كتابات فكرية

الرباعي صوتُ السلام.. وداعية الدولةِ المدنية

الرباعي صوتُ السلام.. وداعية الدولةِ المدنية

 تمر علينا هذه الأيام الذكرى الخامسة لوفاة الأستاذ محمد عبدالرحمن الرباعي أمين اتحاد القوى الشعبية اليمنية الأسبق والذي وافته المنية في الـ 8 من شهر يونيو2019، والذي كان صوته قويا للدعوة نحو الدولة المدنية والديمقراطية .

الأسطر القادمة يغوص بنا الأستاذ محمد علي المطاع في فكر أستاذنا الكبير الفيلسوف المرحوم عبدالرحمن الرباعي  ،للاطلاع على بعض مآثر الفقيد الراحل ، وما تحدث عنه الكثير ، والذي كان قد نشره في صحيفة الثورة بتاريخ 24يوليو2019.

الرباعي صوتُ السلام.. وداعية الدولةِ المدنية

كتب : محمد علي أحمد المطاع

مما لا شك فيه أن الكتابة عن شخص ما قد يشوبها الكثير من النواقص لصعوبة الإلمام بكل تفاصيل حياة هذا الشخص أياً كان، فما بالكم بشخصية كالأستاذ محمد عبدالرحمن الرباعي، الذي عاش حياة حافلة بالنضال تربوياً وسياسياً، وكفيلسوف اعتمد الفعل أكثر من الكلام، وانتهج صمت الزاهد الورع الذي يتوارى في صومعته متجنباً كل ما قد يثير الإزعاج للآخرين، مستثنياً الطغاة والمستبدين اللاهثين خلف السلطة وجبروتها، وجعل من هذا الاستثناء منهج حياة، باحثاً عن انعتاق شعبه من ربقة التهميش والحرمان، ساعياً لتنويره وتبصيره بما يجب أن يقوم به ليعيش في سلام ولينتزع حقه في بناء دولته الوطنية المدنية الحديثة، دولة العدل والمساواة.

ولكي نلقي بعض الضوء على شيء من فكره الفلسفي السياسي نستعرض هنا بعضاً يسيراً من أقواله حول الشأن الوطني ونظرته لما يجب أن يكون عليه الوطن اليمني، وكذا ما يجب أن يناله أبناء اليمن، وكيف يجب أن يُحكَمُون، وماهية الدولة التي يجب أن تقوم على شؤون الوطن والمواطنين.

الرباعي:

كنت أختلف مع الإخوان الذين يتحدثون عن إصلاحات دستورية.. أنا كنت أقول بأن الخلل في الممارسة الدستورية وليس في النصوص الدستورية

الدساتير بشكل عام تصنع قيوداً مشدّدة في عمليات التعاطي معها سواء في التعديل أو الإضافات وهذا الحكم يشمل كل أجزاء الدستور لأن الدستور لا تستطيع أن تجزئه إلى أبواب -هذه صالحة للتعامل باحترام وهذه غير صالحة ولا تستحق الاحترام

القواعد والنصوص الدستورية تتعلق بموضوع تعامل السلطات والمجتمع معها, الأصل في الدساتير الرسوخ والاستمرار لثبات القواعد ولتقويم السلوك ولتعميم القيم، وهذا لا يتم إلا عبر رسوخ قواعد التعامل وثباتها كقواعد. فأحياناً ومن خلال الممارسة تبدو ثغرات، لكن الجهد في التعامل مع هذه الثغرات يتجه بالأساس إلى استجلاء الممارسة وقد لا تأتي هذه التغييرات من النصوص لكنها تأتي من أسلوب التعامل مع هذه النصوص

على القوى السياسية توظيف ما أنجزه الشعب اليمني من تغيير وصمود لتبني عليه أساساً لنهضته واستقراره ووضع حد لمسلسل الصراعات التي تُنهك الشعوب وحضارتها ومدنيتها.

الدستور

في ندوة عقدتها صحيفة “البيان” الإماراتية عام 2000م عن التعديلات الدستورية التي سعت السلطة الحاكمة حينها لطرحها/فرضها على النخب السياسية في بلادنا، كان للفقيد المناضل محمد عبدالرحمن الرباعي طرحه عن ماهية الدستور وكيف يجب أن يكون.. ورداً على سؤال: أيهما الأفضل التعديل أم وضع دستور جديد؟.

وبحكم أن من سُئل قد شارك ضمن قوام اللجنة الدستورية التي صاغت دستور الوحدة الذي أُقر في عام 1981 وقامت عليه الوحدة في عام 1990، فقد استعرض مسيرات التعديلات أو التغييرات الدستورية، وكان له هذا الطرح وهذه الرؤية:

هناك جملة من القواعد والنصوص الدستورية تتعلق بموضوع تعامل السلطات والمجتمع مع الدساتير, الأصل في الدساتير الرسوخ والاستمرار لثبات القواعد ولتقويم السلوك ولتعميم القيم، وهذا لا يتم إلا عبر رسوخ قواعد التعامل وثباتها كقواعد. فأحياناً ومن خلال الممارسة تبدو ثغرات، لكن الجهد في التعامل مع هذه الثغرات يتجه بالأساس إلى استجلاء الممارسة وقد لا تأتي هذه التغييرات من النصوص لكنها تأتي من أسلوب التعامل مع هذه النصوص، ولهذا تلجأ المجتمعات بقواها الفاعلة إلى مراجعة الممارسة سواء كانت من مواقع السلطة أو الهيئات التي تفتقر إلى نصوص كاملة ويتم الاحتكام في هذا إلى الأصول الدستورية.

ويضيف الأستاذ محمد الرباعي حول ذلك بالقول: إن الدساتير بشكل عام تصنع قيوداً مشددة في عمليات التعاطي معها سواء في التعديل أو الإضافات وهذا الحكم يشمل كل أجزاء الدستور لأن الدستور لا تستطيع أن تجزئه إلى أبواب -هذه صالحة للتعامل باحترام وهذه غير صالحة ولا تستحق الاحترام-. فنجد أنه في ما يتعلق بهذا الجانب وهو التوجه للتعامل مع التعديلات الدستورية يكاد يأخذ هذه الأصول أو هذه القواعد الدستورية.

ولم ينس أستاذنا الرباعي – رحمه الله – أن يصف أوضاع الهيئات الدستورية بالقول: الهيئات الدستورية في الفترة الأخيرة من أعمارها لا تتعاطى عادة مع القوانين ذات الصفة الدستورية لأن الأعضاء في هذه الفترة ينشغلون بهموم الانتخابات للمرحلة المقبلة. لهذا لا يصح أن تتخذ القرارات خلال هذه الفترة الأخيرة من عمر الهيئة الدستورية. وإذا اتخذت أي قرار من هذا القبيل فالقاعدة المتعارف عليها هي أن تسري أحكام القرار المُتخذ على اللاحق وليس على القائم من الهيئات.

وكيف يرى الأستاذ محمد عبدالرحمن الرباعي الضرورة لإجراء تعديل في الدستور، فحول هذه النقطة يقول: إذا أُتُفِق على بعض التعديلات الدستورية وجاءت التعديلات المتفق عليها سنلاحظ أنه في الواقع يحل محلها في كثير من الجوانب رأي آخر أو وجهة نظر أخرى ونتصور أن هذا المشروع وجهة نظر أخرى.. ولهذا أنا كنت أختلف مع الأخوان الذين يتحدثون عن إصلاحات دستورية.. أنا كنت أقول بأن الخلل في الممارسة الدستورية وليس في النصوص الدستورية.

وفي الندوة تحدث أستاذنا – طيب الله ثراه – عن الدستور والاقتصاد والاستقلال ومصالح المجتمع بالقول: قضية حرية الاقتصاد لا تعني المساس بمصلحة المجتمع, أنت تضمن حرية الفرد ومصلحة المجتمع في بناء الاقتصاد وبما يعزز الاستقلال الوطني أما التعديل المتضمن لحرية التجارة فهو يهدد مباشرة الاستقلال الوطني ومصالح المجتمع.

ولأن الفقيد المناضل الأستاذ محمد عبدالرحمن الرباعي كان رجل فعل، قليل الحديث عن أدواره، في السطور القادمة سنستعرض سوياً ما قاله عنه الآخرون، في كتابات نعيه.

ثوريٌ جمهوريٌ وحدويٌ

الرئيس الأسبق علي ناصر محمد كتب عن الفقيد الرباعي ودوره النضالي الوطني قائلاً:

“خسر الوطن والشعب وأسرته وحزبه المناضل والأديب الوطني الكبير الذي أفنى حياته في خدمة وطنه وشعبه منذ الخمسينيات وحتى وفاته، وكانت له إسهاماته الكبيرة في النضال من أجل قيام الثورة اليمنية والدفاع عن النظام الجمهوري وتحقيق الوحدة اليمنية، كما كانت له إسهاماته في دستور دولة الوحدة اليمنية مع رفاقه”.

مناهضٌ للعدوان

محمد صالح النعيمي عضو المجلس السياسي الأعلى قال عن الفقيد الرباعي:

“كان حكيماً وذا بعد في تفكيره السياسي الاستراتيجي ويمتلك قراءة سياسية تحليلية عميقة تحاكي المستقبل وتربطه بالماضي والحاضر كان من أبرز مهندسي مشروع اللقاء المشترك للمعارضة اليمنية حيث انبثقت هذه الفكرة من المؤتمرات التي كان يشارك فيها في بيروت مع عدد من القيادات السياسية اليمنية حينها باسم (المؤتمر القومي الإسلامي) فمن خلال هذه الفكرة قال لماذا لا نطبقها على مستوى كل قطر عربي ونبدأ من اليمن، وعمل مع عدد من زملائه ونجحوا بتشكيل تجمع للمعارضة اليمنية حينها تحت عنوان (أحزاب اللقاء المشترك)”.

ونقل النعيمي عن الرباعي حول ما يجب على القوى السياسية اليمنية، قوله:

“على القوى السياسية توظيف ما أنجزه الشعب اليمني من تغيير وصمود لتبني عليه أساساً لنهضته واستقراره ووضع حد لمسلسل الصراعات التي تنهك الشعوب وحضارتها ومدنيتها”.

وعن موقف الفقيد المرحوم محمد عبدالرحمن الرباعي من العدوان، نقل عضو المجلس السياسي الأعلى النعيمي، قوله:

“لقد وُجِّهَت إلينا دعوات عبر أصدقاء لحضور مؤتمر الرياض؟ ولكن كيف يتصور المرء المشهد (أثناء هبوط الطائرة المقلة لنا في مطار الرياض، وإثناء هذه اللحظات الطائرات الحربية تقلع من مطار الرياض لقصف العاصمة صنعاء) كيف يكون موقف الإنسان من قصف وطنه وشعبه”.

وأضاف الرباعي، كما نقل النعيمي: “كيف سيتعامل معنا التاريخ السياسي؟ سيلعننا التاريخ والأجيال القادمة بأنها كانت هكذا قوى سياسية تقبل على شعبها ووطنها عدوان وتدمير كل شيء جميل في اليمن، دمار وحصار شامل وقتل جماعي وهدم المنازل على ساكنيها تدمر صنعاء القديمة والآثار الحضارية في كل المناطق كرمز للتاريخ والحضارة اليمنية التي هي أصلاً ملك الشعب اليمني والإنسانية وليست محل صراع ولا يجوز مساسها بسوء”.

وعن المؤيدين للعدوان نقل النعيمي عن الفقيد الرباعي قوله: “أعتبر هؤلاء الناس ضل عنهم الرشد والتفكير والمنطق، إنه لسخف لا يتصوره عاقل. إذا كنا نختلف مع الموجود في صنعاء سنعارضه من صنعاء وليس من الرياض سنعارضه من السجون في اليمن اذا فرضت علينا خير لنا من فنادق الرياض وقصورها فما بالك بأن نكون في موقع المؤيد والمحرض للعدوان والقتل للإنسان اليمني ودمار لكل ما قد تحقق من البنية التحتية للشعب اليمني في العقود الماضية، فليتصور المرء الضرر الفادح الذي سيصيب النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية والضغائن والأحقاد التي سينتجها العدوان في نفوس الناس البسطاء الذين استهدفتهم قنابل طائرات العدوان”.

وكما نقل النعيمي يقول الرباعي أيضاً: “لقد ابتلي الشعب اليمني بهذه المحنة والمرض أقعدني على السرير يا ليتني أستطيع أن أسهم في إخراج وطني وشعبي من هذه المحنة…..”.

وعن وثيقة مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، نقل النعيمي عن الفقيد الرباعي قوله: “لقد حاولنا في مراحل العمر أن ننجز شيئاً من هذا ولكن مع تعثر الوعي السياسي أحبطت محاولاتنا وعليكم ان تكملوا هذا المشوار والاستفادة من تراكم الجهود الخيرة لهذا الشعب العظيم”.

مواجهة الاستبداد

الدكتور أحمد صالح النهمي كتب عن دور وموقف المرحوم محمد عبدالرحمن الرباعي قائلاً: “رحم الله الفقيد “الرباعي”, فقد عاش حياته مناضلاً سياسياً يمتلك فائض شجاعة نادرة مكنته من مواجهة الاستبداد المتغلب بالقوة قديماً وحديثاً بصورتيه الإمامية والجمهورية، داعياً إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية رافضاً بشدة التدخل الخارجي في الشأن اليمني”.

وأضاف النهمي: “كان الأستاذ محمد الرباعي يقود من خلال صحيفة الشورى لسان حال اتحاد القوى الشعبية خطاباً إعلامياً مغايراً للخطاب الإعلامي السائد الذي يدور حول قضايا هامشية بسقف محدد سلفاً لا يكاد يقترب من الخطوط الحمراء لعرش “الحاكم بأمره” ومصالح خاصته المحيطة ببلاط حكمه، فكانت صحيفة الشورى هي المنبر الإعلامي الذي استطاع بصلابة أن يتجاوز محاذير السلطة وخطوطها الحمراء فتناولت بسقف مفتوح أبرز الملفات السياسية مثل “ملف التوريث” و”تجار ومسئولون” ونهب حقول النفط والغاز، ورفض الحروب على صعدة، ومظلومية القضية الجنوبية وغيرها من الملفات”.

ولم يتجاهل الدكتور النهمي الإشارة إلى دور الفقيد مع صديقه الاشتراكي جار الله عمر في جمع الحركة السياسية للالتقاء على القواسم المشتركة لتشكيل حراك يفضي إلى خلق توازن سياسي بين السلطة والمعارضة، قائلاً:

“لم تكد تمضي فترة قليلة على انتخاب الأستاذ الرباعي أميناً عاماً للاتحاد حتى استطاع أن يلقي بظلاله على أحزاب المعارضة اليمنية والحياة السياسية في الوطن بعامة صانعاً من خلال اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى تحولاً مفصلياً في المشهد السياسي ومسارات أحزاب المعارضة اليمنية، فقد جعل من مقر حزب اتحاد القوى الشعبية منتدى سياسياً يتقاطر إلى ندواته قيادات الأحزاب على اختلافها، وعمل مع صديقه القيادي الاشتراكي البارز الشهيد جار الله عمر، على إعادة صياغة القواسم المشتركة بين الأحزاب السياسية المتباينة، إدراكاً منهما بأن المصلحة العليا للوطن تقتضي خلق توازن سياسي من خلال تشكيل معارضة سياسية قوية تستطيع أن تكبح جموح السلطة التي كانت تعيش حالة من جنون العظمة بعد تخلصها النسبي من حزب الإصلاح شريكها السابق في إقصاء الحزب الاشتراكي وانتصارها في حرب 94م، وتوجت جهودهما بإعلان تشكيل تكتل اللقاء المشترك في لحظة سياسية فارقة، وبالإجماع أوكلت إلى الأستاذ الرباعي رئاسة تكتل اللقاء المشترك تقديراً لرصيده النضالي الحافل بالمواقف المبدئية الشجاعة، وخبرته السياسية المتراكمة التي تمتد منذ خمسينيات القرن الماضي”.

رَفْضُ الحروبِ والعسكر

نقيب الصحفيين الأسبق عبدالباري طاهر كتب عن بداية حياة الفقيد الرباعي ودوره قائلاً:

“الأستاذ الفقيد الكبير محمد عبدالرحمن الرباعي أستاذ من أساتذة أجيال الخمسينيات وحتى اليوم. رحل إلى عدن في خمسينيات القرن الماضي. تتلمذ على يديه في أبين العشرات، ومنهم الزعيمان الوطنيان: سالم ربيع علي، وعلي صالح عباد (مقبل). ومنذ البدء ارتبط هذا المعلم الفذ بالحركة السياسية، فأسهم إلى جانب رفاقه: الشاعر علي عبدالعزيز نصر، وطه مصطفى، وأمين هاشم، وإبراهيم الوزير في تأسيس اتحاد القوى الشعبية (حزب الشورى سابقاً).

واعتبر طاهر أن الرباعي: “نحى منحىً ماوياً في الاتجاه الماركسي تحت تأثير انتصار الثورة الصينية، وربما أيضاً للتميز عن الاتحاد اليمني، وبسبب الخلافات مع زعامات حزب الأحرار بعد فشل حركة 48.

أصدر الأستاذ كتيباً صغيراً عن توجهه الماوي، وخلافاته مع الاتحاد اليمني حديث النشأة كامتداد لحركة الأحرار وباختلاف معها أيضاً”.

وتحدث عبدالباري طاهر عن مواقف الفقيد الرباعي الثابتة، قائلاً:

“ظل الرباعي حاضراً في العمل السياسي يتبوأ العديد من المواقع بعد ثورة الـ26 من سبتمبر، وأصبح قطباً في القوى الثالثة بزعامة إبراهيم الوزير، تميز موقف الرباعي بعد المصالحة الوطنية 1970 في الـ(ج.ع.ي) بالرفض المبدئي للحرب. وقف ضد حربي 72 و79، وهي حرب كان يدفع بها النظام في صنعاء ومن ورائه السعودية؛ لضرب النظام التقدمي في عدن، وتصفية الحركة الوطنية في الشمال، ولم يكن موقفه ضد الحرب بعامة معزولاً عن موقفه أيضاً ضد حرب الجمهوريين والملكيين في الشمال”.

وأضاف: “…موقف الرباعي ضد الحرب موقف مبدئي وأصيل؛ فقد تجلى بصورة أقوى من الموقف من حرب 94 ضد الجنوب، وضد الوحدة السلمية”.

وأكد نقيب الصحفيين الأسبق أن الرباعي: “كان من أكثر السياسيين معارضة للحكم العسكري؛ فقد عارض المشير عبدالله السلال، ولم يكن على وفاق كبير مع الشهيد إبراهيم الحمدي، أما بالنسبة لعلي عبدالله صالح فكان الوحيد الذي رفض التصويت للانتخاب الصوري لعلي عبدالله في مجلس الشعب. كل الأعضاء الموجودين أجمعوا على انتخاب صالح في مجلس الشعب عام 79، ووقف العلم المفرد محمد عبدالرحمن الرباعي ضد العسكري صالح الذي انتخبته الدبابة وطلقة الرصاصة قبل الأصوات الخانعة والزائفة في مجلس شعب معين من قبل الحاكم”.

وأختتم طاهر مقاله بالقول: “كان الفقيد -يرحمه الله- زعيماً ديمقراطياً، وأفنى عمره في الدعوة للحكم المدني والإصلاح السياسي، وله موقف ضد الحرب الأهلية والإقليمية والدولية المفروضة على اليمن، ودفع الثمن إهمالاً وتجاهلاً، ولكنه اختيار مبدئي واعٍ وأصيل؛ فرحم الله الرباعي الذي قال: “لا”, ومات”.

اللاءات الأشهر

الأديب عادل شلي رئيس فرع اتحاد القوى الشعبية في حجة، كتب عن الفقيد الرباعي قائلاً:

“رحم الله الأستاذ محمد الرباعي صاحب اللاءات الأشهر في التاريخ اليمني.

– كان آخر مشاعل التنوير في يمن الحكمة والإيمان ، وأصلب المناضلين اليمنيين.

وصاحب اللاءات الأشهر في التاريخ اليمني في القرن الأخير.

– كان من أوائل الرافضين للنظام الفردي الاستبدادي الإمامي.

– وابرز من رفض عسكرة الجمهورية وهو الوحيد من أعضاء مجلس الشورى الذي رفض التصويت لعلي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية.

– أشهر من حمل راية الرفض في مواجهة عصابة 7/7 عام 1994م والانقلاب على النظام السياسي التعددي والديمقراطي.

– قاد عبر حزب اتحاد القوى الشعبية وصحيفة الشورى لسان حال الحزب راية الرفض لحروب صعدة.

– رفض العدوان على اليمن ورفض تلبية الدعوة التي وجهت إليه لحضور مؤتمر الرياض، واستهجن موقف من حضروا.

– واجه المنتصر على الثورة الدستورية في 1948م وهو في أوج قوته، وواجه المنتصر في حرب صيف 1994م وهو في أوج قوته.

أثمرت مواجهته الأولى عن تشكيل الاتحاد اليمني، واتحاد القوى الشعبية.

وأثمرت مواجهته الأخرى عن تشكيل مجلس التنسيق لأحزاب المعارضة، وقاد هو والمرحوم المناضل صالح عباد (مقبل) أمين عام الحزب الاشتراكي، والمرحوم أحمد طربوش أمين عام التنظيم الناصري جبهة المعارضة اليمنية الأقوى مواجهة لنظام صالح.

– تمكن في أواخر التسعينيات من تشكيل تحالف أحزاب المشترك والذي يعتبر الأستاذ الرباعي والشهيد جار الله عمر هما أُس المشترك وأساسه وقطب الرحى فيه مع بقية القيادات الوطنية في أحزاب المعارضة”.

انحيازٌ للوطن

أحمد يحيى الديلمي، كتب عن المرحوم الرباعي، قائلاً:

“ظل الأستاذ الكبير المرحوم محمد عبدالرحمن الرباعي مسكوناً بحب الوطن والريادة والأستاذية في اقتراح الحلول والمعالجات بأفق منطقي عقلاني ينحاز كلياً لمصلحة الوطن العليا مهما كانت المشاكل شائكة أو معقدة فانه يرفض الحلول التي تنزلق بالواقع إلى مربعات العنف وحلبات إسالة الدماء”.

وأضاف الديلمي: “ كان الأستاذ الرباعي يؤمن بسياسة الباب المفتوح لا يضع علامة استفهام إلا على من أظهر صفحته وانزلق إلى مجاهل الخيانة العلنية للوطن”.

ونقل الديلمي موقف ورأي الفقيد الرباعي من مبادرة صاغتها نخبة من السياسيين تداعوا لتدارس ظروف وأوضاع البلاد بعد مقتل الرئيس الغشمي بقوله:

“اقتنع الجميع بصواب صياغة مبادرة , ورأيت استحالة قبولها لأنها رأت الفصل بين منصب الرئاسة وقيادة الجيش وإسناد المهمة إلى وزير للدفاع لضمان إشراف الحكومة على الجيش واقتراح خطط عمله وتحركاته.. سألت المرحوم بحضور المقدمي: هل تعتقدون أن هذه الوثيقة ستلقى قبولاً؟ أجاب الأستاذ الرباعي وهو يضحك: لا اعتقد لكنها محاولة للحد من الانقلابات العبثية وتدخل الآخرين في شؤوننا كل شخص يصل إلى السلطة فجأة يكون على استعداد للاستماتة في سبيل الاحتفاظ بما وصل إليه والتواصل مع كل من يقف إلى صفه ويحقق له طول البقاء وإن كان الشيطان بالمقابل يستضعف القوى السياسية في الداخل”.

وعن موقف الرباعي من اختيار علي عبدالله صالح رئيساً خلفاً للرئيس الغشمي، قال الديلمي:

“ونحن اليوم نعيش أكبر تحدٍ مع الرجل الجديد ما أخشاه أن تتعاطى القوى السياسية مع علي عبدالله صالح بنفس الأسلوب”، شدني فسألته بلهفة: لماذا هل اتفقتم على أن يكون صالح هو البديل؟ ضحك وأجاب: نعم السعودية حسمت الأمر ومن الأمس بدأ صالح الهديّان عملية الكولسة وتوزيع المال على الأعضاء للإجماع على انتخاب الرجل باعتباره أفضل اختيار أنا بلغته موقفي بصراحة وبالفعل أنا لن أوافق على انتخابه المهم أننا سنسلمه الوثيقة قبل انعقاد المجلس كي نفتح آفاقه على الرؤية الصحيحة لنسبق احتوائه والسيطرة عليه من قبل حملة المباخر، إذا وجدنا أدنى استعداد للمناقشة سنكون جاهزين لذلك ونرفدها بمضامين كثيرة توضح التفاصيل وتشرح الأبعاد لعلنا نضيف إلى عقل الرجل عيناً ثاقبة تحد من انحيازه التام إلى الرياض وعندما تتحول الأفكار إلى رؤى فإنها تمنع الاحتباس في زوايا الخوف وتحول دون رعشة الارتياب من الفكر المخالف. هذا اقل ما نسعى إليه في الوقت الراهن بحسب ما هو متاح. كان هذا كلام المرحوم دونته في حينه وكان عند موقفه بالفعل حيث تفرد برفض انتخاب على عبدالله صالح واكتفى المرحوم علي سيف الخولاني بالامتناع عن التصويت، الموقف رغم أن المرحوم نال به شرف العداء المطلق من السلطة إلا أنه تحول إلى وبال عليه وبسببه تم نفيه الى هولندا في منصب سفير خلافاً لرغبته الذاتية حيث كان يفضل البقاء في مجلس الشعب قريباً من المواطنين البسطاء لينقل همومهم إلا أن المرحوم ظل بنفس الصلابة والحب والنقاء والتضحية في سبيل الوطن”.

عمقٌ سياسيٌ فريدٌ

كتب لطف لطف قشاشة أمين أمانة الدعوة والفكر باتحاد القوى الشعبية في نعي الفقيد محمد عبدالرحمن الرباعي، قائلاً:

“ وكون من رحل عنا يعد رمزاً وطنياً وقامة سياسية يمنية فقد بحثت عن اسم أو كنية أو مدلول فعل أو موقف أطلقه على فقيدنا الراحل الأستاذ محمد عبدالرحمن الرباعي فلم استطع إلى ذلك سبيلاً فإن قلت أنه عميد الساسة فقد ظلمت حقه في ما كان يمتلكه من عمق سياسي فريد من نوعه فهو السياسي المخضرم الذي شرب السياسة من بدايات شبابه حتى لحظات وفاته وفي آخر تلك اللحظات وهو يحدث زواره المطمئنين على صحته بذلك البعد السياسي المدرك لحقيقة ما يجب على الساسة أن يفعلوه لإخراج البلاد من المأزق والغرق الذي نعيشه اليوم وإن قلت إنه فيلسوف التعايش ورمزه فقد وصفت من عاش مع الجميع وتعايش مع الجميع وفق سقف الوطن والحرية والتسامح رغم انه كان يؤمن ببعض الرؤى والأفكار التي لا يرتضيها من تعايش معه في دلالة بينة على قمة التسامح مع المختلف..

وإن قلت هو الوطني الفذ والأوحد فهو هو من خدم تراب هذا الوطن وعاش قضية هذا الشعب بكل تفاصيلها بحثاً عن حياة ودولة تكون فيها قضايا الحرية والكرامة والعدالة هي التي تسود وبها يحكم الحاكم ما لم فسيلاقي من تلك القامة الوطنية معارضة الأشداء في قول الحق ورفض الرتوش وتزييف الوعي”..

واضاف قشاشة: “زرته أنا ومجموعة إلى منزله وهو في فراش المرض لنطمئن على صحته فبادرنا بكلمات عميقة توحي باطلاع ومتابعة دقيقة لكل شاردة وواردة تحدث في البلاد وصراعات القوى السياسية وبالطبع ختمها بلمسات من رشده السياسي المطعم بحرص متناه على سلامة وديمومة الحراك السياسي والتعددية الحزبية وتعميق مكتسبات الوحدة اليمنية في الديمقراطية والتنافس الحزبي لخدمة الأمة بعيداً عن التخندق والاصطفاف خلف التعصب وإلغاء الآخر”..

وتابع: “وفي ذروة وشدة مرضه الذي مات بعده زرناه ورغم ذلك الألم وتلك الأوجاع التي كان يعانيها إلا أن ذاكرته لا زالت حاضرة فقال لنا بصوت خافت بعد أن دنونا منه لنسمعه ((أن جميع القوى السياسية اليمنية لديها نوايا طيبة وحسنة لهذا البلد ولهذا الشعب وأنه يمكن للجميع لو تقاربوا أن يخرجوا البلد من هذه المحنة الخانقة المهم أن يجتمعوا.)) في تلك اللحظة أدركت كم أن هذا الرجل يحمل هم الوطن والشعب وأنه يؤمن بجدوى الحوار والتقارب في إنقاذ البلاد بدلاً من التباعد الذي أسلمنا إلى هيمنة القوى الخارجية التي تشن عدوانها الآثم اليوم على اليمن”..

واختتم قشاشه مقاله بالقول: “تحدث كثيرون يوم وفاته عن نزاهته وصدقه وكيف أنه رفض عسكرة الجمهورية عندما وقف للعسكر وآمن بالشورى والعدل عندما أسس حزب الشورى واتحاد القوى الشعبية مع رفقائه وكيف يؤمن بجدوى الاتحاد والوحدة والديمقراطية والجمهورية وكلها قيم ومبادئ آمن بها وعاشها سلوكاً ومنهجاً لم تغره المناصب ولم تستهويه بل جعلها وسيلة لتحقيق قيمه ومبادئه”..

النهج الديمقراطي

تحت عنوان “الرباعي.. قضية الديمقراطية وفقيدها” كتب أنس القاضي قائلاً:

“إن أهم ما يجب أن نتذكره ونلتفت إليه في الفقيد الرباعي ونحن ننعيه، هي القضية الديمقراطية التي لم تنفصل عن تاريخه وشخصيته، هو نضاله لانتصار نهج التداول السلمي للسلطة والمشاركة في إنتاج الثروة وتوزيعها.

وواقع اليمن المؤسف حالياً إنما هو نتيجة منطقية لغياب النهج الديمقراطي واستبداله بنهج الاستبداد والحروب والفيد والاحتكار والإقصاء والتوريث”.

وأضاف القاضي: “يعد المناضل محمد عبدالرحمن الرباعي (1930-2019م) من أوائل من تبنوا الديمقراطية في شمال اليمن وناضلوا لتحقيقها، منذ خمسينيات القرن الماضي عن قناعة راسخة بها كنهج صائب للحكم قادر على تلبية مصالح الشعب وتقدم المجتمع وتطور الدولة ووحدة وازدهار الوطن اليمني.

تمسك الرباعي طوال حياته السياسية بهذا النهج الديمقراطي واقفاً في وجه الاستبداد ورافضاً كل سلوك ونهج غير ديمقراطي للوصول إلى الحكم؛ فكان الرباعي الصوت الوحيد الذي رفض تزكية “الغشمي” و”صالح” للرئاسة من موقعه في مجلس الشورى للجمهورية العربية اليمنية”.

وتابع أنس القاضي: “من أهم المحطات الوطنية الديمقراطية الوحدوية اليمنية للرباعي- وهي كثيرة- هي المشاركة في اتفاقية القاهرة للوحدة اليمنية 1972م وتكمن أهمية هذه الاتفاقية -والذي كان الرباعي أحد مهندسيها- في أنها وضعت الفلسفة التي يجب أن تقوم عليها الوحدة اليمنية وقد حُددت بالنهج الديمقراطي والتعدية السياسية”.

أنموذج نادر

كتب المهندس أحمد الوشلي عن المرحوم محمد عبدالرحمن الرباعي، قائلاً:

“يشهد له الجميع وتثبت له مواقفه الوطنية عبر مراحل حياته بأنه أنموذج نادر للسياسي الشجاع صاحب القيم لا تحكمه مصلحة خاصة ولا تخيفه سلطة مهما كان جبروتها.

كان – رحمه الله – غزير الفكر والثقافة تطابقت أفكاره وسلوكه وهذه صفة لا يتصف بها إلا الصادقون الأنقياء. وكان إنساناً بكل معنى الكلمة جم التواضع والأدب.

بفقدانه فقدت اليمن أحد عظمائها ورجالها الأفذاذ الذين تتشرف بهم وبمواقفهم كل الأمة العربية والإسلامية”.

أنا- كفاح (الشعب)

الدكتور عبدالودود مقشر كتب عن الرباعي وصديقه وزميل دربه علي عبدالعزيز نصر، قائلاً:

“ارتبط الشاعر والكاتب علي عبدالعزيز نصر بالاستاذ المناضل محمد عبدالرحمن الرباعي بصداقة وإخوة استمرت حتى وفاة علي عبدالعزيز نصر، فقد ربطهما النضال ضد نظام الإمام أحمد وهروبهما إلى عدن وسكنهما معاً وتدريسهما وعملهما معاً في مجالات كثيرة، لكن أن يصل إلى التضحية من قبل الرباعي بما يحصلان عليه لطباعة المجموعة الشعرية الأولى (أنا الشعب) ثم المجموعة الثانية (كفاح الشعب) والتي كتب مقدمتها الأستاذ محمد عبدالرحمن الرباعي والأستاذ علي باذيب، فهذا نادر فقد طبعا على نفقتهما في مطبعة الحكمة بالمعلا في عدن 1959م، وارتبطا باتحاد القوى الشعبية وكانا من المؤسسين له وابرز اعضائه حتى وفاتهما، رحمهما الله”.

نبذة عن حياة الفقيد محمد عبدالرحمن الرباعي

– ولد محمد عبدالرحمن حسين الرباعي في نوفمبر1930م.

– التحق مبكراً بالحركة الوطنية ، وأصبح عضواً فاعلاً في الاتحاد اليمني في القاهرة، ثم عضواً قيادياً ومؤسساً في حزب الشورى في عدن ثم مؤسساً قيادياً في اتحاد القوى الشعبية عام ٦١-٦٢م.

– عمل وكيلاً أول لمجلس شورى الجمهورية العربية اليمنية للفترة من 71-74م.

– أسهم بفاعلية في اتفاقية الوحدة في القاهرة عام 72م.

– وأسهم في صياغة دستور الجمهورية العربية اليمنية وفي صياغة دستور دولة الوحدة.

– رئيساً لمكتب شؤون الوحدة للفترة 70-72م.

– وزيراً للشئون الاجتماعية والعمل والشباب عام 74م.

– عضواً في المجلس الاستشاري من أول تشكيله وحتى عام 82م.

– سفيراً للجمهورية العربية اليمنية والجمهورية اليمنية في هولندا وعميداً للسلك الدبلوماسي العربي والدولي للفترة 82م حتى أوائل 95م.

– رئيساً للجنة إعداد قانون الحكم المحلي 95م.

– أول الداعين لتأسيس اللقاء المشترك وأحد أهم مؤسسيه.

اقرأ أيضا:محمـد الرباعي..وختام نضاله الوطني في صف الشعب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى