الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب عن الجمهورية والملكية بين المظهر والجوهر!

الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب عن الجمهورية والملكية بين المظهر والجوهر!
يوميات البحث عن الحرية .. الجمهورية والملكية بين المظهر والجوهر!
- عبد العزيز البغدادي
الثلاثاء22يوليو2025_
النظام الجمهوري آخر أشكال الأنظمة السياسية والقانونية الدستورية في العالم، وأي نظام جمهوري حقيقي لابد أن تسعى مؤسساته لتحقيق مبادئه، وأولها أن يكون الشعب هو صاحب الحق في السلطة والثروة والسيادة!
وواجب كل السلطات في الأنظمة الجمهورية بذل قصارى جهدها لحشد الطاقات
لتحقيق أكبر قدر ممكن من المشاركة في صنع القرار وتأكيد حضور والجهود
الدستور في حياة الشعب كعقد أساس لشركة كبرى أعضاء جمعيتها التأسيسية جميع أفراد الشعب!
وأي مقارنة بين الأنظمة الملكية والجمهورية غير جائزٍ في بلدان بذل أبناؤها التضحيات الجسام في سبيل الوصول إلى النظام الجمهوري، ومجرد التفكير في المقارنة بين النظامين يعبر عن رغبة بائسة في خلق فتنة أو إحيائها بعد موتها!.
ونتائج كل الفتن كما علمنا التاريخ تمس السلام الاجتماعي والكيان الوطني الموحد.
ومن الواضح أن اليمن يعيش الفتنة التي بدأت مع بداية الحلم بالثورة في 2011 التي أطلق عليها ثورة الشباب ، والتي باءت بالفشل لعدم وجود قيادة ثورية موحدة مؤيدة تأييدا شعبيا مؤكدا، وليس تأييدا مفبركا مؤيداً من الخارج الذي دعم الثورات المضادة بكل أشكالها ، فالدعم الخارجي الصادق لا يكون إلا دعما لإرادة الشعب لا للحكام الشعب صاحب الحق في الشرعية الحقيقية !.
أن الأحزاب والقوى السياسية اليمنية التي لها مالها وعليها ما عليها مطالبة بالاعتراف بمراجعة نشاطها السياسي والاعتراف بأخطائها كخطوة في سبيل إخراج الشعب والوطن من حالة الانقسام البشع الذي يعيشه!.
وليس من حق هذه القوى ادعاء الشرعية ما لم تنجح في تثبيت الأمن والاستقرار وطنيا على مستوى الدولة اليمنية، محتوى الشرعية الحقيقية يجب أن يحظى بالتأييد داخليا وخارجيا. وعلى كل القوى والأحزاب السياسية القبول بهذا الرأي إن كانت بالفعل تؤمن بالديمقراطية!
إن ما تتعرض له اليمن منذ سُمح لممثلي السلطة والمعارضة بالعبث باليتهما كأحدث أدوات النظام السياسي المدني وتجاهل أهمية التمسك بمبدأ التداول السلمي للسلطة ناتج عن استمرار نظام حكم الفرد الذي اتخذ شكل الملك أو الإمبراطور سواء من استولى منهم على الحكم بالقوة التي استجمعها بمنطق الشراكة في السلب والنهب عن طريق قوه الغلبة المباشرة أو من خلال استخدام أدوات الخداع المختلفة ومنها الخداع باسم الدين وفق المدارس والمذاهب والفرق المختلفة!.
ومن ذلك مراحل التاريخ المعروفة بالتاريخ الإسلامي ابتداء بما أطلق عليه بعض المؤرخين والنقاد ومنهم دكتور طه حسين(الفتنة الكبرى) التي أنتجت ما عرف بعصر الخلفاء الراشدين الذين انتهى منهم ثلاثة أو أكثر عن طريق الاغتيال السياسي.
ثم العصر الأموي فالعباسي الأول والثاني بما شهدته الساحة العربية والإسلامية التي حكمته من صراع على السلطة والانتقام المتبادل بين المتصارعين المعصومين في نظر البعض ، ثم عصر السلاجقة والعثمانيين والمماليك والفاطميين وغيرهم من الملوك والسلاطين بانتماءاتهم المذهبية حيث توزعوا بين ما يعرف بالسنة والشيعة واستمرار دوامة العنف تحت هذين العنوانين البائسين!.
وهو صراع ما زال مستمرا ومستثمرا من كثير من القوى سواء ممن يعتمدون عليه محليا في بسط سلطانهم أم من القوى الدولية الغربية ذات الأطماع الامبريالية المعروفة منذ شرعت لنفسها وراثة ما عرف بتركة الرجل المريض وكأن الميت (الدولة العثمانية) ليس لها من يرثها ! .
والإمبراطورية العثمانية عرفت عند بعض العرب ب(الاستعمار التركي) ليس لان الإمبراطورية العثمانية كانت على حق وإنما لان الاستعمار قد نجح في امتلاك سلاح الطائفية في هذه البلدان المقسمة بين السنة والشيعة
وقد قسمت إلى دويلات بين المختلفين بغباء صارخ وآخر مظاهر المرض المستفحل ما شهدناه من تشفي البعض باستهداف إيران مؤخراً من قبل إسرائيل وأمريكا وتحالف غربي واضح!.
إننا نعيش تداعيات مرحلة جديدة من الانهيار بعد موجة العنف الأخيرة التي تعكس درجة الضعف التي وصل إليها العرب والمسلمون التي شهدتها كل من غزة وأنحاء متفرقة من فلسطين المحتلة التي تنزف بقوة وفي سوريا واليمن والعراق ولبنان وإيران وما تزال التداعيات مستمرة!.
هذه التداعيات والانهيارات ناتجة عن سياسات الحكم الفردي المستبد التي يمثلها نظام الحكم الملكي الإمبراطوري السلاطيني.
وهو شكل يرى بعض فقهاء التأويل في الفكر الإسلامي بأنه مناقض لروح الحرية والعدالة التي تمثل روح الإسلام وهي نظرية لم يوجد حتى الآن في واقع بلاد العرب والمسلمين ما يدعم وجودها فعليا.
لقد شهد الغرب وأنحاء من العالم بفضل حركه التنوير في أوروبا والفصل بين الدين والدولة وبالذات بعد الثورة الفرنسية تطورا هائلاً نتج عنه بروز المدرسة الاجتماعية ونشوء النظام المؤسسي في الغرب وبروز نظرية العقد الاجتماعي وابرز روادها جان جاك روسو-التي أسست للشرعية الجديدة لنظام الحكم جوهر النظام الجمهوري!.
ولا يمكن للنظام الجمهوري الحقيقي إلا أن يكون نظاماً مؤسسيا ، أما النظام الملكي فكما أسلفنا يرتبط بالنظام الفردي أي بالملكية المطلقة والكتاب كما يعرف من عنوانه ، فالملكية يتبعها رعايا؛
أما النظام الجمهوري فيقوم على المواطنة المتساوية ومبدأ سيادة القانون ، والنظام المؤسسي يقوم على الشراكة في اتخاذ القرار وهو ما يترجم بصوره واقعيه وفعليه معنى النظام الجمهوري المشتق من الجماهير .
أما محاوله تحسين صورة النظم الملكية فإنما تقوم على استعارة جوهر النظام الجمهوري في ثوب أطلقوا عليه الملكية الدستورية، حيث أن الملك حسن مظهر إحكام قبضته في امتلاك الشعب والأرض والسلطة بواسطة دستور كتطوير لآخر أساليب إهانة الراعي لرعيته، وإظهار تنازله عن كثير من صلاحياته لحكومة منتخبة من البرلمان وهي خطوة متقدمة عن النظم الملكية المطلقة ، اما الملك فيبقى مقدساً.
ومن أمثلة الملكيات والإمبراطوريات الدستورية اليابان وبريطانيا وهولندا والسويد وغيرها من البلدان.
وقد عبر الملك البريطاني الحالي في أكثر من مناسبة عن رأيه بان النظام الملكي لم يعد شكلا مقبولا للحكم وفق نظرية حقوق الإنسان محور النظام العالمي المنشود!.
أما الملكيات العربية التي يشير إليها البعض وأبرزها المغرب والأردن والسعودية وبعض دول الخليج وغيرها فلا اعتقد أنها دول كاملة السيادة، ولهذا فأنها لا تصلح مثالا لدول ناجحة!.
وأنا مع ما أثاره البعض حول كون الدول العربية التي قامت بها ثورات وغيرت أنظمتها إلى النظام الجمهوري شكلا ومع ذلك فأنها ما تزال أكثر ديكتاتورية من الأنظمة الملكية حيث استمر بعض الرؤساء في مواقعهم لأكثر من أربعة وثلاثة عقود
ولكن لا ينبغي أن نتجاهل ما تعرضت له هذه البلدان من أعاقه في التغيير الجوهري من النظام الملكي إلى الجمهوري منعها من تحقيق هدف التغيير ولذلك فان النظام الملكي في هذه البلدان لم يتزحزح في حقيقة الأمر بل أن الأوضاع بعد الثورات سارت نحو الأسوأ ما يعني أن الجمهورية لم تتحقق.
ولكل من هذه الدول قصة تحكي كيفية تحولها من ملكية إلى جملكية والعمل على منعها من الوصول إلى النظام الجمهوري الديمقراطي الحقيقي!.
والمطلوب متابعة القصة ومعرفه الأسباب والعمل على إنهاء العوائق وليس العودة إلى الماضي لنبقى على ما ألفينا عليه آباؤنا!.
النظام الجمهوري لا يمكن أن يكون إلا ديمقراطيا بالفعل لا بالشعارات ولا بالأكاذيب والتلاعب بالانتخابات وتشويه سورة التوجه نحو المشاركة الشعبية الحقيقية في الحكم
أي نظام يبقى فيه رئيس الجمهورية أكثر من عقد من الزمن أو يستولي فيه الحاكم على السلطة بالقوة لا يحق له أن يحمل اسم النظام الجمهوري كائنا من كان ولا يجوز اعتباره شاهد على فشل النظام الجمهوري وإنما على قبح النظام الملكي المترسبة ثقافته في أعماق البعض!.
ثانيا: – إذا جاز مناقشة إصلاح أنظمة ما تزال ملكية وفق نظرية أن المشكلة ليست في شكل نظام الحكم وإنما في ممارسات الحكام فهذه النظرية تهدف إلى محاوله الفصل بين الشكل والمضمون
وهو مالا يجوز في نظري لما أوردته في البند أولا، هذا من جهة ومن جهة أخرى فان محاوله لإقناعنا بان الأنظمة التي أصبحت جمهورية من حيث الشكل وملكية من حيث المضمون شاهد على فشل الأنظمة الجمهورية فهذا لا يستند لأي حجية صحيحة أو منطق عادل!.
لان الرؤساء الذين وصلوا إلى الحكم قد تشبثوا به لدرجة أنهم بما مارسوه ويمارسوه من صلاحيات ساروا ملوكا وأباطرة لذلك فالمشكلة ليست في النظام الجمهوري وإنما في الجماهير التي لم تتمسك بحقها المنسوب إليها، وفي القوى السياسية التي لم تستوعب حجم المشكلة ومن يمثل أنظمة الاستبداد يقاتل بشراسة للحفاظ على آخر القلاع أنظمة العبودية ومع ذلك فهم يلعبون في الوقت الضائع لان الشعوب قد وصلت إلى درجة من الوعي يمكنهم من معرفة الفرق بين أنظمة الحكم الإمبراطوري الملكي السلاطيني بما تعنيه من عبودية وبين النظام الجمهوري الحقيقي المنشود بما يعنيه من حرية ومواطنة متساوية وتداول سلمي للسلطة وكلها مبادئ ساهم الشعب في صنعها وصياغتها!.
الجمهورية ببساطة تعني حكم الجماهير، أما النظام الملكي فالملك والإمبراطور هو مالك السلطة والشعب عبيده وليس عبيدا لله !.
فأي نظام وأي إسلام يقبل بهذه النظرية؟!!.
هذا في اعتقادي يغني عن التفتيش٠ في التاريخ السياسي والقانوني والأخلاقي لأنظمة الحكم الملكية والسلاطينية في الوطن العربي قديمها وحديثها!.
القلم أداة العلم في صنع الحياة
والجهل بالسيف يصنع الموت!.
اقرأ أيضا للكاتب :الأستاذ عبد العزيز البغدادي يكتب لصوت الشورى عن التجهيل واستغلال القبيل
