اخبار محليةثقافة وسياحة

إرث البردوني الضائع مسؤولية من؟

إرث البردوني الضائع مسؤولية من؟

إرث البردوني الضائع مسؤولية من؟

كتب_ بلال قائد

الأربعاء4سبتمبر2024_ البردوني وإرثه الضائع من المواضيع التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش والجدل طوال خمسة وعشرين سنة من وفاته. وقد اختفت أعماله من المكتبات. فمرة يقال إن ورثة الشاعر سحبوها من المكتبات، ومرة يقال إن السلطات قامت بإخفائها ربما بسبب عدائه معها، حسب تفسيرات البعض.

 والكثير من المقربين من الراحل قد أكدوا كثيرا أن الشاعر كان لديه الكثير من الأعمال الجاهزة للطباعة، في حين ينفي آخرون ذلك، وهم كذلك أدباء كانوا من المقربين من الراحل. فانقسمت الآراء وتعددت الروايات.

 وقالت أرملة البردوني الأستاذة فتحية الجرافي، قبل وفاتها بداية العام 2024، في مقابلة منشورة على موقع المؤتمر نت 2 سبتمبر 2005 “إنه كان يعد مقالاته التي تنشر في صحيفتي (الثورة) و(26 سبتمبر) وهذه المواد كان يجمعها وكان يهدف إلى أن يحولها إلى كتب، وهي مجموعة، ولم تطبع إلى الآن.”

البردوني في منزله

وتؤكد الجرافي بقولها “حافظت على كل كتبه وكل أوراقه، ويمكنني القول هنا إنني أغلقت الأبواب على هذه الأشياء حتى يحين وقت إخراجها.” كما أكدت بنفسها في حديث للصحفي والكاتب أحمد الأغبري سنة 2012، والحديث منشور على مدونته “أنها خلال الخلاف الذي طال في المحاكم كانت قد جمعت مكتبته ومؤلفاته ومخطوطاته وجوائزه ومقتنياته ووضعتها في منزله بحي بستان السلطان الذي صار تحت تصرف ابن أخيه.”

 وبحسب الأغبري “فإنه قد تم تشكيل لجنة من الأعيان تولت حصر هذا التراث،” وحسب يحيى جغمان عضو اللجنة فقد تم تسليم كل ذلك التراث من كتب ومخطوطات ومقتنيات لابن أخ البردوني، باستثناء الديوانين اللذين بقيا في حوزة محمد الشاطبي.

رواية “العم ميمون” دفع بها إلى إحدى دور النشر حسب شهادة أديب عربي معروف ، إلا أن الدار أفلست قبل أن تقوم بنشرها، ولم تقم بإعادة النسخة.

فرض الوصاية والمحاصصة

ومن هذا المنطلق يوضح الأديب والناقد عبد الرقيب الوصابي لمنصة خيوط: إن الإشكالية تكمن في موقف الورثة اللاواعي، ومحاولتهم الاستحواذ وفرض الوصاية والمحاصصة لما تبقى من دواوينه وكتبه النثرية غير المطبوعة. وفي ما يخص كتبه المختلف حولها يقول: “إن الديوانين “العشق في مرافئ القمر،” و”رحلة ابن من شاب قرناها” متوفران لدى دائرة ضيقة لا تتجاوز ورثة الشاعر، بالإضافة إلى الشاعرين محمد القعود وكمال البرتاني. وبخصوص رواية “العم ميمون” يقول الوصابي: إن الراحل كان قد دفع بها إلى إحدى دور النشر حسب شهادة أديب عربي معروف لم يذكر أسمه، إلا أن الدار أفلست قبل أن تقوم بنشرها، ولم تقم بإعادة النسخة المخطوطة أيضا.

الصندوق الذي كان البردوني يحمل مفتاحه في خصره قد تم فتحه وإخلاؤه من جميع البحوث والكتب غير المنشورة، بعد ساعة واحدة من وفاته.

 أين مفتاح الصندوق؟

بدوره قال الشاعر عبدالإله الُقدسي في حوار مع وكالة الشعر العربي “إن البردوني توفى ومفتاح صندوقه مثبت على خصره، وإن الصندوق قد تم فتحه وإخلاؤه من جميع البحوث والكتب غير المنشورة، بعد ساعة واحدة من وفاته.” وهو يلقي -أي القدسي- بالمسئولية على زوجة البردوني التي قالت إنها سلمت المخطوطات إلى ’ذوي الشأن في الدولة،‘ ورغم ذلك هو يشكك في إفادتها، مؤكدا في الوقت نفسه أنه على ثقة بأن المخطوطات لا زالت في صندوق البردوني الخشبي، الذي انتقل مفتاحه بعد موته إليها باعتبارها زوجته حال وفاته.

وأين الجمهورية اليمنية؟

 فيما يقول الكاتب محي الدين سعيد لمنصة خيوط إنه “ليس غريبا إذا ظهرت أعمال أخرى للبردوني خلاف الكتب المتفق حولها والمختلف عليها كذلك،” فكتابه “الجمهورية اليمنية” كان قد أوقف طباعته بعد حرب الانفصال قائلا إن تاريخ اليمن ما زال يُكتب، وكتابه “الجديد والمتجدد في الأدب اليمني” وديواني الشعر المتفق حولهما ورواية “العم ميمون.”

ويختصر الصحفي سامي غالب الحديث للمنصة بالقول: إن البردوني كان قد انتهى عام 1998 من وضع مسودة كتابه “الجمهورية اليمنية،” وكان جاهزا للطبع، دون أن يخوض في بقية العناوين المخفية. ويستدرك “أيا كان الوضع فهو لا يعفي الحكومات المتعاقبة منذ رحيله من مسئوليتها، وكما أنه يعتبر ما تعرض له إرث البردوني عملا كيديا من السلطات وسط تعامٍ وتراخٍ من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.”

فيما ينفي الدكتور قائد غيلان في صفحته على الفيس بوك وجود رواية “العم ميمون” وديواني الشعر المتفق حولهما، ويبرر ذلك بأن ديوان “رحلة ابن من شاب قرناها” قد صدر بالفعل باسم آخر، قد يكون هو نفسه “رواغ المصابيح،” وأن ديوان “العشق على مرافئ القمر” عنوان رومانسي لا يشبه أسلوب البردوني، ولا ينسجم مع أسلوبه في دواوينه الأخيرة.

أحمد جابر عفيف تراجع عن طباعة ديواني البردوني اللذين سلمهما له الشاطبي بعد أن تلقى تهديدا بإغلاق المؤسسة في حال طباعتهما.

 من الذي هدد العفيف؟

لكن الشاعر علوان الجيلاني في حديث للمنصة يرد على الدكتور قائد غيلان بأنه قد شاهد بعض كتب البردوني غير المنشورة بعينيه، وأنه أملى عليه بعضها، مؤكدا: “قبل رحيل البردوني بثلاثة أيام كان مخطوط كتاب “الجمهورية اليمنية” بين يدي، وقد اختفى بشكل مفاجئ.” أما عن الديوانين محل الخلاف فيقول الجيلاني: إن الأستاذ أحمد جابر عفيف كان قد قرر طباعتهما في مؤسسة العفيف الثقافية مطلع عام 2002، بعد أن سلَّم “العزي” محمد الشاطبي نسختين لهما للمؤسسة. وبحسب شهادة الجيلاني، فإن عفيفا تراجع عن طباعة الديوانين بعد أن تلقى تهديدا بإغلاق المؤسسة في حال طباعتهما، ليصل إلى نتيجة مفادها أن النظام شعر ويشعر بخطر مما يكتبه البردوني.

امتلك البردوني الحرية الكافية للنشر، وأحيانا برعاية رسمية، فقد كتب في صحف السلطة والإذاعة الرسمية وغيرها من الوسائل، وهو ربما ما يتعارض مع الكثير من الإشاعات، وإن كان في بعضها جزء من الحقيقة.

يرغب أشخاص في تحويل البردوني إلى دجاجة تبيض ذهبا، بينما هم لم يساهموا مطلقا في كتابة ولا حتى حرف واحد في حياتهم.

الشعب وارثه الحقيقي

ويتحسر الأديب وجدي الأهدل على ضياع أو إخفاء مخطوطات البردوني، قائلا للمنصة: إنه لأمر محزن أن يرغب أشخاص في تحويل البردوني إلى دجاجة تبيض ذهبا، بينما هم في الواقع لم يساهموا مطلقا في كتابة ولا حتى حرف واحد في حياتهم. ويطالب الأهدل “بأنه يحب أن تنتقل ملكية إرث البردوني اللامادي مثل مخطوطاته ودفاتره وأرشيفه للشعب اليمني، وأن يتم صونها والمحافظة عليها بوصفها أثرا ثقافيا بالغ الأهمية له قيمته المعنوية، وباعتباره جزءا من هوية الأمة وتاريخها العريق.”

والذي تأكد لنا من خلال القيام بجولة سريعة في كتب البردوني الصادرة أن هذه المسألة لها وجهان، الأول أن البردوني تخلى عن هذه العناوين في آخر طبعاته للكتب الصادرة منذ عام 95 وحتى عام 98، أي قبل وفاته بعام. والوجه الثاني أن البردوني كثيرا ما كان يقوم بتغير بعض العناوين بعناوين أخرى، حسب ما أوضح كل من صادق القاضي سابقا والدكتور قائد غيلان.

 طمع الورثة وتنصل الحكومة

بدوره يوضح الكاتب حسين الوادعي لمنصة خيوط: “ما وصلت له حتى الآن أن هناك فعلا ديوانين شعريين هما “رحله ابن من شاب قرناها،” و”العشق على مرافئ القمر،” وهما موجودان مع ورثه البردوني أبناء إخوته، وبسبب الطمع والجشع من ناحية، وتنصل الحكومات اليمنية المتتالية عن دورها نحو رمز ثقافي وطني كبير مثل البردوني، فإنهما لا زالا حبيسي الأدراج، بانتظار من يطبعهما ويوزعهما ويشتري حقوق ملكيتهما من الورثة.”

بحسب ما هو معروف أن البردوني كان يرتب الكتب وعناوينها داخل ذهنه، ولا يقوم بإملاء أي مخطوط إلا بعد أن تكتمل فكرته وصياغته الكاملة في ذهنه.

اطلال منزل البردوني المنهار

ومن خلال العودة إلى كتب البردوني التي صدرت خلال حياته قد نجد بعض العناوين التي وردت ضمن هذا التحقيق، ففي كتاب فنون الأدب الشعبي الصادر في ثمانينيات القرن المنصرم نجد بعض العناوين الواردة وهي (الجديد والمتجدد في الأدب اليمني، شاعرية الزمان والمكان في الشعر العربي، بجانب ديوان شعر لم يذكر اسمه،) وفي كتاب “قضايا يمنية،” الطبعة الخامسة الصادرة عام 96، وردت العناوين (الجديد والمتجدد في الأدب اليمني، رجل ومواقف، الحركات الوطنية، من أول قصيدة إلى آخر طلقة، زمان بلا نوعية، وهو ديوان شعر،) وهي نفس العناوين التي ورد ذكرها في الطبعة الأولى من الكتاب الصادرة عام 78.

منزل البردوني في قريته بالحداء محافظة ذمار

هناك عناوين ورد ذكرها لم تصدر أساسا ولم يرد ذكرها في الطبعات الأخيرة من كتبه، وهو ما يدل على أنه تراجع عنها أو غيَر عناوينها.

عناوين ترد وأخرى تختفي

 أما في عام 95 فقد صدرت الطبعة الثانية من كتاب “أشتات،” وهو عنوان لم يرد ذكره في أي طبعة من طبعات البردوني التي صدرت في الثمانينيات، ولم يرد في ختام الكتاب أي ذكر لأي كتب تحت الطبع، كما هو الحال في “من أول قصيدة إلى آخر طلقة” في طبعته الثالثة للعام 97 الصادرة من دار البارودي، وبعده كتاب “اليمن الجمهوري” الصادر في طبعته الخامسة عن دار الأندلس عام 97، كما أن عنوان هذا الكتاب لم يُذكر من قبل في أي طبعة قديمة لكتب البردوني.

 كذلك هو الأمر في كتاب “الثقافة والثورة في اليمن” الصادر في طبعته الرابعة عام 98 عن دار الفكر بدمشق، في حين أن الكتاب نفسه لم يرد ذكره كذلك في أي كتب سابقة للبردوني، ولا ننسى كذلك كتاب “الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل” الذي لم تصدر منه سوى طبعتين، آخرهما عام 88 من دار المأمون في مصر.

ويتضح لنا من خلال هذه الجولة السريعة في كتب البردوني الصادرة أن هناك عناوين ورد ذكرها لم تصدر أساسا ولم يرد ذكرها في الطبعات الأخيرة من كتبه، وهو ما يدل على أن البردوني تراجع عنها أو أنه غيَّر عناوينها، في الوقت الذي نجد فيه كتبا لم يرد ذكرها سابقا ويتفاجأ القراء بها، كعنوان “المشهد الثقافي في اليمن” الذي جاء ذكره في الطبعة الأخيرة لديوان “كائنات الشوق الآخر” في طبعته الرابعة الصادرة عن دار البارودي عام 97، وهو عنوان لم يرد له أي ذكر ضمن سياق الحديث في هذه المادة.

ويرى الوادعي أنه “ربما كان كتاب ’الجمهورية اليمنية‘ قد كُتبت أجزاء بسيطة منه على شكل مسودة غير مكتملة، ولم يتمكن البردوني من إنجازه قبل وفاته، وأن هذه المسودة إن وجدت لن تخرج من نطاق الورثة أو أحد قرائه الشخصيين.”

ويستمر الوادعي بالحديث للمنصة بأن “أهم الأعمال وأهم إنجازات البردوني قد تم نشرها، سواء في دواوينه الشعرية أو كتبه الفكرية التي أشرف على طباعتها ونشرها وتوزيعها أثناء حياته.”

مكتبة البردوني تحوي الكثير من المخطوطات لمقالات وأبحاث ودراسات، وهي تحتاج إلى بحث ومقارنة معقدة في ظل تجاهل المؤسسات الثقافية.

ماذا قال الحفيد عن مكتبة الجد؟

وفي لقائنا مع محمد عبده البردوني حفيد شقيق الشاعر الراحل أكد للمنصة: أن الطبعات الأخيرة لبعض كتب البردوني ذُكِرت في الصفحات الأخيرة منها قائمة بالأعمال التي صدرت للمؤلف والأعمال القادمة، منها ديوانا الشعر المتفق عليهما واللذان صدرا قبل عامين. كما قال: إن رواية “العم ميمون” تم ذكرها كذلك، وكتاب نقدي تحت عنوان” الجديد والمتجدد في الأدب،” وكتاب “الجمهورية اليمنية.”

كما يؤكد البردوني أن اللجنة التي تم تشكيلها بعد وفاة جده البردوني وجدت ظرفا كبيرا يحتوي على برنامج “ثوار في رحاب الله،” وهو الكتاب الذي أصبح بحوزتهم بجانب رواية “العم ميمون،” وهذان الكتابان جاهزان للطبع.

 كما أنه لا ينفي سرقة أعمال البردوني، فإن هذه الأعمال قد كانت جاهزة ومعدة للطبع، وهذا الأمر يصدق أيضا على كتاب “الجمهورية اليمنية.”

عدد من الكتاب والأدباء عند اطلال منزل البردوني ببستان السلطان صنعاء القديمة

ويستمر البردوني بالحديث قائلا إن المكتبة الشخصية للبردوني تحوي الكثير من المخطوطات لمقالات سياسية وأبحاث أدبية ودراسات نقدية، وهي تحتاج إلى بحث ومقارنة طويلة ومعقدة في ظل تجاهل الدولة والمؤسسات الثقافية.

اقرأ أيضا:إعادة بناء منزل شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، وتحويله إلى متحف لأعماله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى