الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لصوت الشورى عن جريمة تلقين الأديان والأفكار والأيديولوجيات
الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لصوت الشورى عن جريمة تلقين الأديان والأفكار والأيديولوجيات
يوميات البحث عن الحرية .. جريمة تلقين الأديان والأفكار والأيديولوجيات- محاولة للتوصيف القانوني.
الاثنين20يناير2025_
- عبد العزيز البغدادي
القراءة الأولية للعنوان تبين أن أولى علامات هذه الجريمة هو التلقين الديني للأطفال الذي يبدأ في بعض الأديان لحظة ميلاد الطفل ومنذ هذه اللحظة تستلب العقول بمنهج التلقين المقدس، لتستمر مسيرته مدى حياة الإنسان في البلدان التي لا تُحترم فيه حرية الإنسان ولا كرامته، فما هذا التلقين المجرَّم الممتد من الميلاد إلى الموت وهل هذه الجريمة جسيمة أم غير جسيمة؟؟!.
من المعلوم أن أسلوب التلقين في التعليم بكل مستوياته جزء من سياسة تعليمية يشكل اعتداء على قدرات الطفل الذهنية وتجميد لطاقاته الكامنة، وهي سياسة فاشلة أيا كانت أهداف من يرسمها ويسعى إلى تنفيذها سواء تلقين العقائد الدينية أم الفكرية أو نظريات علمية.
والسياسة التعليمية لا بد لرسمها من الاعتماد على إستراتيجية وطنية واضحة تتمخض عن مؤتمر وطني يعقده متخصصون مختارون وفق آلية ديمقراطية معبرة عن ضمير المجتمع وإرادته الحرة.
وهذا معناه عدم جواز تفرد شخص الحاكم فرداً كان أو حزباً أو جماعة سياسية أو دينية بذاتها، حيث لا يحق لأحد صياغة وتحديد هوية المجتمع الدينية أو الوطنية.
والتربية والتعليم عملية شاملة متعلقة بتلقي أسس ومبادئ استراتيجيات بناء جيل المستقبل، وأسس هذا البناء من الضروري أن يتم اختيارها وتمحيصها وفق سياسة علمية وطنية واضحة من شأنها تنقية العقول والضمائر من كل الرواسب السلبية والأمراض التي تبقي على أسباب الصراع التي بات من الواضح أن جذورها تنخر في أعماق أعماق الإنسان اليمني وتربك العقول الواقعة في قبضتها وتتحكم في تصرفاتهم وتهدد السلام الاجتماعي.
إن من المسلمات أن التربية والتعليم هي المدخل إما لصناعة مستقبل مشرق أو للإبقاء على عوامل الجهل والتجهيل والظلام والإظلام، ومعرفة كل هذه الأسباب والعوامل تحتاج لدراسات وأبحاث علمية جادة، وليس إلى سياسة ديماغوجية غيبية تضر بالعلم كما تضر بالدين الذي يقوم على حرية الاختيار!.
والحرية أهم مقومات بناء جيل المستقبل المشرق، لذلك فمن الضروري تنمية روح المعرفة بقيمة الحرية ومكانتها لدى الفرد والمجتمع وأهمية التمسك بها لأنها مفتاح الإبداع والابتكار.
نعم إن التلقين الديني اعتداء واضح على حرية الفرد في الاعتقاد والمجتمع سواء قام به الأهل في المنزل أو قامت به المدرسة، وهو أيضاً اعتداء على روح الشريعة الإسلامية بمفاهيمها المستنيرة التي تنبذ الإكراه بكل صوره وأشكاله ومعانيه وترفضه.
ولا ينبغي أن يتاح لأي سلطة سياسية حق التفرد في إعداد مناهج التعليم أو تغييرها لأن هذا التفرد يعد مساساً بثابت من الثوابت الوطنية التي لا يصنعها سوى الشعب صاحب الحق الأصيل في السلطة والثروة وفي تغييرها ومراقبة أدائها لواجباتها الدستورية ووفق مبدأ سيدة القانون.
وأي سلطة سواء جاءت إلى الحكم عن طريق الشرعية الدستورية أو الثورية المؤقتة الحقيقية أو المزعومة إنما هي سلطة تدير السياسات وتنفذها، وليس من حقها التفرد برسم السياسات ووضع الاستراتيجيات الوطنية أو تغييرها.
والإرهابيون أو ذوي النزعات الإرهابية ممن يستخدمون الدين لخدمة أيديولوجياتهم الدينية والمذهبية أو غيرها يزعجهم الحديث عن الحرية والكشف عن أضرار التلقين لأن مثل هذه القضايا المتصلة بالحرية وفتح الآفاق أمام القدرات والمواهب تقطع عليهم طريق استخدامها وبذلك تستمر عملية استثمار الجهل والتجهيل الضاربة أطنابها في ذهن المجتمع والفرد الواقعين في أسر التخلف بكل معانيه على مدى مئات السنين، ولا يبدوا أن الفكاك من هذا الأسر سهلاً.
من خلال ما سبق يتبين أن لجريمة التلقين الديني آثار عديدة منها أثرين رئيسيين:
الأول: الاعتداء على الحرية الفكرية للطفل قبل بلوغه سن الرشد أي قبل امتلاكه القدرة على التمييز والإدراك والحرية كما هو معلوم أهم ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات الحية، لذا فالتلقين يشكل إخصاء معنوي للأطفال والشباب ومن الصعب بل والمستحيل تجاوز آثاره السلبية على سلامة عقولهم ومستوى تفكيرهم السليم في مستقبل حياتهم.
أما الأثر الثاني: فيتمثل في الأثر على تفشي ثقافة الإرهاب في أوساط المجتمع سواء من خلال توارث روح الرغبة في إكراه الآخر على اعتناق دين أو عقيدة محددة أو تفشي روح التسلط على الآخر وعدم إتاحة الفرصة للفرد كجزء من المجتمع في اختيار العقيدة التي يقتنع بها وتنمية نوازع النفاق والميل نحو استخدام القوة والعنف بما ينتج عنهما من إخلال بالأمن والسلام والعدالة.
هذين الأثرين الرئيسيين هما جوهر مكون الركن المادي لجريمة التلقين الديني الذي يستهدف حرية العقيدة في المهد ولهذا فهي برأيي جريمة جسيمة مستمرة ما دام التلقين مستمراً، بل هي لهذه الأسباب في أعلى سلم الجرائم الجسيمة!.
في فمي تشتكيني الأغاني
تزف بكائي إلى وجع الأمنيات
والشمس تجري وتجري !!.
اقرأ أيضا للكاتب:عبد العزيز البغدادي يكتب لصوت الشورى عن علاقة الدولة بالقبيلة
اقرأ أيضا:الشرعية المتوهمة والشرعية الحقيقية ١ – ٢