كتابات فكرية

فضيحة إبستين: عندما تكشف الوثائق هشاشة النخب التي تتحكم بالسياسة والاقتصاد العالمي

فضيحة إبستين: عندما تكشف الوثائق هشاشة النخب التي تتحكم بالسياسة والاقتصاد العالمي

بقلم الدكتور: عبدالرحمن المؤلف

 الأحد 16 نوفمبر 2025-

في بداية العام 2024، أُزيحت السّتار عن دفعة جديدة من وثائق قضية جيفري إبستين، الرجل الذي تحوّل اسمه إلى رمز لتشابك المال بالسياسة، والجنس بالسلطة، والابتزاز بالنفوذ. لم تكشف الوثائق مجرّد أسماء عابرة لرجال أعمال أو مشاهير، بل لائحة طويلة لشخصيات سياسية ودبلوماسية وأمنية ينتمي بعضها إلى النّخبة التي تصوغ السياسات الدولية وتتحكم في مسارات الاقتصاد العالمي.

ورغم أنّ معظم الأسماء الواردة لم تُدان قضائيًا، فإنّ القاسم المشترك بينها ـ بحسب ما ورد في تقارير نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، واشنطن بوست، BBC، الغارديان — هو وجود علاقة مختلفة المستويات مع إبستين، تتراوح بين لقاءات خاصة، وتمويلات، وزيارات، وظهور مشترك في مناسبات مغلقة، وصولًا إلى علاقات راسخة استمرت لسنوات.

النخبة العالمية… صورة غير محمية من الفضائح

أخطر ما تكشفه هذه الوثائق ليس فقط تورط بعض الشخصيات في علاقات مشبوهة، بل مدى هشاشة البنية الأخلاقية للنخب التي تُقدَّم للرأي العام باعتبارها “قادة العالم” و“حماة الديمقراطية” و“رموز النزاهة”.

فالمشهد الذي ترسمه الوثائق يبرهن على أنّ جزءًا من مراكز القوة كان ـ على الأقل ـ قريبًا من شخصية متورطة في شبكة استغلال وابتزاز جنسي، ما يطرح سؤالًا مركزيًا:

 كيف استطاع إبستين أن يرسم شبكة نفوذ تمتد من البيت الأبيض إلى قصر باكنغهام، ومن وول ستريت إلى أروقة الأمم المتحدة؟

الإجابة التي قدّمتها كثير من التحليلات الأمريكية (مثل The Atlantic وVox وPolitico) تشير إلى أنّ إبستين لم يكن مجرد “سمسار جنس”، بل:

1. واجهة مالية لتبادل المصالح بين السياسيين والمليارديرات

حيث كان يوفر لهم قنوات للتعارف والتحالف وتبادل الخدمات.

2. نقطة التقاء بين المال الأسود وصناعة القرار

وفق تحقيق Wall Street Journal حول حساباته وعلاقاته المصرفية.

3. شخصية تستخدم “الابتزاز الناعم” عبر المناسبات الخاصة

وهو ما تشير إليه شهادات بعض الضحايا وتقارير المحكمة في نيويورك.

عندما يصبح الانحراف جزءًا من منظومة النفوذ

لا يعني هذا أن كل الأسماء الواردة متورطة في جرائم، لكن الوثائق تكشف نمطًا مقلقًا:

غياب الحدود الأخلاقية لدى بعض صناع القرار.

استعداد بعض السياسيين للتعامل مع شخصيات مثيرة للشبهات مقابل النفوذ والمال والتمويل.

قرب مقربين من الحكومات الغربية من شبكة كانت تستغل عشرات القاصرات.

ومع أنّ التحقيقات لم تُدن كل الأشخاص، إلا أن السؤال الأهم هو:

لماذا تجمّعت هذه النخب السياسية والمالية حول رجل مثل إبستين؟

هذا السؤال وحده يكفي ليعيد تشكيل النظرية السائدة حول “نقاء” النخب الحاكمة في الغرب.

أسطورة “النخبة الأخلاقية”… تتهاوى

تقدم الوثائق نموذجًا صادمًا: النخبة التي تقود العالم ليست دائمًا تلك الصورة المثالية التي تُقدّم للجمهور.

صحيفة The Guardian وصفت القضية بأنها:

“نافذة على الوجه الخفي للسلطة الغربية.”

بينما كتبت Politico أنّ:

“قضية إبستين تُظهر أنّ العلاقات الشخصية والامتيازات الخفية قد تلعب دورًا أكبر من المؤسسات والديمقراطيات في صناعة القرارات.”

أما BBC فوصفت الوثائق بأنها:

“أضخم اختبار لسؤال الأخلاق في النخبة الأمريكية منذ فضيحة ووترغيت.”

العبرة السياسية: من يحكم العالم ليس دائمًا من يستحق ذلك

الاستنتاج الذي تطرحه الوثائق ليس نظريًا ولا مؤامراتيًا، بل مبني على بيانات رسمية:

أسماء رؤساء.

رؤساء وزراء.

دبلوماسيون كبار.

قضاة أمريكيون.

شخصيات مالية تُحرّك مليارات الدولارات.

كلهم ظهروا — بدرجات متفاوتة — في ملف رجل واحد متورط في فضيحة جنسية كبرى.

هذا يقود إلى خلاصة صادمة لكن موضوعية:

النظام العالمي محكوم في جزء منه بمنظومة نخبوية تغيب عنها الرقابة الأخلاقية، وتعتمد في توسّعها على المال والعلاقات المظلمة أكثر من اعتمادها على النزاهة أو الكفاءة.

الخلاصة

ليس الهدف من نشر الوثائق مجرد فضيحة، بل إضاءة على بنية السلطة العالمية نفسها.

لقد أظهرت وثائق إبستين أن الفساد الأخلاقي يمكن أن يكون جزءًا بنيويًا داخل منظومة النفوذ الغربي، وأنّ كثيرًا من مراكز القرار ليست محصنة من الانحراف، أو التلاعب، أو استغلال النفوذ.

وإذا كانت الصحافة الأمريكية نفسها تقول ذلك، فلا يمكن تجاهل أن:

من يتحكمون في اقتصاد العالم وسياساته هم بشر… بعضهم أقرب إلى الانحراف والفساد مما يُقدّم للجمهور.

لكن الفرق أنّ الوثائق وحدها هي التي تكشفهم، وليس الخطاب السياسي أو الإعلام الرسمي.

اقرأ أيضا:صبري: التقارب السعودي الأمريكي الصهيوني تهديدًا للأمن العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى