الأستاذ القاسم بن علي الوزير يتحدث في حلقة نقاشية عن موقف العرب من الحضارة الغربية
التاريخ يعرض على نحو مدهش قصَّة الرحلة المجيدة والطويلة للحضارة في سيرها المتواصل عبر الآفاق والأمم والبلدان من عصر إلى عصر من الحضارة الآشورية إلى حضارة وادي النيل, حيث ألهمت الحضارة الفرعونية اليونان والإغريق ثم انتقلت إلى أوروبا.
الأستاذ القاسم بن علي الوزير يتحدث في حلقة نقاشية عن موقف العرب من الحضارة الغربية
الأستاذ القاسم بن علي الوزير يتحدث في حلقة نقاشية عن موقف العرب من الحضارة الغربية
في إحدى حلقاته الهامة ناقش مركز الحوار العربي في واشنطن موقف العرب من الحضارة الغربية تحدث عن هذا الموضوع الهام الأستاذ والمفكر الكبير القاسم بن علي الوزير رئيس المجلس الأعلى لاتحاد القوى الشعبية اليمنية.
صوت الشورى لأهمية الموضوع يعيد نشر هذا النقاش نقلا عن موقع شبكة النبأ المعلوماتية ، وللأسف لم يذكر الموقع تاريخ النقاش أو النشر.
نص النقاش:
ففي خطوة في هذا الباب أقدم مركز الحوار في واشنطن على مناقشة المفكر والكاتب اليمني قاسم بن علي الوزير، دار موضوع النقاش حول محور فيما يلي نص ذلك الحوار:
في وقت فرضت فيه الأحداث المؤلمة التي مرَّ بها الشعب الفلسطيني جواً قاتماً على عقول المثقفين العرب الذين يئسوا من حالة الركود التي يقبع فيها العالم العربي, وبينما شعر الكثيرون بأن العرب قد خرجوا من التاريخ بعد أن خرجوا من موكب الحضارة واعتمدوا على أدبيات الفخر بالحضارة التي كانت للعرب والمسلمين خاصة في أيام الأندلس.. نظَّم مركز الحوار العربي في واشنطن ندوة حول موقف العالم العربي من الحضارة الغربية تحدث فيها المفكر والكاتب اليمني المعروف الأستاذ قاسم الوزير فاستعرض في البداية ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن الحضارة؟ وما هو الغرب الذي نصف به تلك الحضارة؟ واختار لتعريف الحضارة تعريفاً جامعاً للعالم الاجتماعي ” مالك بن نبي” يقول إنَّ الحضارة هي مجموع الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح لمجتمع معين أن يقدم لأبنائه منذ الطفولة وحتى الشيخوخة المساعدة لينمو في كل مرحلة من مراحل حياته, فالمدرسة والعمل والمستشفى ونظام شبكة المواصلات والأمن واحترام شخصية الفرد تمثل جميعها أشكالاً مختلفة للمساعدة التي يريد المجتمع المتحضر ويقدر على تقديمها للفرد الذي ينتمي إلى ذلك المجتمع. ويترتب على ذلك أنَّ جوهر الحضارة تجسده ذاتية المجتمع وفقاً لاطرادٍ تاريخي متواصل يتضمن جميع الظروف التاريخية التي تخلفت فيها بذور كل الأفكار وكل ضروب الخلق والإنشاء وكل إنتاجات الحضارة, فالحضارة هي التي تصنع منتجاتها وليس العكس.
أمَّا مصطلح الشرق والغرب فقد بلغ قمَّة استخدامه مع المرحلة الاستعمارية التي غلب عليها التفسير العرقي للحضارة والسيادة معاً فأصبح الشرق يعني المنطقة المتخلفة التي جرى استعمارها بينما يعنى الغرب المنطقة التي قامت بالاستعمار لأنها متقدمة.
في مرحلة الحرب الباردة أصبح تعبير الغرب يعني غرب أوروبا والولايات المتحدة, بينما كان الشرق في ذلك النطاق يعني شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي, واليوم أصبح مصطلح الشمال والجنوب مهيأ ليحلَّ محلَّ الشرق والغرب للدلالة على عالمين: الشمال يعني التقدم والجنوب يعني التخلف, فإذا ما انتقل المرء إلى البحث عن مفهوم تعبير “الحضارة الغربية” يتبين أنها سلالة من رحم حضارات سابقة أدركتها الشيخوخة تطبيقاً لقوله تعالى:”وَتلك الأيامُ نداولُها بينِ الناس”.
وهي حضارة تعتمد على فلسفة مادية تقوم على إلغاء دور الدين واعتبار الأخلاق موضوعاً قابلاً للتطور أو ناتجاً عنه بمعنى أن التطور يشكل القيم الأخلاقية للمجتمع, وترتَّب على ذلك أن أصبحت غاية المجتمع وغاية الفرد في المجتمع المصلحة والرفاهية, بينما يترك الدين كقضية شخصية تكفلها الحريات الخاصة التي يوفرها النظام الرأسمالي, ويصبح الهدف في إطار مفهوم الحضارة الغربية كما يقول المفكر اليمني الأستاذ قاسم الوزير: القوة من اجل القوة وهو ما أسماه المفكر الفرنسي “جارودي” الاتجاه الحكمي في حضارة يقودها اليوم الإنسان ذو البعد الواحد.
موقف العالم العربي من الحضارة الغربية
ويرى الأستاذ قاسم الوزير أنَّ التاريخ يعرض أمامنا على نحو مدهـش قصَّة الرحلة المجيدة والطويلة للحضارة في سيرها المتواصل عبر الآفاق والأمم والبلدان من عصر إلى عصر من الحضارة الآشورية إلى حضارة وادي النيل, حيث ألهمت الحضارة الفرعونية اليونان والإغريق ثم انتقلت إلى أوروبا حيث قدم المفكر الفرنسي جارودي تحليلاً رائعاً للحضارة الغربية يقول فيها إنَّ لها أربعة أبعاد:
البعد الجمالي والبعد القانوني واستلهمته من الإغريق والرومان والبعد الأخلاقي استلهاماً من الديانة المسيحية, أمَّا البعد العلمي فمرده حضارة الإسلام في الأندلس. وانطلاقاً من فكرة أنَّ الاختلاف بين الحضارات لا ينجم عن القيم والعلم والإنتاج وإنَّما ينجم عن اختلاف الثقافة من حيث هي معتقدات وعادات وسلوكيات فإنه لتحديد موقف العرب من الحضارة الغربية يجب تفهمها أولاً والتعمق في فلسفتها بدلاً من اتخاذ موقف منها عن خوف أو عن جهل أو عن عقدة نقص, وينبغي ألا يكون البديل هو النزوع إلى تقليدها, فالخوف من الحضارة الغربية يدفع إلى رفضها، والتقليد يعمق الإحساس بعقدة النقص, ولذلك يعتقد الكاتب والمفكر اليمني الأستاذ قاسم الوزير أنَّ موقف العرب من الحضارة الغربية ينبغي أن يتمثل في التكامل والتفاعل ويرى أنَّ على العرب أن يشاركوا في الإنجازات العامة الإيجابية للحضارة الغربية بالإفادة والاستفادة على أن يمارسوا باستمرار التقويم الذي يعالج أمراض تلك الحضارة ويصحح انحرافاتها التي تجسدت في الماضي في فلسفة الاستعمار ومبرراته اللا أخلاقية, والانحرافات الحالية التي أحلت الهيمنة محل الاستعمار بنفس الدوافع ولنفس الأهداف ولكن بوسائل جديدة كالعولمة.
وعلى العرب آن يحذروا من الحضارة الغربية جانب القوة من اجل القوة استكباراً واستعلاء وهو جانب دفع الولايات المتحدة مثلاً إلى تكديس ما يكفي من وسائل الدمار لتدمير العالم عشرات المرات مع أنَّ العالم لا يمكن أن يتعرض للتدمير إلا مرة واحدة. وأصبحت فلسفة المصلحة والمتعة والقوة من اجل القوة سبباً في إتاحة الفرصة للقوي لأن يهدر حقوق الضعيف استناداً إلى مبدأ الحق للقوة. وبالتالي يخلص الأستاذ قاسم الوزير إلى أنَّ للحضارة الغربية جوانب إيجابية مثل الحريات العامة والإبداع الفكري والعلمي والتقدم التكنولوجي ينبغي أن يستفيد منها العرب فيما يسعون إلى إعادة التوازن المفقود إلى عالم اليوم الذي أصبحت الرماح الحمقى تقوده إلى الهاوية.
مدخل العرب إلى الحضارة
ولخَّص الأستاذ الوزير في ندوته بمركز الحوار العوائق التي تقف أمام دخول العرب في موكب الحضارة بثلاثة عوائق:
أولاً: فترات الانحطاط الحضاري والثقافي التي مر بها العالم العربي في الماضي.
ثانياً: فترة الاستعمار الغربي للأقطار العربية.
ثالثاً: فترات الحكم العسكري والدكتاتوري التي قتلت الحريات العامة فحالت دون الفكر والإبداع.
ولذلك يرى أنَّ الخروج إلى موكب الحضارة يحتاج إلى إيجاد تيار عقلاني عربي متنور يبذل التضحيات اللازمة لتشكيل فلسفة حضارة عربية جديدة يكون لها مقدمات البقاء بعيداً عن أدبيات البكاء على الماضي.
* الدكتور محمد الفنيش: وصول العالم العربي إلى حالة الركود هو مقدمة النهوض
وفي المناقشة التي جرت في ندوة مركز الحوار أعرب الدكتور محمد الفنيش، المدير التنفيذي السابق في صندوق النقد الدولي والمثقف الليبي المعروف عن إيمانه، بأنه طبقاً لنظرية توينبي في نشوء الحضارات استناداً إلى فكرة التحدي والاستجابة وأنَّ كل الحركات الكبرى في التاريخ تبدأ بمرحلة الاعتكاف وأنَّ الأمم في حالة النكبات الكبرى تنزوي على نفسها وتعيد بناء مجتمعاتها من الداخل. ويعتقد الدكتور الفنيش أنَّ العالم العربي يمر الآن بهذه المرحلة التاريخية من حالة الركود كمقدمة ضرورية لحالة النهوض ويستدل على صحة تصوره بأن الولايات المتحدة نفسها تقدمت في ظل اعتناقها لمبدأ مونرو في ضرورة العزلة عن العالم وضرورة الالتفات إلى الداخل لتحسينه ثم البحث في أسس النهضة والحضارة كما أنه بعد الثورة البلشفية في روسيا واجهت الاختيار بين تصدير الثورة أم بناء الدولة وانتصر لينين في الترويج لفكرة أنه لن يكون بوسع الاتحاد السوفيتي تصدير الثورة قبل بناء الدولة وانغلقت روسيا على نفسها لسنوات طويلة.
وقال الدكتور الفنيش إنه ناقش شخصياً في الستينات مع توينبي كيفية انطباق نظريته في أنَّ الاعتكاف مقدمة للنهوض على العالم العربي والإسلامي فقال له توينبي: لقد بدأت نهضتكم الإسلامية باعتكاف الرسول عليه الصلاة والسلام في غار حرّاء ثمَّ بالهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة حيث تمَّ وضع أساس الدولة الإسلامية التي سرعان ما اتسع نطاقها وامتدت حضارتها من الجزيرة العربية إلى الأندلس في غرب أوروبا.
وأعرب الدكتور الفنيش عن اعتقاده بأن العالم العربي في أمسِّ الحاجة إلى الالتفات إلى الداخل والاعتكاف كمقدمة لحركة نهضة عربية وإسلامية جديدة على أن يتم إعادة بناء الاقتصاد والمؤسسات الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني على أسس عصرية بالاستفادة من تجارب الحضارة الغربية وتجنب ما وقعت فيه من أخطاء فلسفية وأخلاقية, غير أنَّ السفير العماني السابق في واشنطن الدكتور صادق سليمان اختلف مع التوجّه العام القائل بان العرب والمسلمين أصبحوا خارج موكب الحضارة وأعرب عن اعتقاده بأنهم ليسوا خارج موكب الحضارة وإنَّما هم في حالة حضارة معطلة تحتاج إلى بذل جهود صادقة لتنشيط الحضارة العربية الإسلامية وإنعاشها بالاقتباس من الحضارات الأخرى، وعلى رأس ما يجب اقتباسه العلمانية والديمقراطية والحريات العامة التي تطلق العنان للابتكار والإبداع.
اقرأ أيضا:الطريق إلى المستقبل من وجهة نظر الاستاذ القاسم بن علي الوزير