كتابات فكرية

الأستاذ البغدادي يكتب لـ “صوت الشورى” عن الوسطية

الأستاذ البغدادي يكتب لـ “صوت الشورى” عن الوسطية

يوميات البحث عن الحرية .. أين الوسطية في خارطة وعي الأمة؟!

  • عبد العزيز البغدادي

لماذا لم تجد بعد دعوى الوسطية في الفكر الإسلامي طريقها نحو التحقق والحياة ؟!؛ فالواقع الذي تعيشه غالبية الأمة العربية والإسلامية التي تدعي منذ 1400عام أنها (أمةً وسطاً) لا يطابق الدعوى، وأول علامات هذه الحقيقة أن علاقتنا بالقراءة الصحيحة للواقع وللتأريخ معاً شبه معدومة إن لم تكن معدومة!.

ليس هذا من قبيل جلد الذات أو نتيجة النظرة إلى الواقع من خلال نظارات سوداء كما يحلوا لبعض المتفائلين دون أسس صحيحة للتفاؤل وصف معارضيهم بارتدائها!.

أما لماذا؟!: فلأننا من خلال الهزائم المتلاحقة التي منيت وتمنى بها هذه الأمة وحالة المكابرة التي أشار إليها الصديق السفير عبد الوهاب الشوكاني بكل بساطة لا يبدوا أننا قد خطونا أي خطوة جادة باتجاه معرفة المعنى الحقيقي للوسطية المؤدية لتحقيق السلام وتجنب النزعات العدوانية والإعداد اللازم لكسب معارك الدفاع عن النفس ودراسة آثارها لتجنب مخاطر المغامرات ، ومعلوم أنها المعارك المشروعة الوحيدة لكل البشر وكل الأمم التي تؤهلهم جميعاً بأن يكونوا  وسطيين أو معتدلين فالاعتدال يوازي العدالة أما ما يمارسه البعض باسم الاعتدال فإنما هو شكل قبيح من أشكال الهروب من مسؤولية الدفاع عن النفس ويكفي أن نتأمل كلما يرتكبه الكيان الصهيوني من جرائم فضيعة ضد الشعب الفلسطيني باسم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ولأننا محكومون بالبلاهة المركبة بات البعض منا يردد ما يردده من هم مغيبون عن الحقيقة (من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها) بل وينكر على الفلسطينيين حقهم الواضح في الدفاع عن النفس !.

الشاعر أبو القاسم الشابي ربط العدل والدفاع عن النفس بتعادل القوى:

(لا عدل إلا إن تعادلت القوى * وتقابل الإرهاب بالإرهاب)

 كما أن من غير الواضح وبكل أسف أننا بصدد البحث عن امتلاك الإرادة والقدرة على التفكير في أهمية القراءة ببعدها الحضاري والإنساني.

كيف لا ونحن نفاخر بكوننا أمة أمية، وبأن تراث المغازي والحروب والعنتريات هو كلما بحوزتنا من عدة وعتاد الاتصال بالعالم والحوار معه!.

بهذا التفكير المعلول بل والعقيم أصبح العنف في علاقتنا بالآخر والتنافس على الموت هو سيد الموقف وهو ما اشتهرنا بتصديره للعالم عبر تأريخنا وما تمارسه بعض الجماعات باسم الإسلام دون أن تجد بين المسلمين من يستنكر.

 نعم لقد ارتكبت الكثير من الأمم الأخرى في محطات تاريخية عديدة مجازر وأشعلت حروب وفظاعات، ولكنها عملت وتعمل على التخلص من أسبابها أو على الأقل محاولة تبييضها من خلال إعلاناتها المتكررة الالتزام داخلياً وخارجياً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والسير نحو مجتمع المواطنة المتساوية.

 كما أنها غادرت كل أشكال ادعاء حق الاستحواذ على السلطة بناء على أسس دينية، وألغت دستورياً مبدأ الحق الإلهي في الوصول إليها لما يعنيه من استحلال للجرائم المنسوبة إلى الله وعملت على تكريس مبدأ سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة!.

لقد غابت في حياة أمتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحقوقية بوصلة السير نحو إيجاد جوهرة الوسطية التي ندعي انتسابنا إليها أو انتسابها إلينا ظلماً وعدواناً بكل التفاصيل الطبيعية والحضارية، والتي تجعل من الحوار الحقيقي منطلق كل تغيير نحو الأفضل.

وفي اعتقادي أن الواجب يقتضي تكثيف الجهود للبحث عن مكنون جوهرة الوسطية المفترضة، وعن كيفية تحويلها إلى جوهرة حقيقية سعيا نحو بناء السلام بناءً يقوم على التفتيش عن عيوبنا، والعمل على الاعتراف بها وتجنبها بكلما ينبغي حمله من شجاعة، والبحث عن مزايا الآخرين والاستفادة منها، وهذا عكس المنهج القائم الذي يعد أهم أسباب ما نعانيه من تورمٍ في الذات يعمي العيون والقلوب عن رؤية الحقيقة!.

لم ندرس مثلاً لماذا حورب العلماء والمفكرون العرب والمسلمون الذين كان لهم حضورهم في بعض صفحات التأريخ كما يقال؟، ولماذا تم تكفيرهم واتهامهم بالزندقة والمروق والإلحاد، وزج ببعضهم في السجون وأوذوا وأعدم بعضهم بكل وسائل الإعدام وأبشعها سواءً على أيدي الحكام الطغاة المسكونين بالخوف على عروشهم المهترئة، أو عن طريق العامة المكبلين بثقافة القطيع؟.

وكيف تحولت السلطة بنظرهم إلى وراثة مقدسة سواءً من خلال ادعاء الحق الإلهي الذي يأبى البعض التسليم بأنه ضرب من الخرافة، ويستخدموا كل أساليب الإرهاب المادي والمعنوي ضد معارضيهم، أو من خلال عدم إفساح المجال لهم كي يطوروا من إبداعاتهم والاستفادة منها في تطوير مختلف جوانب العلم والمعرفة والتنمية الزراعية والصناعية وكل أساليب الإنتاج، والحيلولة دون امتلاك أدوات المعرفة، والاستفادة من تجارب الآخرين في كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة!!.

الشعوب الحية لا تنتظر من السلطة أن تصرح لها بأن تبدع وأن تمارس حقها في الإبداع والعمل، ببساطة لأنها صاحبة الحق في الإبداع وفي الحياة، وفي السلطة بما في ذلك الحق في اختيار الحكام وتحديد مدة ولايتهم ومساءلتهم واستبدالهم بغيرهم سواء بالصورة الدستورية الاعتيادية أو بصورة استثنائية إن ارتكبوا ما يوجب محاكمتهم وعزلهم، وهذا الحق أبرز الأدلة على حيوية الشعوب أو موتها فمتى نرى شعوبنا تنبض بالحياة؟!.

رماني الدهر بالأوهام عمراً * ولست به أداري أو أبالي

وما الدنيا سوى قلبي إذا لم * أجده لم أجد وطناً ببالي

اقرأ أيضا للكاتب: الأستاذ عبدالعزيز البغدادي يكتب عن صناعة الأصنام

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى