اخبار محليةكتابات فكرية

الأستاذ النعيمي يكتب عن الضوء الذي لا ينطفئ

الأستاذ النعيمي يكتب عن الضوء الذي لا ينطفئ

الأستاذ محمد صالح النعيمي

عضو المجلس السياسي الأعلى

السبت25مايو2025_

في الذكرى الأولى لرحيل القامة الوطنية المفكر والأديب القاسم بن علي الوزير – رئيس المجلس الأعلى لحزب اتحاد القوى الشعبية اليمنية – وأحد الشخصيات الهامة المؤسسة للحزب ومنهجه الفكري مع أخيه المفكر إبراهيم ابن علي الوزير – رحمة الله عليهما، لا نكتب هنا عن نهاية حياته، بل عن استمراريتها، نكتب لأننا نُدرك أن من يفكرون بعمق، من يكتبون بصدق، لا يموتون كما يموت الآخرون،لا يموتون بانطفاء أجسادهم، بل يبدؤون حضورًا من نوع آخر، حضورًا يُربّي فينا الإحساس بالمسؤولية، إنهم يعودون إلينا في كل مرة نفتقد فيها الوضوح في متطلبات مسار التحرر، بمعناه الفكري والفلسفي لنهضة الأمة وتحررها من التبعية والارتهان، فنحن بحاجة أن نعيد قراءة تاريخه السياسي وتجربته، لا بوصفه تاريخًا نرثيه، بل نموذجًا نقتدي به، ومدرسة ننهل منها، فمنهجيته الفكريةوالمعرفية التي تمزج بين المنهج القرآني ومتطلبات التطور العلمي العالمي، يمكن أن تُشكل مخرجًا لكثير من الحيرة والتيه الذي نعيشه.

القاسم الوزير كان أولاً: قائداً سياسياً، قاد الجهاد والنضال السياسي منذ شبابه، وثانياً: مفكراً وفيلسوفاً وأديباً محترفاً، وكان شجرة ذات جذور بعيدة، تظلل الفكر وتبثّ الحياة في الكلمات، أديبٌ يحمل في قلبه فلسفة، وفيلسوفٌ يكتب بقلب أديب، لقد كان بحق حامل مشروع نهضوي متكامل، مشروع يرى في الإنسان محورًا لكل تغيير، وفي العقل أداةً لهذا التحول، وفي القيم ركيزة لا يمكن تجاوزها مهما تعقدت الظروف، لذلك، فإن ذكرى رحيله ليست لحظة حزن، بل وقفة للتأمل في هذا المنهج الفكري وفرصة لاستعادة دروسه في زمن يتطلب أكثر من أي وقت مضى أن نعود إلى أمثاله.

وفي أكثر من موقف، تحدث القاسم عن أن المجتمعات لا تتغيروحدها، بل بثقافة تقاوم التخلف وقابلية الاستبداد والارتهان للاستعمار، وتؤمن بنهج تحرري متكامل، وترسّخ العقلانية وتحكمها مرجعية القرآن الكريم، وترفض العنف والتعصب والتهميش، ولذلك،لم يكن يتعامل مع نهضة الأمة كمفهوم نخبوي أو نظري، بل كان يرى فيها ضرورة حياتيةووجودية و”معركة للكرامة والحرية” من أجل التحرر من التبعية والارتهان للهيمنة الاستعمارية للنظام الصهيوني الغربي بكل تفاصيله وأدواته وممارساته الاستعمارية، ومن أجل جعلها أمة فاعلة في الدورة التاريخية للأمم،تبدأ من الداخل، من بناء الإنسان نفسه، ولذلك ظل يدعو إلى “نهضة داخلية”، لا تُختصر في مظاهرات ولا تُختزل في خطب، بل تُمارس في التربية، والتعليم، والإعلام، والسلوك اليومي للفرد والمجتمع وترسخ وفق منهج قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم ﴾ [الرعد: ١١].

في كتابه الشهير “حرث في حقول المعرفة”، كشف القاسم الوزير عن جانب من سيرته المعرفية، وعن رؤيته لدور المناضل والقائد السياسي والمثقف في مجتمع مأزوم، الكتاب، الذي جاء في شكل مقالات ومحاضرات، ليس مجرد تجميع لنصوص، بل محاولة لحفر مسار في الوعي، وتقديم خطاب ثقافي وفكري لا يستعرض الأفكار بل يُعيد إنتاجها من موقع إيماني لاستنهاض الإنسان والأمة.

القاسم الوزير في هذا الكتاب يدعوا لوضع أسس ومنطلقات لنهضة الأمة وان كان يبدو كمن يزرع في أرض قاحلة، لكنه لا ييأس، يتحدث عن إصلاح انحراف الأمة الإسلامية عن رسالة الاستحلاف في الأرض لا كشعار سياسي، بل كمسار أخلاقي وايماني، وعن النهضة لا كمشروع مستورد، بل كحاجة داخلية لإعادة بناء الذات للأمة وفق المنهج القرآني.

أما بقية كتاباته، من مقالات أدبية، ونصوص تأملية، وقصائد تلامس الجوهر،ومحاضرات عملية، فهي صورٌ عن باطنه الذي لا يعرف الهدوء، وقد ظلّت كتاباته، رغم تنوّعها، محافظة على سمتها الإنسانيّ والفكريّ؛ لا تُفْسدها اللحظة، ولا تُغريها العناوين البراقة، يجمع في فكره وثقافته فكر الفلاسفة العرب السابقين الداعين لنهضة الأمة العربية والإسلامية والخروج من انحراف حركتها التاريخية المميت إلى فاعلية عوامل وشروط نهضتها واستنهاضها، من جهة، والمفكرين المعاصرين من جهة أخرى، لكنه لم يكن تابعًا لأحد، بل نَحَت طريقه الخاص، جامعًا بين الأصالة والمعاصرة، ومستنهضاًرسالة استخلاف الإنسان في الأرض.

في كل عصر، يظهر من يشبه الشعلة: لا يُحرق، لكنه يضيء وينير الدرب للآخرين، وقد كان القاسم بن علي الوزير شعلة عصره،عاش عفيفًا في فكره، كريمًا في عطائه، نزيهًا في مواقفه، وشجاعًا في مواجهته للزيف والطغيان والاستبداد، وستبقى كتاباته مرجعًا فكريًا وإنسانيًا، لأنها ليست مرتبطة بزمنٍ أو ظرفٍ، بل بجوهر الإنسان وحقّه في فهم العلوم والمعرفة.

دعوتنا اليوم، للأجيال القائمة والقادمة وفي مقدمة ذلك المنتسبين إلى حزب اتحاد القوى الشعبية،أن يقرؤوا القاسم ليستلهمو منه شجاعة التفكير، ونبل الموقف، وسمو الكلمة، فهو مثال نادر للمثقف والفيلسوف والقائد السياسي، لا يتلون، لا يهادن، ولا يُساق، وإذا كان قد رحل بجسده، فإن روحه قائمة، تنبض في كل سطر كتبه، وفي كل عقلٍ أنارته كتاباته ومواقفه وأفكاره ومبادئه.

كما ندعو الى الاقتداء بما مثّله من قيم: الإيمان بكرامة الإنسان، الحرص على الفكرة الصادقة، رفض التزييف، وبناء الوعي على أسس المعرفة بكل تفاصيلها ومتطلباتها لا التلقين، وإذا كانت نهضة الأمة مطلبًا للجميع، فإن رجالًا مثل القاسم الوزير هم من يستحقون أن يكونوا مرجعًا في طريقها.

سلامٌ على روحك الزكية يا القاسم، وسلام على كلماتك التي تمشي معنا، وتقودنا، وتفتح لنا في الطريق نوافذ لا تنتهي.

اقرأ أيضا:عوامل النهضة العربية .. في فكر القاسم بن على الوزير   (2)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى