية،  فضلا عن أن نفاد أغراض الحرب وانهيار قدرات أطرافها يفتحان الباب أمام مرحلة جديدة من البناء السياسي والاجتماعي،  وأن التزام جميع الأطراف بالعدالة الانتقالية هو السبيل الوحيد لترسيخ ثقافة السلم، وتعزيز التعايش، وبناء دولة مدنية حديثة تقوم على المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية. أم أن جميع أطراف النزاع المسلح، باستثناء المجتمع المدني المشلول الإرادة بطبيعة الحرب، لازالت منتظرة  ومراهنة على العدالة الإلهية وحتمية قضاؤها،  كون تلك الأطراف تؤمن أنها تخوض حربا إلهية مقدسة ليس إلا…

  لتبقى من ثم موضوعة العدالة الانتقالية،  حصرا لوجهة نظر السياسة لا الايدولوجيا،  هي الرؤية الوطنية التي يجب أن تتبناها القيادة السياسية والمجتمع ككل، لتجاوز مآسي الماضي وبناء مستقبل مستقر ومزدهر، بعيدا عن الثأرية الإيديولوجية التاريخية،  واصطراعها العقدي طويل المدى..

اقرأ أيضا:مفاهيم النصر وملامحه في معركة الخلاص

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى