“أنا متعب” كلمة اختزلت كل حياته
“أنا متعب” كلمة اختزلت كل حياته
“أنا متعب” كلمة اختزلت كل حياته
كيف يواجه النازحون والمشردون برد الشتاء؟
معيشة هذه الفئة تثير الكثير من التساؤلات حول حقوقها
التكافل الاجتماعي من المبادئ الأساسية التي تعزز تماسك المجتمعات وترابطه
المشردين والمتخلفين عقليا الذين ينامون على أرصفة الشوارع تحد قيمي للدولة والمجتمع
الاثنين 23 ديسمبر2024_ كتب عبدالرحمن الشيباني
عابرون يذرعون الطُرق ذهابا وإيابا في أزقة صنعاء وأرصفتها وليلها البارد الذي لا يرحم ، غير أن أولئك المارة لا يكترثون لتلك الوجوه الكالحة والقلوب المعذبة، التي يتقاسمها الوجع والبرد والفاقة علي الأرصفة والزوايا التي باتت مسكنا لهم.
نازحون و مُشردون ومختلون عقليا فاقموا المأساة بتلك الأجساد الهزيلة الجائعة المُتعبة التي يأخذ من منها برد الشتاء قسطا وافراً ليبقوا بتلك الصورة المحزنة، في احتضان أرجلهم وأيدهم وكأنهم بذلك سيمنعون عنهم لسعات البرد الشديدة ، لكن الضيف الثقيل يأبي إلا أن يكون زائراً ثقيلاً عليهم ، لا خيار لهم فيما يواجهونه في الوقت الذي لا يكترث احد لما يجري لهم وهذا هو المؤلم في الأمر.
وضع مأساوي
يعتقد الكثيرين أن الفقر والعوز والتفكك الأسري احدي أهم العوامل، التي تجعل من هؤلاء البسطاء من الناس يتوزعون علي أرصفة الشوارع والحارات ،وتعيش بهكذا وضع مأساوي يُدمي القلب لمن يمتلك قلب إنساني، دون الاكتراث لحالهم من قبل الجهات الرسمية والجمعيات الخيرية .
معيشة هذه الفئة تثير الكثير من التساؤلات حول حقوق هذه الفئة على الدولة والمجتمع، وحدود المسئولية لرجال الأعمال والشركات الخاصة، والمؤسسات الكبرى عن توفير الرعاية اللازمة لهم، بطريقة آدمية تحافظ على حق الإنسان في الحياة والكرامة الإنسانية.
الجهات المعنية التي من المُفترض أن تكون إلى جانبهم والتخفيف عنهم من خلال توزيع البطانيات والملابس الشتوية لهم ، هذه الفئة من الناس مازالت بحاجة ماسة إلى الالتفات لها، من خلال تلمس أوضاعهم الصعبة خُصوصا ونحن في فصل الشتاء الذي يكون شديد البرودة ، الحقيقة أن الجميع معنّي بهذه القضية الإنسانية التي تستحق الوقوف أمامها بمسؤولية،
انتظار الفرج
علي مقربة من احد المساجد ينام صامد عبده بجانب زملائه ببطانيات خفيفة متهرئة تعتليها بعض الكراتين بصحبة بعض أصدقاء جمعتهم المعاناة ويعيشون نفس الظروف التي جعلت من صامد ينام بهكذا وضع، والذي جاء من السعودية هاربا بعدما فشل في الوصول إليها عائدا إلى بلادة لكنه لم يتوقع أن يكون في هذا الوضع كما قال ” صامد.
مضيفا وهو يجمع بعض مقتنياته البسيطة “أنا متعب” ويكتفي بوجبة أو وجبتين من الطعام يأتي بها من احد المطاعم وقد فقد الأمل في أن يجد أن يجد عملاً يقتات منه، بدلا من الانتظار ما يجود به أصحاب المطاعم له ولزملائه ،الذين كما قال كل واحداً منهم لديهم قصة مُشابهة لقصته، جمعهم هذا الرصيف وأردف صامد وهو في العقد الثالث من عمرة ” الناس ما تُشوفنا والبرد أتعبنا لا يوجد من هو فاضي لنا، كل واحد يقوم من هنا تاعب يروح يدور له لقمة، تُروح تشتي تشتغل ما فيش أو يشتوا وساطة، هؤلاء اللي جمبي من الحديدة وتعز وريمه وعبس نازحين، يدوروا في الشوارع يشتوا يشغلوا ويرجعوا إلى هنا ، يقولوا ما بش عمل.. وين نروح ” بهذه الكلمات يُنهيي صامد حديثة لكنه وضع الجميع أمام امتحان صعب في ان يفي المجتمع بمسؤولياته الأخلاقية والدينية تجاه هذه الشريحة من الناس ومن جار علية الزمن والحرب التي أثمرت كل هذا الوجع والألم، إلى الحد الذي قضت حتى علي أحلام الناس في أن يعيشوا حياة كريمة ،وحتى تلك الأحلام أصبحت للبعض معدومة وفي حكم النسيان، إلا من قطعة عيش تسد الرمق ، ولحاف بسيط يغطي تلك الأجساد المنهكة النحيلة
جرعة أمل
لا يحتاج النازحون سوى كميات بسيطة من دفئ القلوب قبل دفئ الأجساد، والإحساس بهم وجرعات الأمل للالتحاق بالحياة الطبيعية التي تتوافق مع إنسانيتهم المنزوعة كُرهاً منهم ، الوجوه التي رأيناها كان الزمن والحرمان قد رسم خطوطه وتعاريجه علي الملامح لم يستثن احد ، كما أسلفنا الحرب كانت قد عملت مفاعيلها، البعض منهم كما قالوا كنا في أحسن حال ، يلتحق محمد علي، بأفواج المشردين وتحت وقع الحاجة يفترش الكراتين بجانب سور جامعة صنعاء ويقول أن هناك من يأتي إلية ويتبادل معه بعض الكلمات ثم يذهب علي أمل العودة لكنة لا يعود محمد يعاني بعض الكسور في رجلة ومع قدوم فصل الشتاء يزداد الوجع والألم وهذا يعيقه أثناء السير لجمع قوارير المياه من أماكن مختلفة ،احمد حسن لا يقل بؤسا عن زميلة محمد ويقول انه جاء من محافظة إب للعلاج لكنة لا يملك ثمن الدواء أو الإقامة في فندق وكل ما كان بحوزته أنفقها للعلاج،حاليا لا سبيل أمامه إلا أن ينام علي قارعة الطريق حسن قال لـ عبدالرحمن الشيباني المحرر في ” صوت الشورى” ” لا احد يلتفت لنا وكأننا حشرات ويتساءل السنا مسلمين ؟ بعت كل شيء من اجل العلاج، ولم اعد امتلك شيئا سوي الرصيف الذي بإمكانه أن يحتويني.
حُلم مختلف
لقد أصبح الرصيف والأزقة هو آخر أحلامهم يتمسكون به هؤلاء ويتبادلون معه برد الشتاء وحر الصيف وتقلبات الأمزجة للبعض ممن يمرون من أمامهم ، لا احد يسدي معروفاً في بعض كلمات حانية أو بعض لقيمات أو كسرة خبز ، أو كسوة، حتى وان كانت مُستخدمة تقيهم من البرد ، بل أن بعضهم ينام علي مقربة من الملابس الشتوية المشنوقة علي سيخ من الحديد ومعروضة للبيع فهم لا يستطيعون التقاطها لدفئ الجسد حتى وان كانت أسعارها رخيصة ، لقد رخص الإنسان فكيف بالملابس؟
ومن ضمن الحالات التي وجدناها كانت للأخ مهدي ناصر ناصر، والذي بدرور ينام تحت احدي الكباري كغيره من المئات من المشردين ،عندما اقتربنا منة بهدوء انتفض كأنه أصيب بلسعة ما علي جسده النحيل، أثناء الحديث معه ل، “صوت الشورى” أدركنا أن الرجل قواه العقلية قد خارت بعض الشيء، من خلال الكلمات والعبارات الغير مفهومة واستدعاء الماضي والتعبير عنه بطريقة غير منطقية ، هناك الكثير من أمثال ناصر يتوزعون علي عواصم المحافظات وليس فقط في صنعاء ،وإجمالا المشردين موجودين في مختلف مدن العالم ، أنها حالات إنسانية تصيب القلب في الصميم.
هذا الحالات تثير لدينا العديد من التساؤلات ،مثلا أين خطباء المساجد والدعاة؟ لماذا لا يقومون بدورهم؟ وهيئه الزكاة ورجال الخير أين دورهم ؟
طبعا ما شاهدناها هي عينة ونماذج بسيطة من الحالات والنماذج التي تمتلئ بها ذاكرتنا من صور مرعبة، هناك المئات ، بل والآلاف منها التي تضع خدها علي الرصيف لتنام ثم لتسبح في المجهول الذي لا يصلها لشاطئ الأمان الذي كان باستطاعتنا التحرك لكي ،نبقي لهم بصيص أمل في الوصول .
خطة إنقاذ
الإحصائية الاجتماعية الأستاذة وداد أبو طالب تشير في هذا الصدد لـ “صوت الشورى” إلى أن التحرك المجتمعي ضروري إزاء هذه الشريحة المهضومة والمظلومة من الناس، التي ألقت بهم الحياة علي قارعة الطريق دون أن يكون هناك حلول حقيقية من قبل الجهات المعنية والمنظمات والجمعيات العاملة في هذا المجال ، والتي لم تحرك ساكنا لافتا إلى أن الدور الرسمي والحكومي يجب أن يكون حاضرا في هذا الشأن، وتضيف أبو طالب” كان لدينا خطة بهذا الأمر أعددناها، مثل أن يقوم احد التجار بحملة تبرعات من زملائه الذين يعرفهم من اجل شراء بطانيات وتوزيعها علي المحتاجين ،وقبل ذلك يكلف احد الموثوقين بهم بحصر الأسر المحتاجة للبطانيات بسرية تامة ثم توزيع هذه البطانيات ليلا للأسر المحتاجة بدون ذكر من قام بهذا العمل ولا من أي جهة قامت بالتبرع أيضا ،هناك جانب للدعم من خلال عمل جولة في الشوارع ليلا، والبحث عن الموجودين في الشوارع وهذا العمل طبعا يكون في فصل الشتاء، هذه الخطة يمكن القيام بها إذا ما تحرك الخّيرين في بلادنا.لنجده هذه الشريحة من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة
ترابط مجتمعي
الناشطة المُجتمعية وثيقة النقيب تعتبر لـ “صوت الشورى” أن التكافل الاجتماعي مهم جداً ودليل علي ترابط المجتمع.
وتقول النقيب “التكافل الاجتماعي من المبادئ الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمعات وتساهم في رفع مستوى الحياة الإنسانية، خاصةً في أوقات الشدة والمحن والتغيرات المناخية ،مثل أيام البرد القارس حيث تتطلب الظروف المناخية القاسية مساعدة الأفراد بعضهم لبعض، مما يبرز قيمة التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع وتضيف “فصل الشتاء تحدٍ كبير و تأتي معه العديد من التحديات، مثل انخفاض درجات الحرارة التي تؤثر سلبًا على الفقراء والمحتاجين، وخاصةً الذين لا يمتلكون وسائل التدفئة في هذه الظروف، يصبح من المهم على الأفراد والمؤسسات أن يتكاتفوا لتقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين والمتشردين الذين لا يمتلكون منزلاً ليؤويهم من برودة الجو الذين يعيشون في الطرقات وتحت الجسـور وفي أبـواب المحلات التجارية والذي كانت الحروب هي السبب الرئيسي بتـشردهم وفقـــرهـــم ، يُمكن أن تتجلى مظاهر التكافل الاجتماعي في تقديم المساعدات الإنسانية، مثل توزيع الملابس الشتوية، والبطانيات، والطعام الساخن.
نشاط خيري
تُظهر مبادرات التكافل الاجتماعي روح الإنسانية لدى الأفراد، حيث يعمل الناس على تنظيم حملات لجمع التبرعات، وتوزيع المساعدات على الأسر المحتاجة. كما تلعب الجمعيات الخيرية دوراً محورياً في هذا المجال، من خلال تنظيم فعاليات لجمع التبرعات وتنسيق أنشطة التوزيع من جهة أخرى، يُعزز التكافل الاجتماعي من الروابط الأسرية والمجتمعية، حيث يتشارك الأفراد المساعدات ويظهرون تقديرهم لبعضهم البعض ، يعكس هذا السلوك القيم الرفيعة ، مثل الكرم والمودة، مما يساهم في بناء مجتمع صحي ومترابط في النهاية، وتعتبر النقيب التكافل الاجتماعي مبدأ إنساني خلاق خصوصا أيام الشدة والعوز كما هو الحال بأوقات البرد وهو تجسيدًا للقيم الإنسانية النبيلة حد وصفها، نحث المجتمع على تكاتف الجهود لتوفير الحماية والدعم للمحتاجين ،إن دعم بعضنا البعض في أوقات الصعوبات يُعزز من روح التعاون والمودة، مما يجعل المجتمع واحدًا متماسكًا يسعى لتحقيق الرفاهية للجميع، من المهم أن نستمر في تعزيز قيم التكافل والتعاون في مجتمعاتنا، ليس فقط في أيام الشدة كما أسلفت ، بل على مدار العام ،فالتكافل الاجتماعي هو عنوان الإنسانية، ويعكس مدى تفاني الأفراد في مساعدة بعضهم البعض، مهما كانت الظروف.