الإبادة في غزة .. صناعة أمريكية صهيونية عربية (2 – 2)

الإبادة في غزة .. صناعة أمريكية صهيونية عربية (2 – 2)
الجمعة30مايو2025_

- قادري أحمد حيدر
الإهداء
إلى جمال عبد الناصر، القائد العربي والعالمي الكبير، والعظيم .. الرئيس، الذي جمع بين القيادة، والزعامة في صورة محبة الناس في كل مكان .. القائد/ الزعيم الذي لا تستطيع إلا أن تحبه وتجله وتحترمه .. الرئيس الوحيد، الذي وقف الشعب المصري، والعربي كله بجانبه، في زمن /النكسة/ الهزيمة، وبكته وحزنت لرحيله الفاجع الأمة العربية قاطبة .. القائد الذي فرض اسمه بعظمة دوره على المستوى العربي والعالمي .. القائد الذي دخل الشيوعيون السجون في فترة حكمه، وخرجوا من السجون يؤيدون ويدعمون إنجازاته الاجتماعية والاقتصادية (التنموية/ الإستراتيجية) في مصر، ويشيدون بمواقفه التحررية في المنطقة العربية، وفي العالم، وتبوأ بعضهم بعد خروجهم من السجون مواقع وزارية، وسياسية مرموقة،
على ملاحظاتهم النقدية حول قضايا الديمقراطية السياسية.
وجميعهم يؤكد – كما العالم كله – على نظافة يده وطهارة روحه، وإنسانية ضميره الأخلاقي والاجتماعي.
اسمه وتاريخه تجسيد عميق للحضور في الغياب، أكثر من الحكام العرب (الأحياء/ الأموات)، الذين حضورهم الزائف اليوم في حياة شعوبهم تعبير عن الغياب الذي يساوي العدم السياسي، والوطني، والقومي، والإنساني.
الله ما أعظمك يا ناصر في كل حين .. نفتقدك في كل الأحوال، وليس فحسب في
“الليلة الظلماء”، أي في هذا الزمن السياسي المحاصر بالطغاة الذين استقدموا الغزاة إلى أرضنا، وأنتجوا إبادة جماعية، ليس في غزة/ فلسطين، بل وفي جميع تفاصيل حياة الوطن العربي.
لك عزيز المحبة، وجميل السلام، في علياء خلودك الأبدي.
ولا سلام ولا عزاء للحكام اللصوص والقتلة.
الإبادة الجماعية الجارية في غزة، ليست نبتاً شيطانياً، لأن ليس هناك شيئاً في الحياة يحصل مصدره العدم، النتائج تُقرأ وتُفهم بأسبابها / خلفياتها، “تفاصيلها”، وليس “صفقة القرن”، والتطبيع الإبراهيمي السياسي/ الديني / الأمريكي / الصهيوني، سوى الامتداد السياسي الواقعي والمنطقي والتاريخي لكل ذلك الاستبداد السلطوي العربي، المتحالف مع الفعل الاستعماري الجديد، الذي لم يتوقف عن الفعل السلبي في حياتنا الفكرية والسياسية والاقتصادية، مع معارضة إعلانية شكلية / استهلاكية لا معنى لها من قبل بعض الأنظمة العربية السلطوية “القومجية”.
كانت انتفاضات/ثورات الشباب العربي في 2011م، بداية استفاقة ووعي بما يجب أن يكون عليه واقع ومستقبل المنطقة العربية، على أنها ثورات جاءت محاصرة من الداخل، بـ: الاستبداد السياسي والديني والعسكري، وحتى القبلي، وبالتنسيق والتحالف مع الرجعية العربية، والخارج الاستعماري العولمي.
إن الربيع العربي، هو عنوان الكرامة الوطنية، والإنسانية لنا .. عنوان لضرورة التغيير .. التغيير الذي تأخر لعقود، إن لم اقل لقرون.
إن الربيع العربي عنوان للحرية السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية المنشودة.
ولذلك تم حصاره وكسره ، من الجميع في الداخل ومن الخارج، والكيان الصهيوني، ليس بعيداً عن ذلك.
انظر لما جرى في: تونس، مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، السودان بعد ذلك، حيث شهدنا كيف توحّد الاستبداد التاريخي العربي، مع الاستعمار الجديد (العولمي)؛ الطغاة، والغزاة، في حصار وقمع واحتواء انتفاضات/ثورات الشعوب العربية.
ثورات انفجرت غضباً ورفضاً للاستبداد التاريخي، وللفساد، وقمع الحريات، وتفويت الاقتصاد / القطاع العام تحديدا، لصالح رأس المال السياسي/ السلطوي، “الزبائنية” في غياب الدور الفاعل للأحزاب، وقيادات الأحزاب التي لم تخرج بعد من قوقعة أزمتها الذاتية الخاصة، وتحديداً من بعد انهيار وسقوط الاتحاد السوفيتي، وهيمنة القطب الواحد الأمريكي.. ثورات تحركت وانفجرت من تلقاء نفسها، دون خلفيات أيديولوجية أو تنظيمية قائدة ومحركة لها، ما سهل احتواءها تدريجياً، حتى الانقضاض عليها، كما تم في كل الحالات العربية، على أنها تبقى، رغم كل ما جرى، البروفة الأولى نحو ثورات قادمة مكتملة الأبعاد والأركان، تنتصر للقضية الوطنية في بلداننا، والقضية القومية للأمة العربية .. ثورات تغيير ستهز عروش الطغاة والغزاة، باتجاه التغيير الكامل والشامل .. تغيير سيأتيهم من حيث لا يحتسبون .
إن ما يحصل في غزة / فلسطين اليوم من إبادة جماعية بالصوت والصورة.. قتل مشهدي / تلفزيوني عولمي، حوّل البشر إلى قطع لحم متناثرة متفحمة يصعب جمع أشلائهم، وأخرج أحياء كاملة من السجل المدني، وحوّل الأطفال والنساء والعجزة إلى أرقام مجهولة وبدون قبور معلومة.. إبادة جماعية، هي تدريب يومي على ممارسة هواية القتل، حوّلت الأجساد والكائنات الإنسانية إلى هياكل متفحمة، لا تستطيع التعرف عليها، وحوّلت المساكن / والأرض الفلسطينية كلها، وتحديداً غزة، إلى أرض خراب، أرض محروقة بدون معالم، ولا طرقات، وبشر بدون أسماء، والأبشع: بدون ماء ولا كهرباء، وبدون قطعة خبز، لمن يتعرضون للإبادة الجماعية العلنية، وفي فظائع هذا الجحيم الجهنمي لا يخجل الحكام العرب المشاركون ضمنياً – بعضهم – وفعلياً – بعضهم الآخر – في الإبادة الجماعية الفلسطينية، من عقد اجتماع قمة عربية كاريكاتوري / هزلي لما يسمى الجامعة العربية، فقط ليشرعنوا ويبرروا عملية الإبادة الجماعية في غزة / فلسطين، قمة هدفها السياسي المباشر كما هو واضح: إعطاء القاتل رخصة لاستمرار القتل / الإبادة.. قتل وصل حد العبث والجنون “اللا معقول”، بل وحد الخرافة، في ممارسة هواية القتل.
لقد رهن الحكام العرب سياساتهم ومواقفهم بالبقاء آمنين في عروشهم، ولم يستفيدوا من عبر التاريخ إلا بما هو الأسوأ والأقذر من النماذج السياسية التاريخية البائسة، التي تدل على هوانهم وانحطاطهم، لأن كل ما يهمهم هو البقاء في كراسيهم على حساب مصالح بلدانهم، وإرادة شعوبهم، ومستقبل أوطانهم.
بل إن أنظمة “البترودولار” في تطوراتها العولمية الجديدة: “بن سلمان وغيره نموذجاً” – باستثناء الكويت – ذهبوا في دعمهم للإبادة الجماعية بأكثر من أربعة ونصف تريليون دولار دعماً لاستمرار الإبادة في فلسطين، وفي أي مكان عربي يمكن أن يتجرأ ويقول لا!!
مشهدان مضحكان مبكيان/محزنان، حد الموت، هو ما رأيناه فيما يسمى مؤتمر القمة العربية/الهزلية، التي إنما عُقدت لتؤكد المسار السياسي البياني الهابط نحو المزيد من انحطاط وسقوط النظام السياسي العربي، والأنكى أن حكام النفط وحراسه، خدمةً لمصالح الخارج الاستعماري، عوضاً عن أن يستخدموا ورقة النفط كورقة ضغط، كما فعل الملك فيصل، في حرب 1973م، وكذا ورقة الموقع الاستراتيجي للمنطقة، وورقة المصالح الأمريكية/الأوروبية الحيوية، في المنطقة ومع دول المنطقة، كأوراق ضغط، لحصار ومقاطعة الكيان الصهيوني، نجدهم هبّوا هبّة رجل واحد لتأكيد وحدتهم في دعمهم لمن يحمي ويرعى ويموّل بالمال والسلاح الدولة التي ترتكب ومن سنتين حرب إبادة ضد شعب عربي أعزل، وتشارك في لعبة إخراج مسرحيات سياسية إقليمية ودولية لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، بحجة مغامرة حماس “الإخوانية”، وجنونها في فعل “جريمة”، “طوفان الأقصى”، وكأن حماس، وطوفان الأقصى، هما سبب كل ما يجري من إبادة جماعية في فلسطين، ومن تدمير للبنان، ومن احتلال لأجزاء واسعة من الأرض السورية، تقترب ـ اليوم ـ من حدود مدينة دمشق، بكيلومترات قليلة، ومن عدوان صهيوني شبه يومي لم يتوقف على سوريا!!
ولم تتوقف مبادرات القائد/ الهمام، الشاب ولي العهد السعودي، في ترتيب مبادرة مع ماكرون/الفرنسي، عن دعم القضية الفلسطينية، بمشروع حل الدولتين، والحديث الذي “بدون جمرك سياسي”, عن الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية، على أن يكون الثمن السياسي، تصفية القضية الفلسطينية،
أي، نزع سلاح المقاومة الفلسطينية، وهو الحق الذي تنظمه وتكفله جميع المواثيق والقوانين الدولية، المطلوب من الفلسطينيين، فقط، نزع سلاح المقاومة، وهو مطلب الكيان الصهيوني التاريخي من عقود طويلة، علماً أن أكثر من ٩٧٪ من دول العالم، فضلاً عن المؤسسات الدولية، تعترف بدولة فلسطين، ولم يتمكن المجتمع الدولي، ولا مجلس الأمن الدولي، من إصدار قرار واحد ملزم تحت البند السابع، أو حتى السادس، أو تحت أي بند، ضد دولة الكيان الصهيوني، لأن الفيتو الأمريكي جاهز ومرفوع في وجه أي قرار ضد دولة الكيان، فقد استخدمت أمريكا الفيتو لصالح الكيان الصهيوني،(٤٩) مرة، وهي التي تمول حروب الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، وهي من تدعم وتمول الاستيطان تاريخياً.
فماذا أفادنا شعار حل الدولتين المرفوع من عقود، أو اعتراف فرنسا، الذي يشتغل عليه بن سلمان، وجماعته، بعد أن يتم تجريد المقاومة الفلسطينية، من سلاحها الشرعي والقانوني والوطني والإنساني.
إن موقف أنظمة التطبيع من حماس، ليس بسبب هويتها الأيديولوجية/الدينية،
” الاخوانية”, بل بسبب موقفها الوطني والقومي التحرري من دولة الكيان الصهيوني، ومن حركة وسعي، أنظمة البترودولار، بقيادة، محمد بن سلمان لنزع سلاح المقاومة، ومن هنا صمتهم المطلق على حرب الإبادة في غزة/فلسطين.
الحرب التي تتم بغطاء سياسي أمريكي، وصمت عربي .
إبادة جماعية على غزة/فلسطين، وعدوان على العديد من الدول العربية، ذُهل العالم كله من وحشية الإبادة، ومن الجرائم المتواصلة ليل نهار ضد غزة/فلسطين.. جرائم ضد القانون الإنساني، وضد كل القوانين الدولية، ولا يرى بعض المتصهينين العرب سوى حماس، وطوفان الأقصى!!
إنه لشيء مخجل ومؤسف أن يكون موقف “محكمة العدل الدولية”، و”محكمة الجنايات الدولية”، ومواقف الأمين العام للأمم المتحدة، ومواقف دولة ايرلندا، وإسبانيا، وغيرهما، أكثر تقدماً من مواقف وخطابات النظام السياسي العربي المتصهين، الذي لم يتجرأ بعضهم على تجميد علاقاتهم الدبلوماسية مع دولة الكيان الصهيوني، في الوقت الذي تقوم بذلك دول أوروبية، وأفريقية، وأمريكية لاتينية، ولا أريد أن أقحم في هذا السياق، الحديث عن خطاب ومواقف دولة”جنوب أفريقيا” العربية، مقارنة بمواقف الجامعة العربية/عفواً العبرية.
إن ما يجري في غزة/فلسطين يفوق حقاً ما جرى في “هيروشيما” و”ناغازاكي”.. ما يجري يومياً وعلى مدار اللحظة/الساعة في غزة/فلسطين، يصبح معه ما جرى في ما يسمى “الهولوكوست” الصهيوني، عبارة عن لعبة ساذجة، وليس في ذلك أي استهانة بما جرى في الهولوكوست ضد اليهود، بل إشارة إلى أن من وقع عليه ذلك الهولوكوست، من الغرب الرأسمالي/الاستعماري، ـ وليس من العربـ ـ يكرره بصورة أكثر وحشية وأبشع تجاه أطفال ونساء، وشيوخ فلسطين، وصولاً إلى تدمير بالصواريخ الحارقة، للمستشفيات، حتى لم يتبقَّ مستشفى يعمل حتى بعشرة في المائة من طاقته الطبية، مستشفيات مدمرة بالكامل، أو محاصرة، ومدارس، وملاجئ، ونازحون تتابعهم طائرات الكيان الصهيوني في كل مكان من الأرض الفلسطينية المستباحة.
إذا كان الهولوكوست، الذي صنعه الغرب الاستعماري باليهود، نكبة، فإن الإبادة الجماعية المتواصلة لقرابة سنتين في غزة/فلسطين وبصورة غير مسبوقة في التاريخ السياسي العالمي، هي جريمة الجرائم، هي القيامة، التي يتعاجز النظام الرأسمالي العولمي الاستعماري عن إيقافها حتى لساعات!!
إن ما يجري هو حرب إبادة ضد سكان أصليين في أرضهم التاريخية، من قبل مستوطنين، هم شذاذ آفاق جُلبوا إلى أرض فلسطين من أصقاع دول أوروبا الغربية، ومن أمريكا، ومن جميع جهات جغرافية الأرض، لتحتل أرض شعب، وتطرده من أرضه، تهجير قسري، مترافق مع تطهير عرقي/عنصري، وهو ليس خطاباً سرياً أو موارباً، بل هو خطاب ومواقف سياسية معلنة يؤكدها يومياً اليمين الصهيوني/المسيحي، الأمريكي، أمام العالم كله. العالم الدولي، الذي لم يحرك ساكناً، ذلك أن النظام العربي أحرجهم ليس بصمته على ما يجري في غزة، بل وفي إعلان موافقته غير المباشرة على ما يجري بصور وأشكال مختلفة من الموافقة.
كان بإمكان النظام السياسي العربي، ليس أن يخفف من وحشية هذه الإبادة الجماعية، بل وأن يوقفها لو هو أراد ذلك.
ومن هنا، فإنه لم يتجرأ على القول اللفظي حتى بإدخال مواد الإغاثة الإنسانية، الماء، والأكل، والدواء لغزة، وهو ما دون الحد الأدنى المطلوب الذي تطالب به بعض الدول الاستعمارية، ومنها شريكة أساسية وفعلية لدولة الكيان الصهيوني، كما الحال مع بريطانيا.
يقول محمود درويش: “إن الموت يأتينا بكل سلاحه الجوي والبري والبحري/ مليون انفجار في المدينة/ هيروشيما هيروشيما وحدنا نصغي إلى رعد الحجارة/ هيروشيما”.
والواقع والحقيقة أننا جميعاً – اليوم – نصغي لصوت وفعل جريمة الإبادة الجماعية (جريمة العصر)، ولا نستطيع أن نرفع صوتنا – كأنظمة، بل وحتى شعوب مقموعة – بقول كلمة: كفى إبادة جماعية.
فعلى بشاعة جريمة هيروشيما والهولوكوست، فإن ما يحصل في غزة/فلسطين هو قيامة كل جرائم الدنيا مجتمعة في ما يجري في غزة.
شعب فلسطين/غزة، وكل الشعوب العربية، بل وكل شعوب العالم، تطالب من النظام السياسي العربي المتصهين التدخل لدى ترامب للحصول على لحظة هدنة لبضع ساعات/أيام فقط، ولم يتجرأ حاكم عربي على طلب ذلك منه.. وهو الحاكم الذي جاء من قارته الاستعمارية، وبدون أي خجل، بل مرفوع الرأس، طالباً للدعم المالي والاقتصادي والاستثماري من أموال الشعوب العربية، ولا تسمية سياسية أو اقتصادية لمثل هذا السلوك الأمريكي، سوى أنها ” جبايات/ إتاوات”, مفروضة دورياً على الأنظمة العربية التابعة، ومع ذلك يعجز لسان حال هذه الأنظمة عن أن يطلب من ترامب ، حتى بضع ساعات/أيام، هدنة، لوقف هواية القتل المجاني ضد الشعب الفلسطيني .
وهي الحرب المنافية لكل القوانين والمواثيق الدولية الإنسانية.
والسبب أن الحكام العرب، حكام باقون في عروشهم بدعم من ذلك الياَنكي الأمريكي/الأوروبي، ومن أنه لا سند وطني لهم من شعوبهم، لأنهم في حالة تناقض، بل وعداء، مع شعوبهم.
ولذلك، لن تتوقف حرب الإبادة إلا حين يرتوي حد الشبع الكائن/الوحش الصهيوني والأمريكي من الدم الفلسطيني.
وباختصار، وقولاً واحداً، إن الإبادة الوحشية المستمرة في غزة إنما تتم وتتحقق بشراكة متفاوتة المستويات، بين الأمريكي، والصهيوني، والنظام السياسي العربي المتصهين.
ونقطة على السطر.
اقرأ أيضا للكالتب:الإبادة في غزة .. صناعة أمريكية صهيونية عربية (1 – 2)
